لم يكن الفجر قد بزع بعد عندما استيقظ احمد عمرو فجأة في زنزانته على مجموعة من الناس يرتدون اقنعة سوداء ويدقون على بوابة السجن ويصيحون «متعاون، متعاون» وقال عمرو وهو في الاربعين من عمره واب لتسعة اولاد، وهو يجلس في نافذة ضيقة بلا نوافذ «كنت متأكد انهم اتوا لي».
غير ان دور عمرو لم يحن لكي يقتل في 23 ابريل (نيسان) الماضي. فقد قرأ الملثمون الذين ينتمون الى تنظيم حركة فتح التي يتزعمها الرئيس ياسر عرفات ثلاثة اسماء. واجبروا حارس السجن على تسليم مسدسه ثم سحبوا الرجال الثلاثة للخارج، حيث اطلقوا عليهم النار في موقع قتل فيه قائد كتائب الاقصى ومساعده في المدينة بصاروخ اسرائيلي قبلها بأقل من 24 ساعة. ثم علقوا جثثهم من اقدامهم على اعمدة الانارة.
تجدر الاشارة الى ان الغضب ضد الفلسطينيين المتهمين بالتعامل مع اسرائيل وصل الى ذروته في سنوات، وهو يتصاعد في الوقت الذي انهار فيه النظام الامني الفلسطيني وعمليات الاغتيال التي تنفذها قوات الاحتلال ضد نشطاء الانتفاضة. ودفع سوء الاوضاع الاقتصادية والاضطرابات السياسية والضغوط الاسرائيلية عدداً من الناس لتقديم المعلومات عن مواطنيهم، وسقوط مجموعة كبيرة من الفلسطينيين في فخ التعاون مع سلطات الاحتلال. ودفع الغضب ضد العملاء الى تطبيق ذاتي للعدالة، وحلت عمليات القتل محل المحاكمات في عدة اماكن.
وفي مقابلة صحافية نادرة مع 8 من المشتبه في تعاونهم رتبها مسؤولون في جهاز المخابرات الفلسطينية، ذكر الرجال انهم يخشون الافراج عنهم. وتجدر الاشارة الى انه لم تصدر احكام ضد اي منهم حتى الان. وذكرو ان اجهزة الامن لا تقدم الا حماية محدودة ضد عمليات الانتقام، وربما تؤيدها.
وقال بسام ابو عياش البالغ من العمر 47 سنة «سأواجه موقفا مخيفا عندما اترك السجن. واتوقع قتلي». وكان ابو عياش قد سجن قبل 14 شهرا للشك في تعاونه مع اسرائيل، بالرغم من انه ينتمى الى منظمة التحرير الفلسطينية منذ عقود طويلة. واوضح ان «الناس هاجموا بيته عدة مرات بقنابل مولوتوف».
وتبدو مخاوفه مبررة. ففي شهر فبراير (شباط) الماضي، اقتحمت مجموعات من الجماهير قاعة محكمة مؤقتة في جنين وقتلوا ثلاثة من المتعاونين صدر ضدهم حكم بالسجن لمدة 15 سنة.
كما اقتحم المتطرفون سجونا في رام الله وبيت لحم والخليل وطولكرم لقتل المشتبه في تعاونهم. ففي الاول من ابريل الماضي قتل 11 من المشتبه في تعاونهم في طولكرم وبيت لحم.
وذكر هاني مجلي المدير التنفيذي لمنظمة «هيومن رايتس وواتش» في الشرق الاوسط ان «الموقف الرسمي للسلطة الفلسطينية هو معارضة عمليات قتل المتعاونين. كما يشيرون الى انه في اطار الوضع الحالي، فإن السجون تتعرض للقصف (من القوات الاسرائيلية) وان النظام القضائي في حالة من الفوضى».
وتجدر الاشارة الى ان الغضب الفلسطيني ضد المتعاونين تكثف خلال العمليات العسكرية الاسرائيلية في الضفة الغربية في شهري مارس (اذار) وابريل الماضيين، حيث كانت القوات الاسرائيلية تبحث عن نشطاء الانتفاضة واسلحة. وتدعي اسرائيل انها تمكنت من وقف عدة عمليات تفجير نتيجة المعلومات التي قدمها المتعاونون.
وقال عيسى ابو فايز منسق الشؤون الاستخبارية في الضفة الغربية «من الواضح ان لاسرائيل العديد من المتعاونين الناشطين لان لديهم معلومات استخبارية جيدة. ولكن اذا رغبت في سجنهم، فأين اضعهم؟ لقد تم قصف كل السجون».
غير ان طريق المتعاونين اكثر تعقيدا من مجرد خيانة بسيطة. فمن الواضح ان العائد المادي محدود، ولكن هناك حوافز سياسية من اسرائيل.
وينفي ابو عياش انه متعاون. وقال ان جهاز الامن الاسرائيلي «شين بيت» هو الذي نشر شائعات بأنه متعاون. وقال انه اصبح في عين الفلسطينيين «متعاونا دون ان اكون متعاونا، لان الجميع يعتقدون انني كذلك».
ويعترف اخرون بالتعاون، مقابل المال، او مقابل عفو اسرائيل عن اتهامات اخرى. وذكر صهيب الجعبة وهو عامل في مصنع احذية يبلغ من العمر 23 سنة، انه قبض عليه مرتين للعبور الى اسرائيل بدون وثائق مناسبة. وعرض عليه الاختيار بين السجن او التعاون، فقبل التعاون وتلقى 200 دولار مقابل التجسس على الناشطين في الخليل لمدة اسبوعين.
وقال عمرو ان الجنود الاسرائيليين ضربوا ابنته البالغة من العمر 17 سنة في الخليل وهددوه بإلحاق اضرار اكثر بها اذا فشل في الابلاغ عن المتطرفين. من ناحية اخرى اوضح المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي ياردن فاتيكاي ان اسرائيل لا تعلق على المتعاونين الفلسطينيين.
وذكر اباء وابناء الذين اقتيدوا من السجون وقتلوا انهم مشتتون بين الحزن والخجل العميق واحتقار الاخرين لهم.
وقالت هدى نواورة البالغة من العمر 52 سنة «كل الاصدقاء والاقارب ابتعدوا عنا». واوضحت ان ابنها محمد وعمره 28 سنة كان مشتبها في انه متعاون. واخذ من سجن في بيت لحم في مارس الماضي واطلق عليه النار في الشارع، وترك ملقى على الارض في ساحة المهد طبقا لما ذكرته هاجر عياش جارة نواورة. وقد ابلغت الاسرة بالنبأ. واوضحت «ان التلفزيون حذر الاطفال من مشاهدة الجثة. كانت فظيعة».
وبعدما قتل محمد، تم طرد ابيه وامه وشقيقته من اعمالهم. ورفضت مدافن المدينة دفن جثته. وفي النهاية رتب محافظ بيت لحم دفن الجثة بدون حضور معزين.
وفي رام الله ذكرت زهية ليفتاوي انها ليست لديها اي فكرة عن المكان الذي دفن فيه ابنها. وكان الشرطة الفلسطينية قد قبضت على ابنها في حفل عشاء في مارس الماضي، ثم نقله مسلحون من السجن بعد عدة ايام، واطلقوا عليه النار ثم علقوا جثته في ساحة المنارة وسط المدينة.
وذكرت اسر اثنين من الرجال الثلاثة الذين اخذوا من سجن الخليل وقتلوا في شهر ابريل ان الرجال يستحقون الموت لتعاونهم. ولكنهم كانوا يأملون في اجراء محاكمات.
واوضح اكرم المحتسب البالغ من العمر 38 سنة، الذي كان شقيقه الاكبر من بين الثلاثة الذين قتلوا، ان شقيقه اعترف بالتجسس على المتطرفين مقابل هوية اسرائيلية، تسمح له بالحياة والعمل في القدس. «اعتقد انه كان بائسا وفي حاجة للاموال».
وبالقرب من الخليل تذكر اولاد موسى الرجوب وهو من بين القتلى الثلاثة في شهر ابريل في الخليل، كيف اعتقلت قوات الامن الفلسطينية اباهم في نوفمبر عام 2000. وقال احمد البالغ من العمر 15 سنة «كان مثل عمليات الاختطاف. اتصلت قوات الامن بوالدي وقالوا انهم يريدون احتساء الشاي معه». واضاف وهو يجلس في غرفة المعيشة تحت صورة لوالدها «لا بد انهم شربوا كمية كبيرة من الشاي». وسجن الرجوب لمدة 18 شهر قبل ان يقتل.
وذكر معظم المسجونين في الخليل ان اصدقاءهم المقربين او اخوتهم سلموهم للشرطة اعتقادا منهم ان وضعهم آمن في السجن.
وبعدما قدم عمرو معلومات عن نشطاء الانتفاضة وشى به شقيقه الاصغر الى ضباط المخابرات. وفي زنزانة اخرى، قال الجعبة ان افضل صديق له اخذه الى مركز شرطة الخليل في شهر نوفمبر الماضي بعدما علم ان الجنود الاسرائيليين قدموا له مالا وهاتفا محمولا.
وقال الجعبة «لم اعتبر الامر خيانة. كانت مساعدة لي، لانني فعلت شيئا سيئا للغاية».
غير ان الجعبة يخشى ان الافراج عنه اصعب من السجن. واوضح «من الصعب العثور على زوجة. فلن تسمح لي اية اسرة بزواج ابنتها. وسينظر الناس الي نظرة مختلفة».
* خدمة «يو اس ايه توداي» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»