خلافات حول عدد المطلوبين ومدد إبعادهم تسبق الاتفاق بشأن حل مشكلة كنيسة المهد

الفلسطينيون يقبلون بثلاث سنوات يستغلها المبعدون في إكمال دراساتهم الجامعية والإسرائيليون يصرون على 5 سنوات على الأقل

TT

تقترب ازمة المحاصرين في كنيسة المهد في بيت لحم من نهايتها بعد حوالي 5 اسابيع، بعدما قدم الجانب الفلسطيني او بالاحرى قناة تفاوض سرية، تنازلات في مسألة قبول فكرة الابعاد الى خارج الضفة الغربية وقطاع غزة، المحدود المدة لعدد من المحاصرين الذين تعتبرهم اسرائيل خطرا امنيا وبعضهم من جهاز المخابرات الفلسطينية العامة وفي مقدمتهم مدير مكتب الجهاز في بيت لحم عبد الله داوود. ويوافق الفلسطينيون على ألا تتجاوز فترة الابعاد الى ايطاليا ثلاث سنوات، يستغلها المبعدون لانهاء دراساتهم الجامعية، بينما يصر الاسرائيليون على الا تقل المدة عن خمس الى ست سنوات.

واعتبر مسؤول فلسطيني الموقف الاسرائيلي مماطلة بهدف كسب الوقت لمواصلة حملات الاعتقال في بيت لحم ومخيماتها.

وكان الجانب الفلسطيني قد قدم اول من امس تنازلا آخر تمثل في تسليم ممثل عن الاتحاد الاوروبي قائمة باسماء الموجودين في الكنيسة الذين انخفض عددهم الى 139 بعد خروج العشرات منهم ما بين قتيل وجريح على مدى الاسابيع الخمسة الماضية.

ويوجد الى جانب هؤلاء 34 راهبا وراهبة اضافة الى 11 من نشطاء السلام الغربيين الذين نجحوا يوم الخميس الماضي في دخول الكنيسة رغم حصار جنود الاحتلال. وقال احد هؤلاء واسمه اريتش وهو من هولندا اتصلت به «الشرق الأوسط»، ان الاوضاع هادئة داخل الكنيسة. واضاف ان هناك بعض المسلحين، وان المعنويات عالية جدا داخل الكنيسة رغم نفاد المواد الغذائية ووجود جريحين على الاقل وبعض المرضى. اما عن الماء فقال انه متوفر عبر الآبار الموجودة في ساحات الكنيسة الداخلية. وتابع القول ان ثمة احساسا بأن القضية ستشهد حلا قريبا. وقال عضو في الوفد الفلسطيني المفاوض الذي اوقف لقاءاته مع الاسرائيليين بعد انكشاف امر قناة تفاوض سرية، لـ«الشرق الأوسط»: «ان الخلاف الآن لا يدور على فكرة الابعاد بل على عدد المبعدين». واضاف عضو التفاوض السابق «ان الفلسطينيين يوافقون على ابعاد 7 فقط الى ايطاليا من اصل 35 طالبت بهم اسرائيل، بينما يجري نقل البقية الى قطاع غزة، في المقابل تطالب اسرائيل بابعاد 14 ومنهم قادة في كتائب شهداء الاقصى»، (الجناح العسكري لحركة فتح).

وكانت ازمة كنيسة المهد قد بدأت في 2 ابريل (نيسان) الماضي عندما لجأ اليها بعض المدنيين الفلسطينيين وافراد من الامن الوطني وعدد من المسلحين المنتمين الى عدة فصائل مثل حماس وفتح وربما الجهاد الاسلامي. ورفض الرهبان والراهبات الموجودون في الكنيسة المغادرة وظلوا فيها كحماية وضمانة لعدم قيام الجيش باقتحام مهد المسيح عليه السلام واقدس المقدسات المسيحية في العالم.

وفرض الجيش الاسرائيلي حصارا كاملا على الكنيسة ومنع وصول الماء والغذاء اليها وقطع الكهرباء عنها. واصبح يطلق النار على كل شيء يتحرك داخل الكنيسة او في ساحاتها الداخلية ومحيطها. واسفرت اعتداءات الجيش عن مقتل 8 من الفلسطينيين المحاصرين وجرح عدد آخر، كذلك قتلوا قارع اجراس الكنيسة وهو اصم عندما صعد الى سطحها ليقرع الاجراس حيث اطلق عليه النار الجنود المرابطون في كل المباني المطلة على الكنيسة. وليس هذا فحسب بل استخدم جنود الاحتلال شتى اساليب الترهيب وكسر المعنويات من خلال اطلاق القنابل الصوتية واستخدام اصوات العويل والازعاج خلال الليل لحرمان من هم في الداخل من النوم. لكن المحاصرين رفضوا الاستسلام وبدأت المفاوضات بين فريق تفاوض محلي فلسطيني مكون من رئيس بلدية بيت لحم حنا ناصر، وصلاح التعمري عضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن المدينة، ومتري ابو عيطة وزير السياحة، واعتماد النتشة ممثل وزارة الشؤون المدنية، وانطون سلمان محامي الكنيسة الفرانسيسكانية الذي كان من ضمن المحاصرين، الى جانب محافظ بيت لحم محمد مدني.

وتمثلت المطالب الاسرائيلية بتسليم كل المحاصرين انفسهم لقوات الاحتلال التي ستقوم بالتحقيق معهم والتحفظ على من له علاقة بقضايا امنية والافراج عن الباقين. ومحاكمة المطلوبين امام محاكم عسكرية اسرائيلية والخيار البديل لذلك هو ابعادهم ابعادا ابديا عن الاراضي الفلسطينية.

ورفض الجانب الفلسطيني رفضا قاطعا فكرة التحقيق مع المحاصرين او اعتقالهم ومحاكمتهم او ابعادهم. وجاء بحل وسط يتمثل بنقل المطلوبين الى قطاع غزة.

وظلت المفاوضات تراوح محلها مع احراز بعض التقدم الطفيف في قضايا غير رئيسية مثل اخراج جرحى وجثتي شابين قتلا منذ البداية. لكن، ظل الاسرائيليون متمسكين برفضهم ادخال الطعام الى المحاصرين بعدما بدأ ينفد.

ورغم اصرار الجانب الفلسطيني على ان المفاوضات لن تتوقف «حتى نجد حلا لهذه المشكلة»، كما قال حنا ناصر لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق واعترافه «ان المفاوضات حققت بعض التقدم واحرزت بعض النتائج مثل السماح باخراج جثتي شابين وعدد من الجرحى اضافة الى بعض الصبية»، فقد حصل تطور جعل صلاح التعمري منسق الوفد الفلسطيني يقدم استقالته للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. ورغم ارجاع استقالته الى تعنت الاسرائيليين وعدم احترامهم للاتفاقات التي يجري التوصل اليها مثل الاتفاق على ادخال الطعام والشراب للمحاصرين، كشف النقاب عن وجود قناة الاتصال والتفاوض السرية التي يعتقد بأنها السبب الحقيقي للاستقالة. ونقل عن التعمري القول «كنا كالوفد المفاوض في واشنطن قبل اتفاق اوسلو، لا ندري بأن المياه تجري من تحت ارجلنا، وان مفاوضات متوازية تسير عبر قنوات سرية».

وعن عدم نجاح القناة السرية في حلحلة الوضع وفشل لجنة التفاوض العلنية، قال المفاوض الفلسطيني السابق «بصراحة ان سقف التفاوض بالنسبة لنا كان محدودا، بمعنى ان التعليمات الصادرة الينا هي برفض التحقيق مع المحاصرين وكذلك الابعاد». واضاف «اما بالنسبة للقناة السرية فيبدو ان السقف مخروم. فقد قبلت هذه القناة السرية بتسليم اسماء المحاصرين وهو ما كنا نرفضه، كما قبلت بفكرة الابعاد لعدد مهما كان قليلا، والى بلد يرجح ان يكون ايطاليا لمدة لا تتجاوز السنوات الثلاث، ويبقى الخلاف حول التحقيق، فالقبول به يعني القبول بالتدخل الاسرائيلي في الشؤون الداخلية للسلطة الفلسطينية».

ويقود قناة التفاوض السرية التي يرعاها الاميركيون والاوروبيون، محمد رشيد (خالد سلام) احد مستشاري الرئيس عرفات واكثرهم اتصالا مع الجانب الاسرائيلي، او بالاحرى لم تتوقف اتصالاته معهم خاصة مع عومري شارون، ابن رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون.