أطباء غزة يتوقعون كارثة إذا اجتاحت إسرائيل المدينة وكوادر المستشفيات ينتظرون على مدار الساعة الهجوم المحتمل

TT

هذه الأيام ينام طاقم عمل مستشفى العودة في المخيم، ويعملون لفترة تصل إلى 24 ساعة، قبل أن ينالوا قسطا من الراحة في المطعم وهم ينتظرون هجوما اسرائيليا محتملا.

وفي جزء آخر من مخيم اللاجئين، حيث تقع عيادة تابعة للأمم المتحدة، تجمع سائقو سيارات الإسعاف في غرفة صغيرة، وهم في حالة تأهب وقد ارتدوا سترات واقية وإلى جوارهم خوذاتهم. وفي أرفف مخزن العيادة لوحظت كميات من المهدئات والمضادات الحيوية، وعبوات من الضمادات وأسطوانات الأوكسجين.

ساعات من الانتظار بعد ظهيرة ذلك اليوم شديد الحرارة. الجميع كانوا يتساءلون: هل سينتقم الإسرائيليون لعملية التفجير الانتحاري التي قتل خلالها 15 شخصا بالقرب من تل أبيب الثلاثاء الماضي؟ وإذا ما فعلوا، فهل سيقومون بغزو شامل، أم بهجمات ضد أهداف محددة، أم انهم سيقصفون المنطقة من الجو؟ قال الدكتور غسان أبو سيتا، احد الذين كانوا في مطعم المخيم «الانتظار الطويل قد يصيب المرء بالملل». في أنحاء قطاع غزة، المنطقة الضيقة الممتدة على طول ساحل البحر، والتي يتوقع أن تكون الهدف التالي للقوات الإسرائيلية عقب عملية التفجير الانتحاري الأخيرة، يستعد العاملون في مجال الرعاية الصحية لحدوث كارثة قد تتجاوز قدراتهم المتواضعة. فالقطاع مكتظ بالسكان وحتى في حالة السلم تعاني مستشفياته وعياداته الطبية من محدودية امكانياتها في معالجة الحالات المستعصية. ويخشى العاملون فيها من عدم تمكنهم نهائيا من القيام بعملهم في حالة الهجوم الإسرائيلي. وفي ظل تصاعد موجة العنف الأخيرة التي أدت لتشديد حدة الإجراءات الأمنية، قام الجنود الإسرائيليون في الضفة الغربية خلال الشهر الماضي بفرض قيود مشددة على حركة سيارات الإسعاف في المنطقة وأحيانا قاموا بمنعها من الاقتراب من الأماكن التي سيطروا عليها. وفي بعض الأحيان منعوا الأطباء من مغادرة منازلهم والتوجه لإماكن عملهم في المستشفيات.

وزعم الجيش الاسرائيلي انه اتخذ تلك الإجراءات لاعتبارات أمنية، مدعيا أن بعض سيارات الإسعاف استخدمت لنقل أسلحة أو مسلحين، وان ذلك استوجب تفتيشها. اما الأطباء الفلسطينيون فيقولون إن القرار الإسرائيلي كان بمثابة كابوس طبي. إذ لم يتسن للمصابين الحصول على الرعاية الطبية ولم يتسن نقلهم من أماكن اصابتهم في بعض الحالات. وقد توفي بعضهم فيما بعد متأثرين بجراحهم أو بعدما تعذر إجراء العمليات الجراحية اللازمة لاستئصال الأطراف المصابة.

وكل ما حدث في الضفة الغربية كان له صداه في غزة ايضا. وحتى الأربعاء الماضي، قبل أن تمنح الحكومة الإسرائيلية رئيس الوزراء ارييل شارون تفويضا بالهجوم على القطاع، كان الأطباء المحليون على أهبة الاستعداد. فقد أعلنت حالة الطوارئ في المستشفيات، وفي بعضها ينام العاملون في صالات الانتظار خلال أوقات راحتهم، بينما تتأهب أخرى مع طواقمها للاستجابة للنداء بحيث يمكنها العمل متى ما استدعت الحاجة في حالة الهجوم. وتم تخزين كميات من وقود العربات وفحصت مولدات الكهرباء.

ويحتفظ مستشفى العودة بكميات من الأدوية التي يحتاجها لثلاثة أشهر. أما مستشفى الشفاء، الذي يعد أكبر مستشفيات القطاع، فقد وزع بعض أطبائه للعمل في عيادات تنتشر بأنحاء القطاع، لضمان انه في حالة استخدام الجيش الإسرائيلي لنقاط التفتيش من أجل تقسيم القطاع إلى مناطق محددة، يتوفر أخصائيون لعلاج الحالات الصعبة في كل منطقة.

وقال الدكتور معاوية حسنين مدير خدمات الطوارئ بوزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية: «هذا يدخل ضمن خطتنا. فنحن مستعدون وفي حالة يقظة لمواجهة أي هجوم في أية لحظة».

وتزداد حدة القلق بشكل خاص في مخيم جباليا، الذي يعد واحدا من أكثر المواقع ازدحاما بالسكان في أنحاء المعمورة، حيث يقدر عدد سكانه بـ101 الف نسمة يعيشون في مساحة تقل عن نصف ميل مربع. فمداخل المخيم لا تقل ازدحاما عن كل جزء فيه. وهذا يجعل مهمة الجيش الإسرائيلي صعبة للغاية في حالة سعيه لارسال قواته من أجل القضاء على مقاتلى «حماس» و«كتائب شهداء الأقصى» الذين يختبئون في المخيم. فالشوارع والأزقة تشكل مكانا للمشاة والمعدات العسكرية، كما ان المباني مزدحمة بالمدنيين الذين قد يكونون أمام خط المواجهة. وكثافة السكان في المخيم والقتال الشرس الذي يواجه الجيش الإسرائيلي يشكلان صعوبات جمة. فالمخيم والأحياء الملاصقة له تضم قرابة 200 الف نسمة. ويقول الأطباء إنهم في أحسن الظروف يستطيعون تسيير ثماني سيارات اسعاف فقط. ويمكن أن تشل هذه السيارات فجأة. فعندما قامت القوات الإسرائيلية بغزو مباغت للمخيم خلال مارس (اذار) الماضي كان هناك ما يقرب من 80 شخصاً يحتاجون لرعاية صحية ـ بما يعادل ثمانية أشخاص لكل سيارة إسعاف ـ وقد استغرق ذلك الغزو عدة ساعات فقط.

وقال أحمد العجرمي، سائق سيارة الإسعاف التابعة للأمم المتحدة: «ماذا سيحدث لو قرروا دخول المخيم لوقت أطول. فالمقاومة ستقاتل وسيكون هناك مئات الجرحى، كما سيصعب علينا التحرك. لكننا سنحاول القيام بواجبنا، رغم ان عددنا ليس كافيا».

وفي غرفة الطوارئ بمستشفى الشفاء، حيث تلقى صبي العلاج من إصابته برصاصة في معدته يوم الجمعة الماضي، بينما تلقى رفيقه البالغ من العمر 12 عاما العلاج من جرح ناتج عن رصاصة أصابت قدمه اليسري، قال الدكتور حسنين إن الجميع ينتظرون استقبال عدد كبير من المصابين.

أولئك الفتية تعرضوا للاصابة بينما كانوا مع حشد القى الحجارة على جنود إسرائيليين بالقرب من نقطة تفتيش خاصة بمستعمرة. والتعامل مع حالتيهما لم يكن عسيرا إلى حد ما. لكن عند السؤال عن قدرة المستشفى على التعامل مع تدفق الحالات إذا ما اندلع قتال شرس، رفع الدكتور حسنين يديه إلى أعلى غاضبا وقال: «إننا بالفعل أمام لحظة حرجة، والجميع هنا يشعرون بالقلق».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»