بعد رفع حصار عرفات.. التحدي الأكبر أمام بوش إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات

توقع تصاعد معارضة المحافظين في الحزب الجمهوري لسياسة الإدارة الأميركية إذا شعروا أن دعم شارون ضعف

TT

يقول أحد المحللين السياسيين، إن نجاح الرئيس الاميركي جورج بوش في كسب موافقة إسرائيل على رفع الحصار عن المجمع الإداري الذي يقيم فيه عرفات حاليا، يشكل خطوة مهمة لاسترجاع مصداقيته في العالم العربي، وذلك عن طريق البدء بتنفيذ السياسة الأميركية المتعلقة بالشرق الأوسط.

لكن الوضع المتأزم الذي ما زال يبعث بذبذباته من الأراضي الفلسطينية الى البلدان العربية ما زال بعيدا عن الانتهاء. فالرئيس بوش يواجه تحديا أكبر الآن يتمثل باعادة الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات، حيث التوقعات، من تحقق ضغط أميركي لدى طرفي الصراع، وتضييق شقة الخلاف، تظل عالية جدا.

إضافة إلى ذلك، حققت دبلوماسية بوش انجازا كبيرا خلال عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة، وذلك بتعبيد الطريق لوصول «مراقبين» دوليين ـ في هيئة حرّاس أميركيين وبريطانيين ـ ليلعبوا دور السجانين للناشطين الفلسطينيين الستة، المطلوبين من إسرائيل، بتهمة اشتراكهم في قتل وزير السياحة الإسرائيلي، رحبعام زئيفي، في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي. فالخلاف الذي جرى، نتيجة تشبث إسرائيل بتسليم هؤلاء المتهمين، الذين كانوا محتجزين داخل مقر القيادة الفلسطيني في رام الله، كان النقطة المركزية في المواجهة، التي ظلت إسرائيل بسببها تبرر رفضها لرفع الحصار عن عرفات. وقال أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية، ان كولن باول حاول أن يكسب التأييد لهذه الفكرة حينما كان في إسرائيل، في بداية هذا الشهر، لكن الإسرائيليين «لم يكونوا مستعدين، وخصوصا رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون».

وتأتي مبادرة بوش كرسالة مهمة للدول العربية المعتدلة، تعبر عن استعداد الرئيس الأميركي لممارسة ضغط أكبر على حكومة شارون للتخفيف من حدة المواجهة التي تهدد استقرار المنطقة، خصوصا أن ما يتحكم في سياسة الولايات المتحدة الاستراتيجية للشرق الأوسط مبدآن: توفير الحماية لامدادات الطاقة العالمية عبر تحالفها مع الدول العربية المؤثرة، والابقاء على الشراكة التي تجمعها بإسرائيل.

وقال أنتوني كورديسمان، الخبير القديم في شؤون الشرق الأوسط: «على الولايات المتحدة أن تعيد تحقيق التوازن في سياستها المتعلقة بالمنطقة بشكل مستمر، والا فانها ستسبّب عدم الثقة بها بسبب السياسة المتقلبة لإدارة بوش».

وتأتي مبادرة بوش الدبلوماسية، بعد التحذير الذي وجهه ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، يوم الخميس الماضي حينما قال إن «صدعا عميقا» سيحدث بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي إذا لم توقف الولايات المتحدة المواجهة المسلحة في الأراضي الفلسطينية، وهذا ما يثير التساؤل عن موقف اللامبالاة الذي ظلت الإدارة الأميركية تظهره تجاه الحصار في رام الله.

وقال المسؤولون السعوديون إن ولي العهد السعودي غادر الولايات المتحدة وهو مقتنع بأن الرئيس بوش قد بدأ يدفع بشكل أقوى لانهاء العنف وخلق إطار عمل مناسب لبدء المفاوضات التي سيعلن عنها في الأيام المقبلة. وقال أحد المسؤولين الأميركيين: «سيتم التحرك بشكل سريع، فنحن سنشاهد انسحابا إسرائيليا شاملا من الأراضي الفلسطينية، وانتهاء الحصار المضروب حول كنيسة المهد، حيث ستستخدم الطريقة نفسها التي مكنّت الناشطين الفلسطينيين من الدخول في عهدة الحراس الأميركيين والبريطانيين».

وضمن هذا السياق، قال احد المسؤولين السعوديين إن الأمير عبد الله يشعر بأن لديه شيئا خرج من زيارته للولايات المتحدة.

مع ذلك، ظل البيت الأبيض صامتا حول الإجراءات المقبلة، لكن بوش اشار أيضا، بأنه يتوقع حدوث تقدم سريع قريبا. فمن مزرعته في كروفورد، قال الرئيس بوش، بخصوص الحصار المضروب حول كنيسة المهد: «أنا مقتنع بان تقدما جيدا سيتم لانهاء ذلك الجزء من الغارة الاسرائيلية. وآمل أنها تتم قريبا».

في الوقت نفسه، طرح بوش بشكل واضح، أن على عرفات أن يستجيب بنفس الحماس «في ادانة الإرهاب وعرقلة النشاطات الإرهابية».

من جانب آخر، يبدو أن المسؤولين الأميركيين حريصون على التأكيد أن دبلوماسية بوش الجديدة ناجمة عن مبادرة شخصية منه، وانها لم تكن نتيجة لضغط ولي العهد السعودي، الذي توجه إلى تكساس في الأسبوع الماضي، ليعبر عن مشاعر الاحباط الجماعي لدى القادة العرب المعتدلين، وهذا يتضمن الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الأردني الملك عبد الله.

واحد الدلائل على ذلك هو الحماس الذي أظهره بوش ومساعدوه، يوم الجمعة الماضية، حينما قرروا نشر مقترحات الأمير عبد الله الثمانية التي قدمت للرئيس الأميركي يوم الخميس الماضي، أثناء اجتماع ولي العهد السعودي به. ويتطلب تنفيذ المشروع السعودي ذي الثماني نقاط، أن يقوم الرئيس الأميركي بممارسة ضغط فوري على الإسرائيليين لرفع الحصار المفروض على عرفات، ولإعادة مسار المفاوضات الهادفة لتحقيق السلام.

وقال، آري فلايشر، المتحدث باسم البيت الأبيض، أمس، إن الرئيس الأميركي رفض كشف مكالمته الهاتفية لشارون يوم السبت الماضي، وذلك لانه يفضل «العمل الدبلوماسي الهادئ». وقال فلايشر في هذا الصدد: «الرئيس معني أكثر بالعمل والدبلوماسية».

مع ذلك، يبدو أن البيت الابيض يفضل كثيرا اعلان النتائج المتحققة من دبلوماسيته الهادئة بطريقة تشدد على أن ذلك ناجم عن مبادرة الرئيس الأميركي، بعيدا عن ضغوطات اللوبي المساند لاسرائيل او الدول العربية.

لكن وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، قام بتذكير إدارة بوش، عبر عدة مقابلات صحافية، من أن الخطوات التي يجب اتباعها لتحقيق السلام ما زالت ضخمة. وقال الأمير سعود الفيصل، إن ارسال مراقبين غير كاف إذا كان الرئيس بوش ينوي خلق انفصال ضروري بين الجيش الاسرائيلي (الذي ما زال متمركزا حول الكثير من المدن الفلسطينية)، والفلسطينيين الغاضبين.

وقال الأمير سعود الفيصل لصحيفة «الشرق الأوسط»: نحن نريد الآن قوات دولية تحمي الفلسطينيين، وتضمن تحقق الأمن على طول الخطوط الفاصلة مثلما جرى في البلقان».

من جانبه، أيد توم داشيل، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي، هذا المقترح، على قناة «إيه بي سي نيوز» التلفزيونية، حينما قال: «اعتقد انه أصبح الوقت مناسبا لإرسال قوات لحفظ السلام». وأضاف السناتور الأميركي: «أعتقد ان الطريقة الوحيدة لتحقيق الاستقرار هو الحضور الأميركي، إذ انه سيبعث برسالة واضحة من اننا ننوي العمل مع الطرفين».

وينتظر المسؤولون السعوديون، أيضا، أن يشرع الرئيس بوش بوضع اطار عمل للمفاوضات التي ستجري ضمن مؤتمر دولي، يحضره وزراء خارجية الدول العربية الرئيسية وإسرائيل، تحت رعاية الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة.

ولعل نجاح الرئيس بوش في هذا العمل الدبلوماسي الحاسم، يكمن في قدرته على إقامة قناة اتصال بين البيت الأبيض وحكومة شارون، التي تحظى سياستها الحالية بتأييد قوي من الاسرائيليين. ويعزو العديد من المحللين السياسيين هذا النجاح على أن بوش كان مؤيدا للغزو الإسرائيلي بشكل مكشوف، لان اهدافه تتوافق مع سياسة الولايات المتحدة في حربها ضد الارهاب.

من المتوقع أن تشهد الاسابيع المقبلة تصعيدا معارضا لسياسات الإدارة الأميركية، من قبل القادة المحافظين داخل الحزب الجمهوري، في حال شعورهم أن الدعم الذي كانت الإدارة الأميركية تقدمه لشارون في حماية إسرائيل من المهاجمين الانتحاريين، قد ضعف. وسيتم اختبارالتزام إسرائيل برفع الحصار عن عرفات في حال وقوع أي هجوم انتحاري. وقال كورديسمان عن الخطوة التي انجزت أمس إنها «لن تكون ذات أي قيمة إذا جرت عمليات غزو اسرائيلية جديدة او اذا فرض حصار آخر على عرفات»، بسبب وقوع عملية انتحارية.

آنذاك، على الرئيس بوش ان يتخذ خطوات أخرى لإبقاء الاتفاق قائما، مع الرد الايجابي على المطالب الداعية الى الفصل بين الطرفين المتحاربين، والدخول في المفاوضات السياسية الهادفة الى وجود دولتين محميتين ضمن إطار عمل أمني.

*خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»