بوش يستعد للكشف عن أفكاره حول إنشاء دولة فلسطينية انتقالية

مارتن إنديك: الدولة الفلسطينية المقترحة لن تكون مثل تيمور الشرقية أو أفغانستان

TT

يتوقع ان يعطي الاقتراح الأميركي، القاضي باعلان دولة فلسطينية مرحلية، دفعة قوية لعملية السلام في الشرق الأوسط، مع ذلك، يعتقد المحللون الأميركيون، أنها ستثير مسائل عويصة تحتاج أولا إلى المعالجة، قبل تحول الفكرة إلى واقع.

وحذر مسؤولون أميركيون سابقون، من أن الفكرة ستواجه معارضة من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وتوقعوا حدوث جولات جديدة من العنف.

وفي هذا السياق، قال دينيس روس، المبعوث الخاص للشرق الأوسط، خلال فترتي حكم جورج بوش الأب وبيل كلينتون: «ليس مهما أن تهدف الفكرة، إلى تأسيس دولة مؤقتة أو دولة في صياغتها الأخيرة، أو أشكال وسطية بين الحالتين، إذ في حالة عدم وقوع تغير في الحقائق على الأرض نفسها، فإنه لن تكون لدينا أي إمكانية لتنفيذ أي منها».

ويقول المحللون، إن مفهوم الدولة المؤقتة، وفق الصياغات التاريخية والقانونية، فريد من نوعه، وسيتطلب عملا دبلوماسيا موسعا للتمكن من تعريفه بشكل كامل، إضافة إلى فرض ضغط دولي كبير لتحويل المفهوم إلى حقيقة.

وقال مارتن إنديك، السفير الأميركي لدى اسرائيل: «لن تكون دولة يعاد تشكيلها مثل افغانستان او دولة في طور التكوين مثل تيمور الشرقية، فكلا البلدين عليه وصاية دولية غير رسمية. فقد جاء التدخل الدولي بشكل او بآخر يشرف على عملية بناء الدولة أو بنائها بنفسه او اعادة بنائها.

وكان فريق الأمن القومي، في إدارة بوش، قد قضى عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وراء الكواليس، للتوصل إلى صياغة تفصيلية لاقتراح بوش. وشارك في هذا الاجتماع نائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الخارجية كولن باول، ومدير وكالة المخابرات المركزية «سي اي ايه»، جورج تينيت، ومستشارة الأمن القومي، كوندوليزا رايس، ورئيس ديوان موظفي البيت الأبيض، أندرو كارد. مع ذلك، ترك المجتمعون، عدة قضايا للإسرائيليين والفلسطينيين أنفسهم، وهذا ما يجعل، حسب المحللين، عودة العملية السلمية إلى نفس مأزقها السابق.

من جانب آخر، يتوقع رجال القانون والخبراء في القضايا الدولية، أن يكون لمفهوم الدولة المرحلية، تأثير بعيد المدى على قضايا ساخنة أخرى، إذ قد يدفع العديد من الحركات الانفصالية في العالم إلى تطبيق النموذج الفلسطيني، الهادف في نهاية المطاف، إلى تشكيل دولة دائمة.

في هذا الصدد، قال بول وليامز: «انها فكرة جديدة. وهي تحمل قدرا من المخاطر، لكنها قد تكون أفضل حل ممكن للشرق الأوسط الآن». وكان وليامز يعمل محاميا في وزارة الخارجية الأميركية، وحاليا يشغل منصب بروفيسور في القانون الدولي، بالجامعة الأميركية. وأضاف قائلا: «لكن سيكون ممكنا للآخرين مثل حركة نمور التاميل في سري لانكا، أو الباسكيين في إسبانيا، او الشيشانيين في روسيا أو الأكراد العراقيين أو عشرات المنظمات الأخرى أن يتلفتوا حولهم، ويطرحوا السؤال التالي: إذا كان الفلسطينيون قد حصلوا على دولة مرحلية، فلماذا لا يتم ذلك بالنسبة لنا أيضا؟

من جانب آخر، ستكون إمكانية تحقيق الفكرة مستندة إلى النجاح في تقديم إجابات على أسئلة أولية، مثل أين تبدأ سلطات هذه الدولة وأين تنتهي؟ أحد الحلول التي نوقشت في نهاية عطلة الأسبوع بين المسؤولين الأميركيين هو منح الفلسطينيين مقعدا في الأمم المتحدة، بينما هم لهم، حاليا، وضع «مراقب دائم»، ووفق ذلك، سيكون للفلسطينيين، حسب المسؤولين الأميركيين، ممثلون في منظمات الأمم المتحدة الأخرى، اضافة إلى امتلاك الحق في التوقيع على المعاهدات الدولية. لكن المشكلة الأكثر صعوبة بالنسبة للدولة المرحلية هو حقها في وضع القوانين على المستوى الداخلي.

لكن بوش، في خطابه او مبادرته سيتجنب ثلاث قضايا، عند طرحه اقتراح الدولة الفلسطينية المؤقتة حسب المسؤولين الاميركيين، هي قضية الحدود الدائمة، ووضع القدس، وحق عودة اللاجئين وستؤجل هذه القضايا الى الحل النهائي.

لكن حدود السلطة الفلسطينية الحالية، التي لن تتجاوز، حاليا، أكثر من 12 في المائة من الضفة الغربية، وثلثي قطاع غزة، قد تعقدت أكثر، حسب المسؤولين الأميركيين، مع الغزو الإسرائيلي الأخير للضفة الغربية، فالجيش الإسرائيلي يقوم بعملياته داخل العديد من المناطق التي هي، في الوقت الحاضر، تحت السلطة الفلسطينية، بشكل اسمي فقط. كذلك، تعرض الكثير من المؤسسات الفلسطينية وأجهزة الأمن إلى التدمير أثناء الغزو الإسرائيلي. وأضاف انديك في هذا الصدد: «حاليا، لا تمتلك السلطة الفلسطينية القدرة على إيقاف العنف، لذلك ليس هناك تبرير للإسرائيليين للانسحاب. لذلك، ليس واضحا، أي حدود ستكون، وأي آلية أمنية ستكون متوفرة، للحفاظ على النظام. الأجهزة الأمنية يعاد بناؤها ولا تمتلك أي قدرة حاليا».

لكن قضية الحدود جعلت الكثير من الفلسطينيين يشككون بجدوى فكرة الدولة المرحلية، خصوصا أن العالم العربي يطالب بإعادة إسرائيل الى حدود يونيو (حزيران) .1967 وهذا ما دفع بعض الفلسطينيين إلى الشعور بامكانية أن تصبح فكرة الدولة المرحلية فخا لهم، لينتهوا في الأخير، وبشكل دائم، مع دولة أقل مما هو الآن تحت حكم السلطة الفلسطينية.

وضمن هذا السياق، قال علي جبراوي، الاستاذ للعلوم السياسية، في جامعة بير زيت، بالضفة الغربية: «نحن سمعنا بحكومة مؤقتة، لكننا لم نسمع من قبل بدولة مؤقتة. فماذا يعني ذلك؟ هل يعني أنها دولة ستستمر في التنامي حتى تصل إلى حدود 1967، أو ستكون دولة كانتونات؟ لا أحد يعلم».

لذلك، يعتقد جيمس شتانيبرغ، نائب مستشار الأمن القومي للرئيس السابق كلينتون، أن موضوع تنفيذ فكرة توسع الدولة المؤقتة باتجاه أن تصبح دولة دائمة، ستعرقل سيرورة المفاوضات المقبلة. «إذا لم يكن هناك فهم بين الفلسطينيين حول مساحة الدولة الدائمة، فإنهم لن يستطيعوا إيقاف العنف. يجب أن يكون هناك قدر من الدقة حول مساحة الدولة بصيغتها النهائية، في فترة تكوين الدولة المؤقتة، لذلك فانهم سيعرفون ما سيأتي لاحقا. يجب أن تكون عملية تجعلهم مقتنعين من أنها ستنجح. فإذا كان الفلسطينيون لا يعرفون أين ستقف الحدود النهائية، فإنهم في هذا الحالة لن يمتلكوا الحوافز لجعل فكرة الدولة المرحلية قابلة للنجاح».

من جانب آخر، تريد إسرائيل الحصول على ضمانات، من أن تشكيل الدولة المؤقتة سيوفر لها السلام. لكي يتحقق ذلك، يتطلب وقتا طويلا، إذ لا يعتقد الا القليل من الإسرائيليين أن الناشطين سيوقفون عملياتهم.

أما السؤال الآخر، فهو أين تبدأ سلطة إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأين تنتهي؟ إذ منذ بدء غزوها للضفة العربية وهي تواصل حملاتها، انطلاقا من مبدأ أنها تتمتع بالحرية للقيام بذلك. لذلك، فإنه حسب دينيس روس، سيكون عبور إسرائيل، في حالة قيام الدولة المؤقتة، لحدود دولية إن هي قررت القيام بحملة عسكرية جديدة. وفي هذه الحالة سينظر لأي هجوم تقوم به إسرائيل، حسب الخبراء القانونيين، كإجراء حربي.

لذلك، تعتبر هذه القضية، السبب وراء اقتراح بوش، من أن هذه الدولة المؤقتة لن يعلن عنها رسميا، حتى تتوقف أعمال العنف، حسب ما قاله الدبلوماسيون الأميركيون في الشرق الأوسط.

مع ذلك، ورغم كل المسائل الشائكة المحيطة بفكرة الدولة الفلسطينية المرحلية، فان لها، حسب البروفسور وليامز، ايجابيات كثيرة، ولعل أهم هذه الايجابيات يكمن في كونها ستكون موضوعا للقانون الدولي، وبالتالي ستتوفر عدة آليات تجعل الفلسطينيين موضوعا للمحاسبة على أفعالهم. في هذا الصدد، قال وليامز: «ستوفر الدولة المرحلية الوسائل الفعالة لمكافأة أو معاقبة الفلسطينيين لتصرفاتهم الحسنة والسيئة».

* خدمة «لوس انجيلس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»