وثائق شارون تتضمن انتقادات عرفات لعمليتين انتحاريتين في مارس ووصفه «كتائب الأقصى» بالمنشقين

TT

مع سفر آرييل شارون الى واشنطن، كثف المسؤولون الاسرائيليون، من حملتهم لتشويه سمعة ياسر عرفات، وذلك بتزويد المسؤولين الأميركيين بثلاث مجموعات من الوثائق المستندة الى اعترافات بعض الفلسطينيين المعتقلين. ويعتقد الاسرائيليون أنهم يقدمون دليلا قاطعا على مسؤولية الزعيم الفلسطيني المباشرة عن الهجمات الانتحارية. ويعتزم شارون تقديم هذه الوثائق للرئيس الأميركي جورج بوش عندما يلتقيه اليوم.

وتحاول الوثائق الاسرائيلية المتعلقة بعرفات، اثبات موافقته على تقديم مدفوعات لبعض الأفراد المنتمين الى منظمة فتح، والذين نفذوا هجمات انتحارية. اضافة الى ذلك، تكشف الوثائق عن معرفة أجهزته الأمنية بأن بعض أعضاء فتح كانوا يشاركون في الهجمات الانتحارية، وأن بعض أعضاء منظمتي حماس والجهاد الاسلامي تمكنوا من التغلغل داخل الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

لكن هذه الوثائق لا تكشف بشكل قطعي ان الرئيس عرفات أصدر الأوامر بتنفيذ الهجمات الانتحارية، بل هناك نقد، في بعض الوثائق، يوجهه عرفات للهجمات الانتحارية، وللمساعدات المالية التي تأتي الى حماس والجهاد الاسلامي من بعض البلدان العربية.

مع ذلك، فان داني نافح، الوزير الليكودي لقضايا البرلمان، وصف الوثائق بأنها تثبت مسؤولية عرفات. وقال الوزير الاسرائيلي: «كان عرفات متورطا بشكل شخصي في تخطيط وتنفيذ الهجمات «الارهابية»، فهو يساعدها آيديولوجيا، ويدعمها ماليا، وهو يرأس شخصيا منظمة كتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح».

بل ذهب داني نافح الى حد اتهام السلطة الوطنية الفلسطينية باستخدام التبرعات التي حصلت عليها من دول الاتحاد الأوروبي لدفع رواتب 400 الى 500 مستخدم، يعتبرهم من «الارهابيين». وأضاف الوزير الاسرائيلي، أن توفيق طيراوي رئيس المخابرات في الضفة الغربية، شارك في تخطيط وتنفيذ الهجمات «الارهابية».

لكن الفلسطينيين، من جانبهم، انكروا هذه المزاعم، واعتبروها مجرد مبالغات رُتبت لتتزامن مع رحلة شارون الى الولايات لمتحدة. واستفسر أحمد عبد الرحمن، احد المساعدين الكبار لعرفات: «هل هناك أي وثيقة تثبت أن الرئيس عرفات أمر بشراء أو صنع أسلحة؟ أو أي وثيقة تثبت أن الرئيس عرفات دعا الى القيام بهجمات على أهداف اسرائيلية؟ هذه مجرد اتهامات باطلة تفتقد لأي منطق».

وقال دبلوماسي غربي، ان المسؤولين الاسرائيليين بالغوا بدور مروان البرغوثي، الذي اعتقلته اسرائيل ووجهت له تهمة قيادته بشكل سري منظمة «كتائب شهداء الأقصى»، التي تضم ناشطين من فتح.

وفي هذا الصدد قال الدبلوماسي الغربي انهم «يحاولون جعل البرغوثي أكثر مما هو عليه. واذا قال أي شيء فانه يتم تضخيمه وتكبيره».

وتظهر الوثائق أن اجهزة الاستخبارات الفلسطينية كانت تراقب أعمال الناشطين المنتمين الى فتح وحماس والجهاد الاسلامي، بما فيها عملياتهم الانتحارية. لكن الشيء غير الواضح، هو ما اذا كان المسؤولون الفلسطينيون قد أيدوا حدوث هذه الهجمات، أو حاولوا ايقافها أو ضمنيا قاموا بدعمها عن طريق عدم التدخل.

ونشر الاسرائيليون وثائق أخرى تظهر موافقة عرفات على تقديم مدفوعات لقائمة من أعضاء فتح، تتضمن بعض أسماء اولئك الذين نفذوا بعض الهجمات الانتحارية. وقال المسؤولون الفلسطينيون ان عرفات صادق على تقديم المدفوعات لمئات من عناصر فتح، وهناك فاصل زمني بين تقديم المدفوعات ووقوع العملية، تصل أحيانا الى أسابيع أو شهور.

اضافة الى ذلك، قدم الاسرائيليون وثيقتين أخريين للمسؤولين الأميركيين، تتضمنان طلبا قدمته «كتائب شهداء الأقصى» لياسر عرفات ومروان البرغوثي، لمساعدتها ماليا. لكن ليست هناك أي اشارات تدل على أن الطلب قد استجيب له. وهذه الرسائل إما أنها بلا تاريخ، أو مؤرخة بتاريخ يعود الى ما قبل اغتيال قائدها في يناير (كانون الثاني) الماضي. وكانت منظمة «كتائب شهداء الأقصى» قد بدأت عملياتها الانتحارية بعد ذلك التاريخ.

وفي رسالة موجهة الى مروان البرغوثي، بتاريخ 8 مايو (ايار) 2001، لخصت منظمة كتائب الاقصى عملياتها العسكرية الموجهة ضد المستوطنات والجنود الاسرائيليين، واشتكت من «غياب ميزانية لهذه العمليات»، مؤكدة أن التكاليف دفعت من جيوب المقاتلين. وهناك طلبان آخران بتقديم الدعم المالي للحصول على العتاد، وقطع القنابل ومخارط، وهذه، كما يبدو، من أجل صنع مدافع هاون، وعثر على هذه الرسالة في مكتب فؤاد شوبكي، أحد مساعدي عرفات والمتهم بتهريب أسلحة ومتفجرات ايرانية الى المناطق الفلسطينية. لاحدى هاتين الرسالتين تاريخ مثبت بـ 16 سبتمبر (ايلول) 2001، والأخرى بدون تاريخ. وهناك بعض الحسابات المخربشة فوق سطح الرسالتين، لكن ليست هناك أي كتابات اضافية.

ويقول الاسرائيليون ان الرسالتين تشكلان دليلا على أن مساعدي عرفات يمولون منظمة «كتائب شهداء الأقصى»، لكن مروان البرغوثي انكر هذه التهمة، في الوقت الذي قال المسؤولون الفلسطينيون ان هذه الوثائق قدمت بشكل مشوه.

ويتضمن التقرير المقدم للاميركيين محضر اجتماع داخلي، جرى في 21 مارس (آذار) 2002، وحضره قياديون فلسطينيون بعد وقوع عمليتين انتحاريتين، أنهتا مهمة المبعوث الأميركي الجنرال انتوني زيني. وفي الاجتماع انتقد عرفات توقيت هاتين العمليتين، حيث قال في وقت ما من الاجتماع: «لا أعرف من تخدم هذه الأعمال»، ووصف أعضاء الكتائب بـ«المنشقين». وقال ان الولايات المتحدة وضعت اسم «كتائب شهداء الأقصى» ضمن قائمة المنظمات الارهابية، وحذر من انتقام أميركي.

وقال عرفات في ذلك الاجتماع: «هذه المجموعة هي أول منظمة عربية يوضع اسمها على قائمة الارهاب جنبا الى جنب مع طالبان والقاعدة». وحسب المحضر أضاف عرفات: «الله يحمينا مما هو سيأتي بعد ذلك».

ويقول الاسرائيليون ان عرفات كان يكذب في كلمته لخوفه من أن ينشر المحضر علنا، وهذا ما سيضر بعلاقته بالولايات المتحدة. لكن المسؤولين الفلسطينيين أنكروا ذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»