بوش يأمر مستشاريه ببلورة «استراتيجية الضربات الوقائية» ضد الدول والمجموعات «الإرهابية» قبل اغسطس

TT

أكد مسؤولون مطلعون في الادارة الاميركية ان الرئيس جورج بوش اصدر توجيهات الى كبار مستشاريه في مجال الامن القومي بتضمين سياسة الاجراءات الوقائية ضد الدول والمجموعات «الارهابية» التي تحاول تطوير اسلحة للدمار الشامل في اساس الاستراتيجية الجديدة للامن القومي الاميركي.

وواضح ان العراق يأتي في صدارة قائمة الدول المعنية بهذه الاستراتيجية الجديدة، اذ ان وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي. آي. ايه) ووزارة الدفاع (البنتاغون) قد ضاعفتا من الجهود الرامية لاطاحة الرئيس العراقي صدام حسين في مسعى اخير لتحاشي ضرورة شن غزو واسع النطاق على العراق.

وتركز الاستراتيجية الاميركية الجديدة، التي يعتبرها المحللون تحولا عن الاستراتيجيات العسكرية للحرب الباردة، على مجموعة من الخيارات لمنع الدول من الحصول على اسلحة الدمار الشامل ودعم الارهاب. ومن المتوقع ان ينتهي العمل في الاستراتيجية المشار اليها في اغسطس (آب) المقبل خلال العطلة المقبلة للرئيس الاميركي في كراوفورد بتكساس.

وقال مستشارون في البيت الابيض انهم يعملون حاليا على مراجعة السياسة لتوضيح ان للولايات المتحدة خيارات اخرى بخلاف التدخل العسكري المباشر مثل العمليات المشتركة مع روسيا وقوى اخرى، اذ تشمل الاهداف المحتملة دولا ضعيفة باتت ملاذا للجماعات الارهابية.

وكانت مستشارة الامن القومي الاميركي كوندوليزا رايس قد اوضحت خلال لقاء اجرى معها في الآونة الاخيرة ان الاستراتيجية الاميركية الجديدة التي تعتمد نهجا وقائيا تعني في الاساس اتخاذ خطوة مبكرة لمنع وقوع اعمال مدمرة من جهة معادية. واضافت ان «هناك بعض الحالات التي لا تحتمل الانتظار حتى وقوع الهجوم لاجراء الرد اللازم».

ورغم ان رايس وصفت السياسة الاميركية الجديدة بأنها واسعة ولا تعني دولا او مجموعات ارهابية محددة، فإن هذه السياسة قد وظفت سلفا فيما يبدو ضد العراق. فقد علق مسؤول اميركي كبير حول هذا الشأن أمس قائلا ان مشكلة الغزو العسكري الواسع النطاق تكمن في الافتقار الى عنصر المفاجأة الذي يعتبر جانبا اساسيا في العمليات الوقائية. واضاف المسؤول «ان الرئيس بوش يرغب في استخدام الخيارات الاخرى لأن الولايات المتحدة اذا شرعت في إعداد قوة للغزو، سيكون الامر معلوما لدى صدام حسين».

وكان البيت الابيض قد شهد نقاشا حول الامثلة التي طرحت للتدليل على ان اكثر الخيارات الوقائية نجاحا ليست بالضرورة اكثرها عنفا من الناحية العسكرية. واشارت رايس الى ان الرئيس الاميركي الاسبق جان كينيدي «فكر في العديد من الاحتمالات» خلال ازمة الصواريخ عام 1962 لكنه رفض نصيحة بشن هجوم مباشر على مواقع الصواريخ السوفياتية المنصوبة في كوبا.

وتناول آخرون شاركوا في النقاش الذي جرى في البيت الابيض جوانب اخرى من ضمنها دراسة الرئيس الاسبق ليندون جونسون لضربة وقائية ضد الصين لمنعها من نشر اسلحة نووية، الا ان ذلك الخيار اهمل. كما درس المشاركون بعض الحالات الاخرى التي فشل فيها رؤساء اميركيون في اتخاذ خطوة وقائية، بما في ذلك الفشل في التحرك على نحو اكثر نشاطا ضد المانيا النازية خلال عقد الثلاثينات من القرن الماضي. وبناء على نتائج النقاش الذي جرى، تباحث مسؤولون في الادارة الاميركية ومستشارون من خارجها حول الخيارات الوقائية التي ربما يختارها بوش اذا توفرت معلومات حول اقتراب دولة محددة من الحصول على اسلحة للدمار الشامل او تصديرها، كما تباحثوا ايضا حول طبيعة رد الولايات المتحدة في حال محاولة المتشددين الاصوليين في باكستان الاستيلاء على السلاح النووي.

وقال مساعدو الرئيس بوش ان السياسة الجديدة للولايات المتحدة تعتبر بمثابة اعادة صياغة للاستراتيجيات الاميركية الاساسية التي اتبعتها الولايات المتحدة خلال حقبة الحرب الباردة. وكان «الاحتواء» اول هذه الاستراتيجيات القائمة على اساس التعايش مع الخطر النووي للاتحاد السوفياتي السابق والعمل على منع توسيع دائرته. اما الاستراتيجية الثانية، فتتلخص في «الردع» الذي يتركز في ترتيب الدفاعات الاميركية للتأكيد على الرد الاميركي الساحق والمدمر، وبالتالي منع الخصم من الإقدام على أي عمل معاد. وتتفق الاستراتيجيتان المذكورتان مع ميثاق الامم المتحدة، الذي يكفل لأي دولة الحق في الدفاع عن نفسها عندما تتعرض لهجوم، لكنه لا يتيح مجالا كافيا للدول لتحديد الوقت الذي تشعر فيه بأنها مهددة.

وموضوع صياغة استراتيجية الاجراءات الوقائية، بما في ذلك الهجوم العسكري، طرح بصورة متكررة خلال الاجتماعات التي تعقد ثلاث مرات اسبوعيا لكبار مستشاري الامن القومي بالادارة الحالية. وقالت كوندوليزا رايس ان بلورة الاستراتيجية الجديدة لم تستغرق وقتا طويلا بعد «النظر الى الاخطار المتزايدة لاسلحة الدمار الشامل ونشاط الشبكات الارهابية».

اما عملية ضم الدول الحليفة للولايات المتحدة، فقد بدأت اخيرا، بيد ان مسؤولي الادارة الاميركية اعترفوا بأن هذا الجانب سيكون صعبا في افضل الاحوال. وعلى الرغم من أن زعماء المانيا وفرنسا والصين كثيرا ما حذروا من مغبة النهج الاحادي الجانب، فان سياسة بوش الجديدة تعتبر نهجا احادي الجانب بالفعل لأنها تحتفظ للولايات المتحدة بتحديد ما يشكل خطرا على امنها والقيام بالرد اللازم حتى اذا اعتبر الخطر غير وشيك.

ولم يصف بوش حدود هذه السياسة او كيفية تعريفه للخطر، بيد ان السناتور جوزيف بيدن، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، قال ان الدستور يكفل للرئيس الحق في اتخاذ عمل وقائي ضد جهة ما اذا كان هنالك خطر يهدد امن الولايات المتحدة، لكنه اشار الى ان السؤال العسير يكمن في كيفية معرفة نوايا دولة محددة وما اذا كانت ستقدم على استخدام هذه الاسلحة. وتساءل بيدن «على سبيل المثال، تعتبر الصين قوة نووية، فهل يملك الرئيس الحق في توجيه ضربة وقائية ضد النظام الشيوعي الصيني؟». ورد بيدن نفسه على هذا السؤال بالنفي.

واعرب البعض خارج الادارة الاميركية عن القلق إزاء احتمال ان تتبع دول اخرى وعلى الفور نهج الولايات المتحدة وتسخر سياسة العمليات الوقائية بصورة ملتوية لخدمة اغراضها. فاسرائيل، على سبيل المثال، يمكن ان تستخدم هذه السياسة لتبرير توجيه ضربات قوية الى الاراضي الفلسطينية، كما يمكن ان تستخدمها الهند تحسبا لأي هجوم من باكستان، وكذلك الصين لتبرير أي هجوم لها على تايوان.

واعرب مسؤولون في الادارة الاميركية عن اعتقادهم بان الاعتراض على نهج بوش الجديد امر مبالغ فيه، واشاروا الى ان العراق سيكون اول تجربة لهذه السياسة بحجة ان الخطر واضح وان انتهاكات صدم حسين لقرارات الامم المتحدة امر واضح. وقالت رايس ومسؤولون آخرون ان الجوانب التي اثارت اهتماما اقل في السياسة الجديدة للادارة الاميركية خضعت بالكاد لنقاش مفتوح، لكنها، طبقا لتعليق مستشارة الامن القومي، لا تقل اهمية عن الاستراتيجية العسكرية الجديدة. وتعتقد رايس ان العنصر المهم يكمن في تأسيس اطار امني مشترك للقوى الكبرى تشترك بموجبه الولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان واوروبا في اجندة امنية موحدة تعمل سويا من خلالها على منع الجماعات الارهابية والدول المشبوهة من تحدي هذه النظام.

وترى الادارة الاميركية من جانبها ان هذا النهج اظهر آفاقا للنجاح، فالصين ساعدت كثيرا في المحادثات مع كوريا الشمالية منذ الازمة النووية عام 1994، كما انضم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للجهود التي هدفت الى نزع فتيل التوتر خلال الازمة الهندية ـ الباكستانية الاخيرة. وقالت رايس ان الامور اذا استمرت على هذا المنوال، فإن العالم سيكون اكثر استقرارا. بيد ان بوتين اختلف مع بوش حول مخاطر تصدير روسيا لتكنولوجيا نووية لايران، فيما لا تزال الصين تزود باكستان بهذه التكنولوجيا. كما فشلت واشنطن حتى الآن في اقناع موسكو وبكين بالتوقف عن تصدير هذه التكنولوجيا لكل من الهند وايران.

* خدمة «نيويورك تايمز» - خاص بـ «الشرق الأوسط»