ضغوط داخلية وخارجية على شارون تعطل خطط الهجوم العسكري على غزة

TT

بعد مضي أسبوع على إنهاء إسرائيل حصارها لكنيسة المهد في بيت لحم والذي استمر 39 يوما، وما أعقبه من هجوم انتحاري جديد أدى إلى مقتل 15 إسرائيليا، يجد رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون نفسه تحت ضغط شديد، وهو يجري حساباته فيما إذا كان عليه أن يهاجم قطاع غزة وكم يجب ان تكون قوته ومداه اذا ما بدئ به.

القوات الإسرائيلية تواصل التحشد خارج غزة، استعدادا لهجوم انتقامي ضد حماس والجهاد الإسلامي، بينما يستعد الفلسطينيون للقتال. لكن شارون قد يكون أضاع فرصته في القيام بغزو سريع وكاسح لقطاع غزة، بعد انشغاله في قضايا سياسية داخلية، وبالتزام واشنطن الجديد بالضغط لتحقيق السلام.

فبعد انسحاب الإسرائيليين من بيت لحم، أصبحت واشنطن على قناعة بتوفر فرصة للعمل الدبلوماسي، وهذا ما دفع الرئيس الأميركي جورج بوش إلى اعتبار نهاية الحصار في بيت لحم بداية «للدفع باتجاه عودة العملية السياسية لبلوغ السلام».

من جانبهم، جدد الرئيس المصري حسني مبارك وولي العهد السعودي الامير عبد الله والرئيس السوري بشار الاسد، الذين اجتمعوا في شرم الشيخ، الليلة قبل الماضية، التزامهم بالمبادرة العربية للسلام.

وفي إسرائيل تدور الشكوك حول مدى الضغوط التي يريد بوش فرضها على الإسرائيليين والفلسطينيين للوصول الى السلام، أو إذا كانت واشنطن تسعى فقط إلى التخفيف من حدة الأزمة الحالية عبر العمل الدبلوماسي الجديد، من أجل تهدئة سخط الحلفاء العرب واليهود الأميركيين وجناح الجمهوريين اليميني.

وقال مساعدون كبار لشارون، إنهم ليسوا متأكدين إن كانت واشنطن جادة في مساعيها، أو إن كان وزير الخارجية الأميركي، كولن باول، سيتمكن من إقناع بوش بأن السلام غير ممكن الا عبر ضغط قوي ومستمر على إسرائيل. ضمن هذا السياق، قال مسؤول إسرائيلي: «الحديث عن مؤتمر السلام شديد العمومية، ونحن نعتقد بوجود أزمة في التعامل (مع هذه القضية) داخل الإدارة الأميركية، لكننا نريد أن نعرف إن كانت هذه الأزمة خفيفة أو عميقة».

يقول المحلل السياسي الإسرائيلي، يوسي ألفير: «إذا شعر شارون بأن الولايات المتحدة والأوربيين والعرب يضغطون على عرفات، وأن عرفات يقوم بشيء ما، فانه سيجد آنذاك أن الوقت غير مناسب للتصعيد». وأضاف ألفير أن عدم وجود توجيه واضح من واشنطن، سيؤدي إلى «مزيد من الهجمات الانتحارية، وحتى إذا أراد شارون أن يمتنع عن رد الفعل فإنه لن يكون قادرا على ذلك، وإذا لم تكن واشنطن مستعدة لدفع الثمن السياسي للضغط على الطرفين، فاننا سنكون آنذاك متوجهين نحو التصعيد».

ويرى مارتن أنديك، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، إن الإدارة الأميركية تشعر بالعجز عن اتخاذ قرار ما تجاه غزة، فهي واقعة بين «تأييد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وفي الوقت نفسه لا تريد هجوما آخر سيؤدي إلى عرقلة العمل الدبلوماسي الذي لم يزل في بداية انطلاقته». لذلك طلبت واشنطن من حكومة شارون أن تفكر، بشكل دقيق، في النتائج المترتبة عن القيام بأي عملية عسكرية ضد غزة، لكن حسب قول بعض المسؤولين الأميركيين، لم تطلب الإدارة الأميركية من شارون إلغاءها.

يقول أنديك، إن العمل الدبلوماسي بدأ يبعث على قدر من التفاؤل، خصوصا مع بدء مشاركة السعوديين والمصريين فيه. ويتوقع باول انعقاد مؤتمر اقليمي، قد يساعد، في حده الأدنى، على بدء المفاوضات السياسية، بالتزامن مع إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية ـ بجعل ياسر عرفات رئيسا رمزيا، وبإعادة تنظيم قوى الأمن الفلسطينية وتوحيدها، إضافة إلى محاربة الفساد واستخدام المساعدات الأجنبية لشراء الأسلحة. لكن أنديك يتدارك قائلا: «المشكلة، أن كل هذه الإجراءات تحتاج إلى وقت، وهناك مسار عملية أخرى تعرّف الأشياء على أرضية الواقع، وهذا هو العنف».

ويبدو أن شارون قد قرر تخفيض حجم الهجوم العسكري على غزة وتأخير البدء بتنفيذه، وهذا ناجم عن معرفته باستعداد واشنطن والزعماء العرب للضغط على عرفات كي يجري إصلاحات على مؤسسات السلطة الفلسطينية والتضييق على المنظمات الفلسطينية المتطرفة مثل حماس، وضمن هذا السياق، قد يعطي أي هجوم عسكري كبير على غزة نتائج معاكسة لما تتوخاه حكومة شارون، ويظهر عرفات مرة أخرى في موقع الضحية.

من جانب آخر، تشعر قيادة القوات الاسرائيلية المرابطة في غزة الآن بالقلق الشديد من فقدانها سلاح المفاجأة، وهذا قد يكلفها خسائر بشرية كبيرة. ويبدو أن الشارع الإسرائيلي غير مقتنع بأن الهجوم على غزة ضروري، إضافة إلى عدم وجود دليل على قدوم المهاجم الانتحاري من غزة.

وكانت قد وجهت انتقادات حادة للتكتيكات التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين عند غزوه للضفة الغربية، كما ان مساحة مخيمات اللاجئين في غزة تزيد عن مساحة مخيم جنين بست مرات. ويقول الضباط العسكريون إنهم قد تعلموا دروس جنين، وإنهم لن يستخدموا جنود احتياط في أي معارك مستقبلية ضد المخيمات، فأي فعل يتجاوز هجمات مستهدفة قد يؤدي إلى وقوع خسائر بين المدنيين، ويؤدي إلى احتجاج دولي شديد.

هناك سبب آخر لتأجيل الهجوم هو ان شارون يأمل في أن يقوم عرفات بالضغط على حركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة، وبالتالي لا يكون مبررا لإسرائيل أن تقوم بهجومها. فعلى الرغم من شعبيته الواسعة في استطلاعات الرأي، فان شارون لديه مشاكل سياسية. إذ بانتظاره اجتماع مزعج للجنة المركزية لحزب الليكود يوم الأحد (امس)، ويسعى منافسه الأكثر يمينية، بنيامين نتنياهو، إلى إحراجه، إذ يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الى الحصول على أكثرية الأصوات للوقوف ضد فكرة القبول بقيام دولة فلسطينية، يراها حتى شارون أمراً لا يمكن تجنب تحققه. كذلك، يحتاج شارون بشكل كبير الى تحقق الإصلاحات داخل مؤسسات السلطة الفلسطينية.

وضمن هذا السياق، تحدث محمد دحلان، رئيس قوى الأمن الفلسطيني في غزة، بشكل علني عن ضرورة الإصلاح قبل أسبوع واحد. ولدحلان تاريخ في التعاون مع إسرائيل. ومن المتوقع أن يكون هو الشخص الذي سيضطلع بمهمة لجم حماس والجهاد الإسلامي، الحركتين الرئيسيتين المسؤولتين عن الكثير من الهجمات الانتحارية. لكن دحلان قال لشارون إن محاربة نشاطات حماس لا يمكن القيام بها من جانب السلطة الفلسطينية إلا في حالة خروج القوات الإسرائيلية من غزة. وإذا أعطي محمد دحلان الوقت اللازم لإنجاز هذا الإجراء، ونجح في مسعاه، فذلك سيمنح مدير المخابرات المركزية الأميركية، جورج تينيت، الذي طلب منه الرئيس بوش المساعدة في إعادة بناء قوى الأمن الفلسطينية.

لكن تينيت لم يحجز بعد بطاقة سفره إلى المنطقة خوفا من أن يتسبب هجوم آخر في تخريب مهمته. وقال السفير السابق أنديك: «إذا كان دحلان قادرا على القيام بشيء، فان تينيت سيتشجع على المجيء للعمل معه».

كذلك، فإن تأجيل الهجوم على غزة، يمنح شارون الوقت والمصداقية، ويجعل الضغط مسلطا على عرفات. لكن شارون، حسب بعض المسؤولين الإسرائيليين، متردد في تقرير ما يجب القيام به. إذ دعمت الولايات المتحدة وبعض البلدان العربية فكرته بإصلاح السلطة الفلسطينية وتهميش عرفات.

مع ذلك، قد تدفع عملية دبلوماسية جدية، عرفات وشارون إلى ظهور دولة فلسطينية بمواصفات، لا يرغب أي منهما فيها: أن يجبر عرفات على التخلي عن المطلب الفلسطيني بانسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل حرب 1967، وأن يجبر شارون على تنفيذ ما ظل معارضا له لفترة طويلة وهو التخلي عن معظم الأراضي المحتلة والمستوطنات مقابل السلام.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»