المخططون العسكريون الأميركيون يعترفون: العقبة أمام الهجوم على العراق خوفنا من لجوء صدام إلى استعمال أسلحة الدمار الشامل

TT

قال المخططون العسكريون الاميركيون الذين يعكفون حاليا على وضع خططهم حول الغزو المحتمل للعراق، ان اكثر المشاكل تعقيدا التي يواجهونها هي احتمال لجوء الرئيس صدام حسين الى استخدام اسلحة الدمار الشامل، سواء كانت كيماوية او بيولوجية، ضد القوات الاميركية وحلفائها. هذا الاحتمال يلقي بظلاله على كل تصور محتمل لعملية الغزو، وعلى كل جوانب الاستعداد العسكري من التدريب الى الامدادات الى موقع الهجوم وافضل مواسم العام لخوض المعركة المحتملة.

واحتمال لجوء الرئيس العراقي الى اطلاق صواريخ حاملة للرؤوس الكيماوية او جرثومية، على اسرائيل وغيرها من حلفاء اميركا، رفع من وتيرة الجدل حول مجموعة من الخيارات الوقائية لتدمير مستودعاته من هذه الاسلحة او الحد من مقدرته على استخدامها. ولكن المسؤولين العسكريين يقولون ان ايا من هذه الاعتبارات النظرية لا يعد من الضخامة بحيث يدفع الى صرف النظر عن الهجوم. ولكنها اخطار اكثر تعقيدا من التهديدات التي تمثلها الاسلحة التقليدية التي يملكها صدام حسين. وذلك للمقدرة التدميرية الهائلة التي تملكها الاسلحة الكيماوية والجرثومية، والرعب الشديد الذي يمكن ان تسببه.

وقال مسؤول عسكري كبير على صلة بهذه العملية، التي يجري التحضير لها على الرغم من ان الرئيس جورج بوش لم يصدر قرارا بعد بتنفيذ عمل عسكري: «ان خطر استخدام الاسلحة الكيماوية والجرثومية يلعب دوراً هائلاً في التحضيرات الاولية حول العراق. ان هذا الخطر دون ادنى شك اصعب مشكلة نواجهها».

ومع ان العراق كان يملك الاسلحة الكيماوية وربما الجرثومية ايام حرب الخليج عام 1991، الا انه لم يستخدمها ربما خوفا من التهديدات الاميركية بالانتقام. ولكن نظرا لان الرئيس بوش وضع على عاتقه مهمة اسقاط النظام في بغداد، فان الخبراء العسركيين في البنتاغون يقولون انهم يجب ان يضعوا في الاعتبار امكانية استخدام الرئيس العراقي لكل سلاح في حوزته.

وقال كينيث بولاك، مدير دراسات الامن القومي بمجلس العلاقات الخارجية والمدير السابق لادارة شؤون الخليج في مكتب الامن القومي في عهد الرئيس بيل كلينتون: «هذه المرة، وبمجرد انطلاق الدبابات، فانها لن تتوقف الا عند وصولها الى بغداد. ولذلك فإنه لا يملك أي حافز لضبط النفس».

وعلى عكس دبابات العراق ومدفعيتها وطائراتها، التي لا يعتبرها البنتاغون مخيفة بصورة خاصة، فان الاسلحة الكيماوية والجرثومية ليست مفهومة بنفس الدرجة وتولد قدرا اكبر من المخاوف. ويقول تشارلس دولفر، نائب الرئيس السابق للجنة الامم المتحدة التي كانت تشرف على برامج العراق للاسلحة الكيماوية والجرثومية حتى عام 2000، ان هذه الاسلحة تشمل غاز السارين وغاز الاعصاب، الذي يهاجم الجهاز العصبي ويسبب الشلل والتشنجات الصرعية والموت، فضلا عن الجمرة الخبيثة والتسمم الغذائي.

وتطلق هذه الاسلحة بواسطة صواريخ «سكود» التي يملك العراق منها ما بين 12 و36، ويصل مدى هذه الصواريخ الى 375 ميلا، كما يقول محللو الاسلحة العراقية. ويقال ان العراق يملك كذلك طائرات وقذائف مدفعية وقنابل لها قدرة على نشر العناصر الكيماوية والجرثومية. وقال دولفر:

«مهما كان لديه من الاسلحة حاليا فانه اقل مما كان هناك عام 1991، ولكننا لم نكن ننوي الذهاب الى بغداد عام .1991 هذا هو الفرق».

قال الليفتينانت كولونيل جون كوليفاي، رئيس قسم المناهج العسكرية بمدرسة العلوم الكيماوية التابعة للجيش، بفورت ليونارد وود بولاية ميسوري: «ان مجرد التهديد باستخدام الاسلحة الكيماوية والجرثومية، يمكن ان يساعد العدو من الناحية النفسية. انه يسبب الاضطراب والتشويش ويفقد القوات القدرة على التركيز». وقال المشرف على التدريب، براد كولاند: «لقد رأينا ما فعل صدام بشعبه بالاسلحة الكيماوية». في اشارة الى مخاطر هذه الاسلحة على الجنود الاميركيين في حال غزو العراق. فالسترات الواقية، رغم انها اخف من رصيفاتها التي كانت تستخدم قبل عقد من الزمان، فإنها خانقة جدا ومعوقة للحركة وتخفض مقدرة الجندي على تحديد الاهداف بنسبة 20 في المائة تقريبا. وعلى هذا الاساس فان التهديد باستخدام الاسلحة الكيماوية يمكن ان يبطئ حركة القوات بصورة ملحوظة ويجبرها على اجراء اختبارات متعددة للكشف عن وجود الاسلحة الكيماوية والجرثومية كما يجبرها على حمل كميات كبيرة من المياه من اجل الشرب ومن اجل المعدات المستخدمة في التطهير. ويقول خبراء انهم سيتجنبون شن الحرب في فصل الصيف بسبب المشاكل الصحية والصعوبات اللوجستية التي يخلقها ارتداء السترات الثقيلة في الجو الشديد الحرارة.

وتدرب المدرسة الكيماوية بفورت ليونارد وود حوالي 5000 جندي في العام. وهذا يكفي لاعداد لواء متخصص ووضع خبراء في مكافحة الاسلحة الكيماوية والجرثومية في اغلب الوحدات المقاتلة. وبالجيش حاليا 17،587 جنديا تلقوا هذه التدريبات. ويقول الخبراء العسكريون ان البنتاغون يفكر حاليا في عدد من الضربات الوقائية لتدمير المخازن العراقية التي ربما تحوي الاسلحة الكيماوية والجرثومية اضافة الى وسائل اطلاقها، وذلك قبل بداية الغزو.

ولكن المشكلة كما يقول هؤلاء الخبراء هو تحديد المخازن نفسها. ويقولون ان صدام يخفي هذه الاسلحة في انفاق عميقة يصعب تدميرها باستخدام ادوات تدمير غير نووية. وهو يلجا الى تحريك اسلحته من وقت لاخر تفاديا لاحتمالات كشفها، وربما يخفي بعضها بالقرب من المواقع المدنية حتى يثني الآخرين عن الهجوم عليها نسبة لما يسببه ذلك من اضرار هائلة بالنسبة للمدنيين وما ينشره من سحب كثيفة من المواد القاتلة فوق المستشفيات والمدراس والبيوت.

ولتبديد مخاوف اسرائيل من تسديد ضربة لها، ربما يرسل البنتاغون نظما مضادة للصواريخ تكون قادرة على اسقاط صواريخ سكود العراقية. ويقول الخبراء العسكريون ان الاقتراح البديل هو الاستيلاء منذ وقت مبكر على غرب العراق للحد من مقدرة صدام على اطلاق الصواريخ عبر الاردن الى اسرائيل. ورغم كل المخاوف فإن الخبراء يجمعون على ان الولايات المتحدة اكثر استعدادا اليوم على مواجهة الاسلحة الكيماوية والجرثومية مما كانت عليه قبل عقد مضى. ومع ذلك فان وولتر سلوكومبي، نائب وزير الدفاع في عهد الرئيس بيل كلينتون، يقول ان استخدام الاسلحة الكيماوية والجرثومية يسبب «رعبا» لا شك فيه.

قال سلوكومبي: «لن توقف هذه الاسلحة الحرب. ولن يكسب صدام الحرب بسببها. وهي يجب الا تكون عائقا امام شن الحرب. ولكن يجب على المرء ان يكون مستعدا للضحايا».

* «خدمة نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»