نزاع «سي آي ايه» و«البنتاغون» على غارة ضد بن لادن يثيرتساؤلات حول إمكانية تعاونهما لتنفيذ خطة بوش لإطاحة صدام

TT

مع بداية فصل الربيع تحرك الجنود الاميركيون ذوو القبعات الخضراء من شرق افغانستان قاصدين الحدود الباكستانية وذلك لان وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي.آي.ايه) كانت مقتنعة بأن كبار قادة القاعدة موجودون هناك، وربما يكون من ضمنهم اسامة بن لادن نفسه. اما ساعده الايمن ايمن الظواهري فوجوده هناك كان في حكم اليقين تقريبا بالنسبة للوكالة. ولكن قيادة الجيش كانت تراودها الشكوك في هذه المعلومات ولذلك لم تكن متحمسة لشن الغارة السرية التي كانت تقتضي التوغل الى داخل الاراضي الباكستانية في وقت كانت فيه الحكومة الباكستانية تنكر وجود هذه القوات، في حين لم تكن الاستخبارات العسكرية متيقنة من وجود قادة القاعدة في المنطقة المحددة. وقال احد المسؤولين الكبار بوزارة الدفاع (البنتاغون): «نحن نفضل ان نعد بالاقل وان نفي بالاكثر. اما الوكالة الاخرى فتحب ان تعد بأكثر مما تفي». وكما توقع «البنتاغون» فقد عادت قوات الكوماندوز من دون ان تعثر على الكنز الموعود.

النزاع الذي نشب بين «سي.آي.ايه» و«البنتاغون» حول تلك الغارة، يعتبره المسؤولون مثالا على النزاع الدائر بين الجهتين حول ادارة الحرب في افغانستان. ونظرا لان حرب الولايات المتحدة ضد القاعدة ذات طبيعة سرية اساسا، فان العناصر شبه العسكرية التابعة لـ«سي.آي.ايه» ومعاونيهم السريين من العناصر المحلية، يضطلعون حاليا بدور غير مسبوق جنبا لجنب مع قوات الكوماندوز والقوات البرية. ومع ان ذلك التحالف نجح في اسقاط طالبان الخريف الماضي، الا ان «سي.آي.ايه» و«البنتاغون» اصطدمتا حول الاساليب العسكرية الكفيلة بالقبض على بن لادن ومساعديه. وتخضع «سي.آي.ايه» والقادة العسكريون حاليا لضغوط من الرئيس جورج بوش الذي يحثهم على وضع خطط لاسقاط الرئيس العراقي صدام حسين، وذلك باستخدام الاساليب السرية والقوات التقليدية في نفس الوقت. وتدل الخلافات القائمة بينهم في افغانستان على ان تعاونهم في اداء المهمة الجديدة لن يكون سهلا. وتدعي «سي.آي.ايه» ان القادة العسكريين كثيرا ما كانوا بطيئين في ردود فعلهم مثلما حدث في غارة الربيع. ويقول المسؤولون بالوكالة انهم وفروا معلومات استخبارية دقيقة ولكن عندما وصلت القوات كانت الطريدة قد لاذت بالفرار. ولكن المسؤولين في «البنتاغون» يقولون من جانبهم ان المسؤولين التنفيذيين في «سي.آي.ايه» اخطأوا عدة مرات عندما ارسلوا القوات الاميركية إما في مهام عقيمة وحمقاء او في هجمات على اهداف مدنية بريئة. وقال مايكل فيكرز المسؤول الذي عمل سابقا مع ذوي القبعات الخضراء «يرغب الجميع في المعلومات الاستخبارية الدقيقة. وهل تستطيع ان تنجز شيئا بدونها؟ وعندما لا تحصل على ذلك النوع من المعلومات او عندما تتصرف على اساس معلومات خاطئة، فان ذلك يترك طعما كالعلقم في حلقك. ويمكن في نفس الوقت ان يثير غضبك».

* من المسؤول عن إفلات بن لادن؟

* في فبراير (شباط)، قامت طائرة استطلاع بدون طيار باصابة رجل طويل القامة يرتدي ثوبا ابيض، في منطقة الجبال الشرقية، باعتبار انه كان هو بن لادن. من الناحية الرسمية قالت وزارة الدفاع ان الضربة كانت مبررة، ولكن مسؤولا اميركيا قال ان وزير الدفاع، دونالد رامسفيلد، ابدى تذمره وقال ان «سي.آي.ايه» كانت متهورة، واضاف «فليكن الله في عون كل من يزيد طوله عن خمسة اقدام واربع بوصات في تلك البلاد». وقال مسؤول في «البنتاغون» ان العداوة بين المسؤولين في وزارة الدفاع و«سي.آي.ايه»، ناجمة عن تحفز كلا الجانبين لاتهام الآخر عندما يثار السؤال حول «من المسؤول عن افلات بن لادن؟». وقال فنسنت كانسترارو، المدير السابق لمكافحة الارهاب في «سي.آي.ايه»: «عندما لا يحقق أي من الاطراف نجاحا كبيرا، يكون هناك دائما كثيرا من الشكوى والاتهامات المتبادلة. وعلى كل حال فان أياً منهما ليس مجللا بأكاليل الغار في الوقت الحالي».

لكن كبار المسؤولين في الوكالتين يقولون انهم لا يعلمون شيئا عن خلافات بينهما. وقال بيل هارلو، المتحدث الرسمي باسم «سي.آي.ايه»: «كل ما سمعناه من المقاتلين الحقيقيين في هذه الحرب اكد لنا انهم راضون تماما عن مستوى التعاون الذي وجدوه منا». لكن مسؤولين آخرين يقولون ان التوتر يشق طريقه صعودا حتى يصل الى رامسفيلد ومدير «سي.آي.ايه»، جورج تينيت. وقال احد المسؤولين في «البنتاغون» ان الخلافات لم يكن من الممكن تفاديها بعد 11 سبتمبر (ايلول): وذلك لان وزارة الدفاع مواجهة بخوض الحرب بينما كانت الوكالة تحاول انقاذ سمعتها لسماحها لابن لادن بضرب نيويورك وواشنطن. ومن بواعث القلق التي يذكرها المسؤولون في الكونغرس:

ـ العسكريون هم الذين يتحملون مسؤولية الغارات الجوية والهجمات الارضية التي تخطئ اهدافها، بينما لا تواجه عناصر «سي.آي.ايه» اسبابا قوية لتوخي الحذر عندما تطالب بشن غارات او انزال ضربات. ويقول المسؤولون في «البنتاغون» ان الغارة الاميركية على قرية (هزار قدام) التي نتج عنها مقتل 16 جنديا من حلفاء الولايات المتحدة في يناير (كانون الثاني) تمت على اساس معلومات استخبارية خاطئة قدمتها «سي.آي.ايه».

ـ طلبت «سي.آي.ايه» من القوات الاميركية تزويد بعض أمراء الحرب الافغان بالاسلحة، وكان «البنتاغون» يخشى ان تستخدم هذه الاسلحة في ما بعد اما ضد القوات الاميركية او ضد الحكومة المدعومة اميركيا في كابل. وفي اواخر ابريل (نيسان) الماضي قام امير حرب بشرق افغانستان، هو بادشاه خان زادران، الذي تحمل الميليشيات التابعة له اسلحة اميركية، بتوجيه سيل من الصواريخ على مدينة غارديز وقتل 25 شخصا على الاقل اغلبهم من النساء والاطفال.

ـ تقارير وبلاغات «سي.آي.ايه» العديدة عن التقدم المحرز في مطاردة بن لادن اثارت غضب المسؤولين في «البنتاغون» الذين يخشون تشويه سمعة العسكريين عندما تعود القوات الى قواعدها وهي خالية الوفاض.

ـ المسؤولون في «سي.آي.ايه» رفضوا الرد على شكاوى «البنتاغون». في المقابل فان اتهامات «سي.آي.ايه» القائلة بأن العسكريين يتلكأون في تنفيذ الهجمات، يمكن توضيحها بمثال ساطع هو تورا بورا. فمنذ بداية ديسمبر (كانون الاول) حددت المعلومات الاستخبارية ان بن لادن موجود بشبكة كهوف تورا بورا بالمنطقة الشرقية لافغانستان ولكنه تمكن مع ذلك من التسلل عبر خطوط الحلفاء والفرار الى باكستان. وتقول مصادر الاستخبارات ان مسؤولي «سي.آي.ايه» ظلوا يعلنون تذمرهم منذ تلك اللحظة.

* نفور «سي.آي.ايه» من المغامرات

* يقول فيكرز ان تبادل الشكاوى والاتهامات في افغانستان كأنما يشير الى انعكاس الادوار بالنسبة للجهتين المتنازعتين. فخلال العقد المنصرم كان العسكريون هم الذين يتهمون دائما بانهم مجموعة من «رعاة البقر». وعلى العكس من ذلك كانت «سي.آي.ايه» متهمة بانها تنفر من المغامرات وتركن اكثر مما يلزم الى التجسس الالكتروني وأقمار التجسس بدلا من التجسس التقليدي في الميدان. لكن «سي.آي.ايه» قفزت الى الحرب في افغانستان بشهية لم تحاول ان تخفيها. ولجأت الوكالة الى استدعاء مئات من الضباط المتقاعدين للعمل من جديد، وخاصة اولئك الذين عملوا في افغانستان بعد الغزو السوفياتي لتلك البلاد عام .1979 اما العملاء غير المنتظمين في خدمة الوكالة فقد ارسلوا الى مواقعهم القديمة في افغانستان وباكستان. وقام آخرون بارتداء اللباس العسكري وحملوا السلاح وانتشروا كمجموعات شبه عسكرية تدعم العمليات التي تقوم بها القوات الخاصة التابعة للجيش.

وصرح احد الضباط من ذوي القبعات الخضراء، ولم يشأ الكشف عن هويته، ان اثنين من عناصر «سي.آي.ايه» انضما الى وحدته عندما كانت تمد يد المساعدة للقوات المعادية لطالبان. وكان عملاء «سي.آي.ايه» يكملون النقص الذي تعانيه تلك الوحدات في معرفة اللغات المحلية وحيازة مهارات التحقيق والالمام بالظروف الافغانية المحلية. وكانت لديهم صلاحيات كذلك لانجاز بعض المهام التي لا يمكن للجنود انجازها مثل تقديم اكياس ضخمة من النقود واسقاط عبوات من الاسلحة لشراء ولاء المحاربين الافغان والحصول على المعلومات الضرورية منهم. واغلب وحدات «سي.آي.ايه» شبه العسكرية كانت تلتحق بفرق القوات الخاصة التابعة للجيش، ولكن مجموعات اخرى كانت تعمل كعناصر حرة طليقة، كما سماها احد ضباط ذوى القبعات الخضراء، أي انهم كانوا يجوبون الريف والمناطق النائية ليجمعوا المعلومات ويوجهوا الغارات الجوية. وكل العناصر التابعة لـ«سي.آي.ايه»، ومن ضمنهم موجهو طائرات الاستطلاع من دون طيارين، مطالبون بتقديم تقاريرهم الى قيادة القوات المسلحة في تامبا. ولكنهم يقدمون تقارير ايضا الى رئاسة «سي.آي.ايه» في الشرق الادنى المسؤولة، حسب ما قاله فيركز، عن باكستان وافغانستان.

السبب الآخر للنزاع كان هو اختلاف مصادر المعلومات الاستخبارية. فهناك المعلومات التي يقدمها المخبرون والضباط في الميدان وعلى الارض، وهناك المعلومات التي تجمعها «سي.آي.ايه» مما يسميه بعض الجنود «الجانب المظلم»: أي المعلومات المجموعة عن طريق الاستطلاعات الالكترونية. ومنذ بداية الحرب في افغانستان كان ثمة صدام بين هذين المصدرين للمعلومات. وذكر مصدران عسكريان ان عناصر «سي.آي.ايه» الميدانية، نبهت ذوي القبعات الخضراء منذ يناير (كانون الثاني) الى ان هناك احتمال ان تستخدم طالبان مصنع سماد من اجل صناعة القنابل. واشارت مصادر «سي.آي.ايه» الى ضرورة تدمير المصنع. وقامت قوة من جنود التحالف الشمالي وذوي القبعات الخضراء بتفتيش المصنع واستوثقت من انه لا يفعل شيئا اكثرمن تعبئة اكياس السماد. وعندما همت هذه القوة بمغادرة الموقع التقت بقوة من فرقتي «الرينجرز» و«الدلتا» كانتا في طريقهما الى الهجوم على المصنع، وكان يمكن ان تقع كارثة عسكرية في تلك اللحظات.

* خدمة «يو.إس.ايه. توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»