متظاهرون جزائريون يحاصرون صحافيين أجانب في مركز اقتراع تيزي وزو

تنسيقية العروش وسعت قاعدتها مع حساب الحزبين الرئيسيين وعطلت الانتخابات في منطقة القبائل

TT

الطريق بين الجزائر العاصمة ومدينة تيزي وزو، كبرى مدن الولاية التي تحمل الاسم نفسه، تتعرج وتتلوى عندما تبدأ بالصعود وبشق التلال الخضراء التي تخفي قرى غنية وجميلة. والمدينة لا تبعد عن العاصمة سوى 100 كيلومتر.

القافلة الاعلامية التي انطلقت من فندق الاوراسي صباحا باتجاه تيزي وزو ضمت نحو ستين صحافيا ينتمون الى وسائل اعلامية دولية، بينهم الياباني والايطالي والاميركي والعربي. ومنذ الباكر تجمع هؤلاء الصحافيون في بهو الفندق وكل منهم ينظر الى ساعته ويحاول الاتصال بواسطة الهواتف الجوالة، بمركز عمله في سباق محموم مع الوقت فيما موظفو وزارة الاعلام الجزائرية، الذين تولوا تنظيم هذه الزيارة، يحاولون تهدئة روعهم وتطمينهم الى ان الامور تسير على ما يرام وان الحافلات الثلاث لن تتأخر في الانطلاق.

السؤال الذي كان يشغل بال الصحافيين ويستحوذ على احاديثهم كان يدور حول اليوم الانتخابي في منطقة القبائل وتحديدا في مدينة تيزي وزو: هل سيمر من غير مواجهات؟ وهل سيذهب الناخبون الى صناديق الاقتراع وبأية نسبة، علما ان تنسيقية العروش والحزبين الرئيسيين في المنطقة، «جبهة القوى الاشتراكية» و«التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية» قررا مقاطعة الانتخابات. وقد ذهبت تنسيقية العروش الى التأكيد بأنها ستمنع اجراء الانتخابات التي تصفها بـ«المهزلة» بأية وسيلة.

القرى والمدن التي اخترقتها قافلة الصحافيين منذ الخروج من الجزائر تكاد تكون خالية من اية حركة. فيوم الانتخابات اعلن يوم عطلة وحركة سيارات الشحن ممنوعة، وعند هذا المفترق او ذاك، يلحظ المسافر تجمعات صغيرة من الشبان المتجمهرين، يكثفون من التلويح لحافلات الصحافيين الاجانب من بعد ودعوتهم للتوقف.

ويختلف الوضع منذ الاقتراب من مدينة تيزي وزو نفسها، فالدخان يتصاعد من وسط المدينة والطرق التي تقود اليها مسدودة بالاشجار وعواميد الكهرباء في ما يشبه الحواجز. وغرض هذه الحواجز التي يحلق حولها عشرات الشبان وفي مواجهتهم رجال الامن بألبستهم الرسمية وبينهم باللباس المدني، اعاقة الوصول الى مراكز الانتخابات.

منذ الوصول بعد جهد ودوران، الى مقر والي تيزي وزو، اخذ الصحافيون بالمطالبة بالذهاب الى وسط المدينة وإلى مراكز الاقتراع. وانطلقت الحافلات باتجاه مركز للاقتراع واقع خارج وسط المدينة التي بدت شبه ميتة.

عندما رأى عشرات الشبان هذا العدد الكبير من الصحافيين الاجانب دبت فيهم الحمية وازدادت رغبتهم في رشق رجال الشرطة والدرك بالحجارة التي رد عليها هؤلاء بالقنابل المسيلة للدموع. ثم انطلق الصفير والهتافات والتصفيق بعد نزول الصحافيين من الحافلات واخراجهم آلات التصوير والدفاتر والاقلام.

وعلى مبعدة 100 متر من الطريق العام في الحي المسمى «مدينة الالفين» في تيزي وزو، يقع مركز انتخابي من عدة اقلام اقتراع. وسارع حسين عدان، عضو المجلس البلدي والمسؤول المحلي عن «جبهة القوى الاشتراكية» التي يقودها حسين آيت احمد بملاقاة الصحافيين ليقول لهم ان «الوضع متفجر»، وان منطقة القبائل «ترفع مطالب اجتماعية وليس مطالب عرقية».

وعن مقاطعة الانتخابات التشريعية، قال انه «لا يجوز اجراء انتخابات في وضع متفجر تميز منذ عام بسقوط اكثر من 110 قتلى، ومئات الجرحى»، مستخلصا انه «كان من الاجدى تأجيلها».

وذهب آخر الى اتهام الصحافيين الاجانب بـ«التواطؤ» مع السلطة، فيما هاجم فرنسا ورئيسها جاك شيراك بعنف لتدخله لصالح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

وفي المركز الانتخابي الذي دخله بعض الصحافيين بعد عناء، تبين انه خال تماما من الناخبين، وعند الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر، لم يكن قد اقترع فيه سوى ثلاث نساء من اصل 1200 ناخبة مسجلة في المركز، بينما لم يقترع سوى خمسة رجال من اصل عدد مشابه. وقال رئيس المركز الذي رفض الكشف عن اسمه انه «ينتظر التعليمات» لمعرفة ما اذا كان عليه الابقاء على المركز مفتوحا ام لا.

واطلعت «الشرق الأوسط» على الجدول الانتخابي الذي يتضمن اسماء الناخبات وتبين لها ان اثنين منهن قامتا بالتوقيع مقابل اسميهما فيما الثالثة قامت بالبصم، وعلى مستوى ولاية تيزي وزو ككل، افادت ارقام وزارة الداخلية ان نسبة الاقتراع ظهرا كانت 1.5 في المائة وحوالي 1.7 في المائة في ولايتي بجاية والبويرة.

وبعد لحظات من زيارة المركز انهمرت الحجارة والادوات المعدنية وكل ما يمكن رميه على مركز الاقتراع. وتصاعدت حرائق الاطارات المطاطية في محيط المركز ودب الخوف في اوساط الصحافيين وسارع رجال الشرطة الى تجميعهم. ولم يتم اخراجهم الا بعد رد الشرطة بعشرات القنابل المسيلة للدموع، فابعدوا الى الحافلات التي انطلقت تحت وابل من الحجارة المتساقطة.

وفي وسط مدينة تيزي وزو، تكررت المشاهد نفسها. وقريبا من مقر البلدية والمسرح المسمى مسرح كاتب ياسين، عمد مئات من الشبان الذين يخفون وجوههم بمناديل الى محاصرة رجال الشرطة بالحجارة والاطارات المطاطية المشتعلة.

وهكذا تكون تنسيقية العروش التي وسعت قاعدتها على حساب الحزبين الاساسيين في منطقة القبائل اي «جبهة القوى الاشتراكية» و«التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية» قد حققت هدفها الى حد ما في تعطيل الانتخابات في وسط ولاية تيزي وزو.

يبقى ان هذا اليوم الذي ارادته السلطات الجزائرية ترجمة لمسيرة الديمقراطية وتعبيرا عنها سيزيد من الشرخ القائم بين مناطق القبائل والسلطة وسيحرم هذه المناطق ممن يمثلها في البرلمان الوطني، الامر الذي من شأنه ان يلقي بظلاله على البرلمان الجديد ويعيق عملية المصالحة الوطنية.