إسرائيل ترفض التعاون مع لجنة تقصي الحقائق لحين الاستجابة لشروطها والسلطة الفلسطينية تحمل أنان المسؤولية وتطالبه بإرسالها فورا

TT

اعتبرت السلطة الفلسطينية قرار الحكومة الاسرائيلية رفض استقبال لجنة تقصي الحقائق الدولية بشأن المجازر التي ارتكبت في مخيم جنين بأنه محاولة للتغطية على جرائم الحرب التي ارتكبها جيش الاحتلال. وقال صائب عريقات وزير الحكم المحلي الفلسطيني بأن اسرائيل ترى ان هناك ما يدعوها للقلق من عمل اللجنة لذا قررت عدم التعاون معها. وطالب عريقات الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان بإصدار أوامر لارسال اللجنة فورا وليدع اسرائيل تمنعها من مزاولة مهامها، وحمله مسؤولية التأخير والمماطلة.

وهذا ما كان يتخوف منه وزير الخارجية الاسرائيلي شيمعون بيريس في تعليق له على قرار الحكومة رفض التعاون مع اللجنة. وقال بيريس انه رغم تأييده لقرار المجلس الوزاري إلا أنه يعتقد أن القرار سوف يفهم على أنه محاولة لإخفاء ما حدث في جنين. ونقلت عنه صحيفة «يديعوت احرونوت» في عددها الالكتروني اعتقاده أن «الولايات المتحدة لن تستخدم حق النقض لأن إرسال اللجنة كان اقتراحا أميركيا».

وكان مجلس الأمن قد هدد بإدانة اسرائيل في ختام جلسة عقدها الليلة قبل الماضية لبحث المماطلات الاسرائيلية في موضوع لجنة تقصي الحقائق التي كانت اسرائيل قد وافقت في 19 ابريل (نيسان) على استقبالها ثم تراجعت في ما بعد ونجحت 3 مرات في تأجيل وصولها الذي كان مقررا اصلا يوم الخميس الماضي كما نجحت في اضفاء بعض التعديلات في تركيبتها باضافة 4 عسكريين من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الى عضوية اللجنة التي تكونت بالاصل من 3 شخصيات دبلوماسية دولية برئاسة الرئيس الفنلندي الاسبق مارتي اهتساري. ويفترض ان يكون المجلس قد واصل مداولاته اليوم ليعطي رده على قرار الحكومة الاسرائيلية.

وصوت مجلس الوزراء الاسرائيلي المصغر، لصالح القرار بالاجماع باستثناء اسحق ليفي من الحزب الديني القومي (المفدال الذي يعرف بحزب المستوطنين). وبرر المجلس قراره هذا بأن الامم المتحدة لم تلب الشروط الاسرائيلية التي كان وفد اسرائيلي خاص قد نقلها الى الامين العام للامم المتحدة. ومن بين هذه الشروط: لا يحق للجنة استدعاء شهود كيفما شاءت وتخويل إسرائيل وحدها صلاحيات هذا الامر والا يسمح بنشر اسماء من يخضعون للتحقيق او بملاحقتهم قضائيا، وتريد اسرائيل ايضا اضافة خبراء في مسائل مكافحة الارهاب كما تطالب اللجنة في التحقيق في نشاطات المقاتلين الفلسطينيين في المخيم، والاشارة الى وصف الارهاب كلما ذكر اسم مخيم جنين على حد قول الفلسطينيين.

وقال بيان لمكتب رئيس الحكومة ارييل شارون، ان إسرائيل أبدت أمام الأمم المتحدة عدة تحفظات حول صلاحيات اللجنة، لذا يجب التوصل إلى اتفاق بشأنها قبل وصولها إليها.

لكن اسرائيل في الحقيقة متخوفة من اي تحقيق في ما ارتكبه جنودها في مخيم جنين حتى لا تكون بداية لسلسلة تحقيقات في جرائمها في بقية المدن والمخيمات الفلسطينية مثل نابلس. وتعتبر اسرائيل الامم المتحدة عدوا لها ايضا وعبر عن ذلك جدعون مئير المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية بقوله «لا شيء جيد لاسرائيل يصدر عن الامم المتحدة. انها منظمة معادية لاسرائيل».

يذكر ان اسرائيل اقيمت بناء على قرار صادر عن الامم المتحدة، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تأسست على هذا الاساس.

لكن الامين العام للامم المتحدة اكد الليلة قبل الماضية ان اللجنة ستخول صلاحيات واسعة رغم معارضة حكومة إسرائيل. وأضاف أنان في رسالة وجهها لسفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، يهودا لانكري إن لجنة تقصي الحقائق ستقدم تقريرها حول الاستنتاجات التي ستتوصل اليها، له شخصيا. ودعا أنان كلا من اسرائيل والسلطة الفلسطينية الى «تزويد اعضاء اللجنة بالمعلومات الموثقة وبالحقائق».

وربما كان انان في تأكيده هذا يرد على اشاعات مفادها ان اسرائيل تسعى لدى الولايات المتحدة من اجل تقليص صلاحيات هذه اللجنة او الغائها كليا، كثمن لموافقتها على قبول اقتراح الرئيس الاميركي جورج بوش بشأن رفع الحصار عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مقره في رام الله، مقابل حبس مطلوبين فلسطينيين محاصرين مع عرفات في سجن فلسطيني تحت حراسة بريطانية واميركية.

وجاء في رسالة أنان الى السفير لانكري: «ان طاقم اللجنة سيفحص الجوانب الانسانية والامنية للاحداث التي وقعت في جنين، ومع قيام الطاقم بذلك يكون قد نفذ تعليمات ونصوص القانون الدولي».

وقال انان «في هذه المرحلة انه لامر مهم وملح جدا ان نصل الى المخيم لنعرف ما حصل ونضع كل الاشاعات والاتهامات وراء ظهورنا».

يذكر ان الفلسطينيين يتهمون قوات الاحتلال التي دخلت المخيم وحاصرته بارتكاب مجازر بشعة ضد اهالي المخيم من غير العسكريين وقامت عمليا باعدام العديد من الشباب في المخيم بعد استسلامهم لها كما نسفت منازل عديدة فوق رؤوس اصحابها، الى جانب تدمير حوالي ثلث مساحة المخيم تدميرا كاملا.

من جانبه حمل عريقات في تصريحات لوسائل الاعلام الفلسطينية المرئية والمسموعة انان المسؤولية عن مواصلة عمل اللجنة. واضاف عريقات: ان الكرة الآن في معلب أنان وعليه ان يصدر تعليماته لارسال اللجنة التي تنتظر في جنيف منذ حوالي الاسبوع من دون تأخير او مماطلة. واشار عريقات الى ان حكومة اسرائيل تريد ان يرى العالم ما جرى في جنين والبلدة القديمة من نابلس بعيون شارون وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسبق ونتان شيرانسكي زعيم اليهود الروس. ويشير عريقات في ذلك الى الشروط الاسرائيلية التي وضعتها حكومة شارون من اجل ان تقبل عمل اللجنة.

وقال ان اسرائيل طالبت اللجنة بعدم اصدار استنتاجات او ملاحظات في تقريرها. وتساءل عريقات «اذن لماذا يرسل مجلس الامن هذه اللجنة في حال لا يكون من حقها تضمين تقريرها استنتاجات معينة». ونوه المسؤول الفلسطيني الى ان الامم المتحدة ابلغته بأن اسرائيل اشترطت ان يتم الاشارة الى مصطلح الارهاب في كل مرة يتم فيها الاشارة الى مخيم جنين، وان يتم ربط التأكيد على ضمان حقوق الانسان بحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها. واشار عريقات الى ان اسرائيل تشدد على انه من حق حكومتها تحديد هوية الاشخاص الذين يجب ان يدلوا بشهادات امام اللجنة.

واكد ان اسرائيل تطالب ايضا بادخال تعديلات على مرجعية قرار مجلس الامن الذي على اساسه تم ارسال اللجنة. وحذر عريقات مجلس الامن والامم المتحدة وامينها العام بأن كل محاولة لاجراء مفاوضات مع حكومة شارون حول اللجنة تشكل تواطؤا ضد الشعب الفلسطيني. واضاف عريقات قائلا «فليقم انان بارسال اللجنة وليقم شارون بطرد اعضائها من المطار. يجب ان يتم ارسال اللجنة اولا ويجب ان يتم احترام قرار مجلس الامن الدولي».