غياب الثقة يعرقل التحرك نحو السلام في الشرق الأوسط

شارون يتريث إلى حين ظهور بديل لعرفات الذي ينتظر ضمانا بشأن الدولة وواشنطن تفضل الاستماع

TT

رغم ان القنابل ما تزال تنفجر والدبابات ما تزال تنطلق لشن غارات انتقامية، الا ان مواجهتين عسكريتين امكن تفاديهما. وبات من المتوقع عقد مؤتمر دولي للسلام هذا الصيف. وتقدمت اسرائيل والعالم العربي برؤى جادة ومثيرة، اتفقت، رغم اختلافها حول كثير من الاشياء على اقامة دولة فلسطينية في النهاية. وتخلت الولايات المتحدة عن مواقفها الهامشية لتدخل الى قلب الصراع. فهل يعني كل هذا انه آن أوان التقدم نحو السلام في الشرق الاوسط؟

ربما لا تكون هذه هي حقيقة الامور.

فكل الدلائل تشير الى ان لعبة جديدة، جوهرها الانتظار، قد بدأت للتو. وقد عبر اللاعبون الثلاثة الاساسيون في هذه اللعبة: الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، عن اسباب تدفعهم الى الانتظار بدلا من محاولة الوصول الى حلول نهائية في الوقت الحالي. ومنذ ان اعلنت ادارة بوش عن خططها لعقد مؤتمر للسلام، حاولت ان توضح، بمناسبة او بدون مناسبة، انه سيكون مجرد اجتماع لوزراء يقولون فيه ما يمكن ان يقال، دون ان يتوصلوا الى اتفاقية للسلام. ويبدو ان الهوس الذي يركب الادارة في ما يتعلق بالشرق الاوسط، هو اسقاط صدام حسين، وانها لا تنظر الى حل مشكلة الشرق الأوسط كأولوية بل هي مجرد وسيلة لتلك الغاية.

ويتحدث شارون، عن مرحلة كاملة من الاجراءات الامنية المتصاعدة قبل الوصول الى تسوية نهائية، مما يعني ان اقامة الدولة الفلسطينية يمكن ان تنتظر 15 الى 20 سنة. ويقول هو ومساعدوه ان محادثات السلام لا يمكن ان تبدأ الا بعد اعادة تشكيل السلطة الفلسطينية بحيث لا يكون عرفات هو القائد الاوحد في تلك السلطة.

من جهته، فان عرفات، ورغم كل الضغوط الهائلة الواقعة عليه خاصة من الأميركيين لايقاف العنف، يعرف تماما ان الوضع السكاني والرأي العام العالمي، وربما مسيرة التاريخ، تدفع كلها في صالح اقامة دولة فلسطينية. وقد استنتج المحللون والاستخبارات الاميركية منذ زمن بعيد ان عرفات لا يكون اكثر صبرا، ولا اكثر تطلعا للحصول على صفقة افضل، الا في تلك اللحظات التي تكون فيها حركة محمومة من الآخرين بهدف دفع الامر الى الامام. وهذا واحد من دروس كامب ديفيد. والدول العربية المعتدلة وحدها المهتمة بالسعي للوصول الى حل سريع للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي. وقال الملك عبد الله الثاني، ملك الاردن، في خطاب القاه بجامعة رايس في هيوستن الخميس الماضي «نحن نقف اليوم على حد السكين، والخطر الذي نواجهه لا يتوقف على الاقليم بل يمتد الى كل العالم. ان ما نحتاجه اليوم هو قدر اقل من الاجراءات وقدر اكبر من السلام».

مثل هذه الافكار والمشاعر تسود كذلك في أوروبا. ولكن الاطراف جميعا تتفق على ان الولايات المتحدة وحدها هي التي تملك القدر الكافي من المصداقية والقوة التي تمكنها من فرض حل للقضية. ورغم ان بعض الخبراء يقولون ان الوضع الحالي يسمح بقفزة الى ما يسميه الملك عبد الله الثاني «خط النهاية»، الا ان ادارة بوش لم تبد أية رغبة جدية بانها يمكن ان تفعل ذلك. كما ان الضغوط المحلية من اجل مزيد من التأييد لاسرائيل، لم تترك للادارة الاميركية مجالا لتقديم خطوط عامة لخطة خاصة بها. وقد اكد الرئيس بوش لشارون، كما اعلن في تصريحات علنية: «لن يخطر لي مطلقا ان اقول لصديقي رئيس الوزراء، ماذا ينبغي له ان يفعل ليؤدي وظيفته».

وقال مسؤول كبير في الادارة وهو يتحدث عنها وعن الادارات السابقة «بالنسبة للشرق الأوسط فاننا في الغالب لا تكون لدينا خطة أميركية محددة. اننا نستمع الى اطراف القضية. نحن لا نجلس في عواصمنا لنخرج بافكار عظيمة. في بعض الاحيان نخلط افكارنا بالافكار المطروحة. ولكننا نادرا ما نبادر بافتتاح الحوار بمشروع نقدمه».

وبناء على كل ذلك، فانه بالرغم من فك الحصار الاسرائيلي عن مقر عرفات برام الله، وانهاء الحصار المضروب حول كنيسة المهد ببيت لحم، فان كل الاطراف تريد مزيدا من الوقت. وقد دفع الهجوم الانتحاري الذي حدث الاسبوع الماضي في اسرائيل، وزير الخارجية الأميركي كولن باول للتحذير من احتمالات النكسة، رغم انه عبر عن تصميمه على «التحرك باستمرار الى الامام».

وقال جيمس شتاينبيرغ، مساعد مستشار الامن القومي في ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون والذي يعمل حاليا بمعهد بروكنز: «المشكلة حاليا هي ان الناس فقدوا بعض الثقة في انه من الممكن ان يصلوا الى اتفاقية حقيقية. فقد الاسرائيليون الثقة في انهم اذا قدموا تنازلات عن الارض وتوصلوا الى اتفاق حول اللاجئين والقدس، سينعمون فعلا بالسلام. كما فقد الفلسطينيون الثقة في ان ما سيقدم اليهم سيكون دولة حقيقية».

ومع ذلك فان عددا من الخبراء بدأوا يطرحون ان اللحظة مناسبة للوصول الى تسوية نهائية، تحدد معالمها بصورة مسبقة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، ويجبرون اسرائيل والفلسطينيين على قبولها من خلال المفاوضات. ويقول هؤلاء الخبراء ان اتفاقيات اوسلو مكنت الطرفين من المناورة من اجل نيل مزيد من المكاسب، باتخاذ اجراءات ذات طابع انتقالي محض، وتجاهل القضايا الاكثر صعوبة.

وقال ادوارد دجرجيان، مدير معهد جيمس بيكر الثالث، للسياسات العامة بجامعة رايس، والسفير السابق لدى سورية واسرائيل: «اذا ترك الطرفان لوحدهما فانهما لن يكونا قادرين على الخروج من المأزق الحالي، الذي يتميز بسيادة العنف، ولن يتمكنا من الخروج الا اذا وجدا سببا للتنازل ومخرجا واضحا من هذا الوضع. اعتقد ان فكرة المؤتمر يجب ان تكون خطوة نحو الوصول الى اجماع دولي حول كيفية التأثير على الطرفين للجلوس الى طاولة المفاوضات. ومن المهم تماما وضع مؤشرات وضوابط، فأنت لست مطالبا باختراع العجلة من جديد». واضاف دجرجيان: «هذه فترة لصياغة سياسات جادة، تعكس خطورة الوضع على الارض. وسيستغرق الامر بضعة اشهر لنعرف متى نخرج بهذه السياسات الى العلن».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»