تقرير أميركي سري سبق هجمات 11 سبتمبر حذر من عدم قدرة «إف. بي. آي» على مواجهة التهديدات الإرهابية

TT

حذر تقرير في غاية السرية كبار المسؤولين في مكتب المباحث الفيدرالي الاميركي (إف. بي. آي) قبل شهور من وقوع هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي من ان المكتب يواجه تهديدات ارهابية هامة من جماعات في الشرق الأوسط مثل تنظيم «القاعدة»، ولكنه يفتقر الى موارد كافية لمواجهة هذه التهديدات طبقا للمعلومات التي ادلى بها مسؤولون كبار في الحكومة الاميركية.

ووجد التقييم الداخلي، وهو واحد من اكثر الوثائق سرية، ان جميع المكاتب الميدانية الرئيسية تقريبا تفتقر الى الكفاءات لتقييم التهديدات التي تمثلها جماعات مثل «القاعدة» والتعامل معها.

واوضح المسؤولون الذين اطلعوا على التقرير وهو بعنوان «تقرير المدير حول الارهاب» انه قدم توصيات تفصيلية واقترح زيادات في النفقات لمواجهة المشكلة.

وبالرغم من هذا التقييم فقد فشل مكتب المباحث في الحصول على زيادة في ميزانيته في الطلب الذي قدمه الى وزارة العدل قبل فترة قصيرة من 11 سبتمبر. ففي 10 سبتمبر رفض وزير العدل جون اشكروفت الزيادة المقترحة وقيمتها 58 مليون دولار لتمويل برامج مكافحة الارهاب، غير ان مسؤولا في الوزارة قال ان «تقرير المدير» لم يقدم الى المسؤولين عن الميزانية في الوزارة.

وحتى عندما وصف «تقرير المدير» كيف يفتقر المكتب للقدرة على رد فعل كاف للعديد من التهديدات التي تواجه الامة، فان المسؤولين في مكتب المباحث لم ينتبهوا الى اشارتين من فرعين بخصوص احتمال هجمات ارهابية على الولايات المتحدة، وهو الفشل الذي ادى هذا الاسبوع الى اعلان مدير المكتب روبرت مولر لتغييرات شاملة في مهام المكتب.

واوضح مسؤولون في المكتب ان التقرير كان يهدف الى دعم طلب المكتب بزيادة ميزانيته ولم يعتبر تقييما شاملا لما اذا كان المكتب قادرا على مواجهة هجمات ارهابية من جماعات محددة.

غير ان التقرير قدم تفصيلات حول قدرات كل من المكاتب الميدانية في الولايات المتحدة للتعامل مع التهديدات الارهابية، ووضع تقديرات لكل مكتب للتعامل مع تهديد ارهابي شامل، كما سعى الى محاولة تقدير المطلوب في السنوات الخمس القادمة. واعتمادا على نظام لوني، فان اللون الاحمر يعني ان المكتب الميداني غير قادر على مواجهة تهديدات ارهابية في المنطقة المسؤول عنها، وقد تبين ان معظم المكاتب الميدانية الاساسية حصلت على علامة حمراء، طبقا للمعلومات التي كشف عنها المسؤولون.

وقد درس التقرير كبار المسؤولين في هيئات تطبيق القانون وغيرهم من المسؤولين الذين ينتقدون الطريقة التي يتعامل بها المكتب ووزارة العدل مع القضايا المتعلقة بمكافحة الارهاب قبل 11 سبتمبر.

وفي الوقت الذي لا يشير فيه التقرير الى تنظيم «القاعدة» وحده، فان المسؤولين في مكتب المباحث اعترفوا في ذلك الوقت بأن تنظيم اسامة بن لادن يمثل اكبر تهديد للولايات المتحدة، وان عدم وجود تقارير استخبارية للمكتب عن خطط «القاعدة» ونواياها في الولايات المتحدة كان احدى المشاكل التي انعكست على تقديرات المكتب للمكاتب الميدانية في هذا التقرير.

وتبين ان قدرة المكتب على تحديد ما اذا كان هناك تهديد من «القاعدة» داخل الولايات المتحدة، جاءت الى حد كبير، من الاستخبارات التكنيكية ـ تسجيل المحادثات الهاتفية وغيرها من اشكال الاتصال بين المتطرفين الاصوليين في الخارج واشخاص في داخل اميركا. وقدمت المعلومات التي تم الحصول عليها في القضايا الارهابية الاساسية، ولا سيما المتعلقة بنسف السفارتين الاميركيتين في شرق افريقيا، بعض التفاصيل عن الشبكة.

غير ان المكتب لم يتمكن من اختراق خلايا «القاعدة» في الولايات المتحدة، ولذا فقد كانت لديه قدرات محدودة للاستفادة من الاتصالات التي تم التنصت عليها.

ويبدو ان الافتقار الى المعلومات الداخلية اثر بوضوح على كيفية تعامل مكتب المباحث الفيدرالي مع التحذيرات التي تلقاها من عملائه في الميدان في الصيف الماضي. ففي شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، بعث عميل في فينكس بمذكرة الى المسؤولين عن مكافحة الارهاب في المقر الرئيسي تقول ان مجموعة من العرب الموضوعين تحت المراقبة لاحتمال وجود علاقات لهم بمنظمات ارهابية كانوا يواصلون الدراسة في مدارس الطيران في اريزونا. وحذر العميل من ان مؤيدي بن لادن ربما يأتون الى الولايات المتحدة لدراسة الطيران، واوصى باجراء استطلاع عن الطلبة العرب في مدارس الطيران في كل الولايات المتحدة، غير ان المسؤولين في مقر المكتب لم يتخذوا اية اجراءات بخصوص هذا التقرير.

وفي اغسطس (آب) الماضي وفي الوقت الذي كان فيه التقرير يقدم الى كبار المسؤولين، قبض عملاء المكتب في مينابوليس على زكريا موساوي، الذي يعتقد المدعون انه الخاطف العشرون للطائرات التي نفذت هجمات 11 سبتمبر. وقد جذب موساوي اهتمام مكتب المباحث الفيدرالي، بعدما اشار موظف في مدرسة طيران في مينابوليس الى انه يتصرف بطريقة تثير الاشتباه، غير ان المسؤولين في المقر الرئيسي رفضوا طلبا من مينابوليس بتفتيش كومبيوتر موساوي.

ومع عدم وجود معلومات داخلية عن «القاعدة» في الولايات المتحدة، لم يتمكن المكتب من تقييم اهمية موساوي ولم يتمكن ايضا من تقدير ما اذا كان عميل المكتب في فينكس يسير في الاتجاه الصحيح.

تجدر الاشارة الى ان «تقرير المدير عن الارهاب» اعد نتيجة لجهد من ديل واتسون الذي يشرف الآن على عمليات مكافحة الارهاب والتجسس، للحصول على معلومات كافية عن قدرات المكتب على التعامل مع التهديدات الارهابية الناشئة. وكانت خطة استراتيجية للمكتب اعدها في عام 1998 روبرت بريانت نائب المدير آنذاك، قد سعت الى اعادة تنظيم المكتب، بحيث يتمكن من التعامل بطريقة افضل مع مكافحة التجسس والارهاب. وطلب واتسون معلومات اضافية من المكاتب الميدانية لتعديل الاستراتيجية الجديدة. ويلاحظ ان خطة بريانت كانت متشابهة في عدة جوانب مع تلك التي اعلنها مولر قبل ايام.

وقال مسؤول على علم بالخطة الاستراتيجية «في نهاية التسعينات تغير العالم، وكان بريانت يحاول تغيير توجهات مكتب المباحث الفيدرالي، ولذا بدأوا في تحديد نقاط الضعف. لديهم القدرة على ملاحقة لص مصارف، ولكن في نهاية التسعينات احتاجوا الى طريقة افضل لجمع المعلومات للتعامل مع مشاكل مثل مكافحة التجسس، ولاحظ بريانت ان المكتب يفتقر الى مثل هذه القدرات. وكان واتسون يحاول تطبيق هذا المستوى على مكافحة الارهاب».

واستخدم تقرير المكتب عدة وسائل لتقييم قدرات كل من المكاتب الميدانية للتعامل مع التهديدات الارهابية، فربما يحتاج مكتب ميداني الى عدد اكبر من متكلمي العربية والفارسية، وربما يقدم تقريرا الى المقر بأن العملاء يعترفون بالحاجة الى مصدر في جامعة محلية لمعرفة الطلبة العرب. وربما يبلغ مكتب ميداني آخر انه في حاجة الى المزيد من التدريبات حول كيفية التعامل مع طلبات التفتيش وتسجيل المحادثات طبقا لقانون مراقبة الاجانب.

وذكر مسؤولون في مجال تطبيق القانون ان المعلومات التي تم الحصول علىها من المكاتب الميدانية دفعت واتسون الى الاسراع باجراء تحسينات في جهود مكافحة الارهاب، واوضحوا ان جهوده تعرقلت لأن مكتب نيويورك تحول الى لاعب مستقل في تحقيقات مكافحة الارهاب، وهو الامر الذي زاد من صعوبة تنسيق جهود مكافحة الارهاب على مستوى مكتب المباحث الفيدرالي ككل.

وفي الوقت ذاته ذكر المسؤولون انه بعد وصول ادارة الرئيس جورج بوش الى البيت الابيض، لم ير المسؤولون في وزارة العدل الحاجة الملحة لتجديد اجراءات مكافحة الارهاب. ففي شهر اغسطس الماضي، ذكر المسؤولون ان القائم بأعمال مدير المكتب توم بيكارد التقى مع اشكروفت بخصوص طلب تمويل اضافي لمكافحة الارهاب، ولكن طلبه رفض.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»