كيف يعمل اللوبي الإسرائيلي: حملة قوية على الصحف الأميركية تشمل دعوات مقاطعة

TT

كالت المنظمات اليهودية والمجموعات المؤيدة لاسرائيل في الولايات المتحدة العديد من التهم للصحف خلال الاسابيع الاخيرة بالانحياز في التغطية الصحافية للاحداث في الشرق الاوسط. ففي لوس انجليس اوقف الف شخص اشتراكاتهم في صحيفة «لوس انجليس تايمز» لمدة يوم احتجاجا على ما اعتبروه «تغطية غير دقيقة منحازة للجانب الفلسطيني». وفي نيويورك ناشد الكثير من اعضاء الجالية اليهودية القراء بمقاطعة صحيفة «نيويورك تايمز». اما في مينابوليس، فقد اشترت منظمة تدعى «سكان مينيسوتا المناهضون للارهاب» صفحة كاملة في صحيفة «ستار تريبيون» اتهمت عبرها الصحيفة برفض اطلاق تسمية «ارهابي» على الانتحاريين الفلسطينيين. وقال مايكل غيتلار، محقق الشكاوى في صحيفة «واشنطن بوست» انه ظل يتسلم خلال الايام الاخيرة ما يزيد على مائة مكالمة ورسالة بريد اليكتروني في اليوم يتهم معظمها الصحيفة بإجراء تغطية منحازة الى الفلسطينيين ومناوئة لاسرائيل. اما نيد ووريك، محرر الشؤون الخارجية بصحيفة «فيلالدفيا انكويارار»، فقد ذكر ان الصحيفة تعرضت خلال الفترة الاخيرة لـ«سيل من الانتقادات» من الجالية اليهودية المحلية وقال انه ظل يتسلم ما بين 100 و120 رسالة بريد اليكتروني يوميا في ما يبدو انه حملة دقيقة الترتيب ومتواصلة. رؤساء التحرير نفوا من جانبهم تهم الانحياز التي وجهت الى صحفهم كما ان العديد منهم التقى اعضاء في الجالية اليهودية لمناقشة هذا الامر، وقالوا ان المراسلين والمحررين يدركون تماما حساسية الوضع في الشرق الاوسط مؤكدين على ان صحفهم تبذل كل جهد ممكن لالتزام جانب الانصاف وعدم الانحياز لجهة بعينها في تغطية الاحداث. وقال تيموثي ماكنولتي، مسؤول الاخبار الخارجية بصحيفة «شيكاغو تريبيون» انهم «ليسوا معصومين عن الخطأ لكنهم بالتأكيد غير منحازين، واشار الى ان أي صحيفة يمكن ان تخطئ مؤكدا ان الاخطاء لا تنم عن سوء نية وليست نتاج انحياز من أي شكل».

وكانت عدة صحف ارتكبت بعض الاخطاء، سواء كان ذلك عن اهمال او بصورة متعمدة، مما عزز الاعتقاد لدى افراد الجالية اليهودية في ان التغطية الصحافية للاحداث منحازة ضد اسرائيل وممالية بالتالي للجانب الفلسطيني. عندما غابت صحيفتا «لوس انجليس تايمز» و«سان فرانسيسكو كرونيكيل» عن تغطية لندوات عامة اقامتها الجالية اليهودية في لوس انجليس وسان فرانسيسكو ادى ذلك الى شجب الصحيفتين بعنف من جانب قادة الجالية اليهودية. وقال مسؤولون في «مينابوليس ستار تريبيون» ان القرار الخاص بوقف استخدام كلمتي «الارهاب» و«الارهابيين» في تقرير اوردته خدمة «نيويورك تايمز» مطلع الشهر الجاري جاء من جانب محرر «اخطأ تفسير» سياسة الصحيفة بالتعامل بـ«حرص زائد» ازاء استخدام هاتين الكلمتين. واوضح بن تيلور، نائب رئيس قسم الاتصالات بالصحيفة، ان المحرر لم يفهم تماما هذه السياسة ولم يعها. كما تعرضت للانتقادات صحف اخرى بسبب سياسات تتعلق باستخدام هذه اللغة. تنص سياسة «شيكاغو تريبيون» على «التعامل بحذر» عند استخدام كلمة «ارهابي» و«ارهاب» لوصف عمل او حادثة، كما تنص سياسة الصحيفة كذلك على «الامتناع عن استخدام صفة ارهابي لوصف فرد او مجموعة». واضاف ماكنولتي ان سياسة الصحيفة نابعة في الاساس من «الحرص على التزام جانب الدقة وتجنب التصنيف»، بيد ان زعماء الجالية اليهودية يصرون على ان الهجمات الانتحارية اعمال ارهابية وان اعضاء حركة «حماس» و«الجهاد الاسلامي» و«حزب الله» ومنظمة «القاعدة» ارهابيون. ويرى لويس غيلفاند، من صحيفة «ستار تريبيون» ان معظم الانتقادات التي وجهت الى الصحيفة بسبب تغطية احداث الاسابيع الاخيرة تذكره بالانتقادات التي سمعها حول تغطية المسائل المتعلقة بالاجهاض. فالكثير من الجوانب، كما يقول غليفاند، يتعلق باللغة، اذ ان المؤيدين والمناهضين للاجهاض يشعرون بالغضب عند استخدام تعبيري «حق الحياة» و«حق الاختيار»، في اشارة الى حق الجنين في الحياة وحق الحامل في اجهاض حملها. وفي هذا الصدد يحتج مؤيدو اسرائيل في الوقت الراهن من ان الصحف تشير احيانا الى الفلسطينيين باستخدام كلمة «مقاتلين» او «مناضلين» او «محاربين» ويطالبون بوصفهم بـ«الارهابيين»، كما يشكو هؤلاء ايضا من ان الصحف تشير الى الضفة الغربية بـ«الاراضي المحتلة» بدلا من «الاراضي المتنازع عليها». الجالية العربية الاميركية ومؤيدو الجانب الفلسطيني يتخذون موقفا معاكسا في ما يتعلق بالمصطلحات وتغطية الاحداث بصورة عامة في الشرق الاوسط، اذ يتهم هؤلاء وسائل الاعلام الاميركية بالانحياز الواضح في التغطيات الصحافية للجانب الاسرائيلي. احمد بوزيد، رئيس «فلسطين ميديا ووتش» بفيلادلفيا، يعتقد من جانبه ان تغطية وسائل الاعلام الاميركية مضللة وغير دقيقة في عكس المعاناة الحقيقية للشعب الفلسطيني. ويعزو بعض المؤيدين للجانب الفلسطيني هذه التغطية الى «السيطرة اليهودية» على الكثير من وسائل الاعلام الرئيسية في الولايات المتحدة، كما يعزونه كذلك الى ما يعتبرونه رغبة من طرف وسائل الاعلام هذه في اتخاذ موقف ينسجم مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة الاميركية المؤيد عادة لاسرائيل. رؤساء تحرير ومسؤولو الصحف نفوا هذه التهم ايضا. الا ان المنتقدين يرون ان الصحف كثيرا ما فشلت في فعل ما ينبغي فعله، أي وضع احداث مثل الهجوم الاسرائيلي في سياقه التاريخي المناسب. كما يرى ناقدون آخرون ان وسائل الاعلام قد خصصت لمعاناة ضحايا الهجوم الاسرائيلي والناجين منه اهتماما اكبر مما خصصته لضحايا الهجمات الانتحارية الفلسطينية والناجين منها.

كتب مراقب الشكاوى بصحيفة «واشنطن بوست» في احد الاعمدة بعددها الصادر يوم 7 ابريل (نيسان) الجاري ان الصحيفة نشرت تقارير قوية حول معاناة الفلسطينيين من الهجوم الاسرائيلي، بيد ان اهتمام الصحيفة بتغطية آثار الهجمات الانتحارية على الاسر الاسرائيلية والمجتمع كان اقل حجما، طبقا لما ذكر. ومن جهته قال ليونارد داوني، المدير الاداري لصحيفة «واشنطن بوست» ان عدم التوازن في تغطية الاحداث على الجانبين ليست مسألة متعمدة وانما نتيجة لعمل الكثير من مراسلي الصحيفة في تغطية الاعمال العسكرية في الشرق الاوسط. وفي محاولة لمعالجة القصور في هذا الجانب ارسلت الصحيفة مراسلها غلين فرانكيل الى اسرائيل ونشرت تقريرين اخباريين في الصفحة الاولى حول آثار الهجمات الانتحارية هناك. رغم ذلك لا تزال الانتقادات الموجهة الى «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» مستمرة بل وزادت حدة بفعل حدة الانفعالات والمشاعر لدى الجانبين. يقول ويليام سيوانسون، مساعد مدير التحرير والمحقق في الشكاوى بصحيفة «فيلادلفيا انكوايارار» ان الشكاوى زادت خلال الفترة الاخيرة، واشار الى انه جاء الى العمل يوم الاربعاء الماضي ولم يستطع مزاولة أي عمل سوى الرد على المكالمات ورسائل البريد الالكتروني التي هاجم مرسلوها الصحيفة على ما اعتبروه انحيازا وتحاملا منها بسبب نشرها في الصفحة الاولى تقريرا حول جنود اسرائيليين اشارت اتهامات الى انهم خربوا مركزا ثقافيا في مدينة رام الله. وكان الصحيفة قد تحدثت الى مديرة المركز التي اوضحت ان ما تعرض له المركز من قبل الجنود الاسرائيليين لم يكن عملية امنية وانما تخريبا متعمدا كجزء من رغبة متعمدة في تخريب وتدمير كل ما هو فلسطيني، كما قدرت مديرة المركز تكلفة صيانة التخريب والاضرار التي الحقت به بحوالي 5000 دولار اميركي. اثار هذا التقرير احتجاج غيورا بيشر، قنصل اسرائيل العام في فيلادلفيا، التي شكت من «ان هناك حربا دائرة ورغم ذلك تنشر الصحيفة على الصفحة الاولى تقريرا عن حدوث اضرار تكلف صيانتها 5000 دولار». ويعزو محرر الشؤون الخارجية بالصحيفة بعض الانتقادات الصادرة عن الجالية اليهودية الاميركية الى «الفهم الخاص بهم لما يدور في الضفة الغربية» وادراكا منهم «لخسارة اسرائيل في ساحة الرأي العام العالمي». ويضيف ووريك ان الاميركيين اليهود الموالين لاسرائيل «يشعرون بأنهم عاجزون عن فعل شيء ازاء ما يجري هناك وبالتالي ليس امامهم سوى محاولة التأثير على الصحيفة المحلية»، وهذا ما يحاولون فعله الآن، طبقا لقوله. ويقول صحافيون آخرون ان سرعة واتساع دائرة استخدام البريد الالكتروني وشبكة الانترنت لهما دور كبير في تزايد انتقاد اليهود لتغطية وسائل الاعلام. يقول دان هورتش، من صحيفة «بورتلاند اوريجون»، ان القراء يتلقون الاخبار مباشرة من الاصدقاء والاقارب في اسرائيل والاراضي المحتلة حول ما يحدث هناك عبر البريد الالكتروني قبل وصول «لوس انجليس تايمز» او «نيويورك تايمز» او «سي ان ان» لموقع الحدث لتأكيد أي شيء، وفي نفس الوقت يريد هؤلاء، كما يقول هورتش، معرفة السبب في عدم نشر الصحيفة لهذا الحدث.

ويقول ساندرز لامونت، المحقق في الشكاوى بصحيفة «سكرامنتو»، انه يلاحظ المزيد من الحدة والاستقطاب في شكاوى القراء، واضاف ان الفرق يكمن في ان بعض ممن يحملون مشاعر قوية وجدوا على شبكة الانترنت مواقع لصحف في اوروبا واسرائيل ومصادر اخرى تتفق ومواقفهم بصورة عامة. ويضيف لامونت ان هؤلاء ربما يتساءلون عن السبب في عدم نشر صحيفته لتقرير نشرته «هآرتس» الاسرائيلية حول ما يرتكبه الفلسطينيون من احداث في تل ابيب، مشيرا الى ان هؤلاء على قناعة بصحة موقفهم.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»