باول: أبلغت عرفات في رام الله بضرورة التغيير والصرامة ستنتقل للجانب الآخر إذا قام الفلسطينيون بما ينبغي

اعترف بأن بوش عرض دواء مرا على الفلسطينيين ولكن إسرائيل مطالبة أيضا بالتزامات قاسية بينها إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967

TT

مطالبة الرئيس الاميركي جورج بوش العلنية بخلع ياسر عرفات كقائد للشعب الفلسطيني، بدأت في محادثة خاصة اتسمت بالحدة، أجراها وزير الخارجية الاميركي كولن باول في غرفة صغيرة بالمقر الرئاسي الفلسطيني في رام الله الذي كان يتعرض للقصف والحصار. فقد قال باول في مقابلة اجريت معه اول من امس: «ابلغته انهم مطالبون بتغيير الاتجاه الذي يسيرون فيه، تغييرا جوهريا واستراتيجيا، وان يكون هذا التغيير مشهودا لدينا، اذا كانوا يرغبون ان تكون الولايات المتحدة شريكة في التحرك الى الامام. وان الصراحة تقتضيني ان اقول اننا لم نشهد قدرا كافيا من التغيير».

وقد ظل باول يحاول لعدة اشهر، باعتباره كبير الدبلوماسيين بالادارة الاميركية، تحقيق بعض التوازن بين الخطوات المطلوبة من الاسرائيليين والفلسطينيين، وأجرى محادثات استغرقت ساعات طويلة مع عرفات في الوقت الذي كان فيه كبار المسؤولين الاميركيين يحثون بوش على قطع علاقاته مع عرفات. كما ظل يردد في نفس الوقت ان الفلسطينيين، ومعهم بقية العالم، يعتبرون عرفات رئيسهم المنتخب رغم كل نقائصه. ولذلك فان عبارات باول الحالية تمثل انعطافا واضحا، وهو لم يكن ليرتاح اليها الا بعد لأي شديد. وقال باول تعليقا على اعلان الرئيس بوش: «انني مرتاح كثيرا. لقد عملت مع زملائي دون توقف من اجل الوصول الى هذه النتيجة».

وتعكس تصريحات باول بمنتهى الوضوح، كيف ان المحادثات مع الاسرائيليين والحلفاء العرب والاوروبيين، والموجات المتلاحقة من الهجمات الانتحارية ومن حملات الانتقام الاسرائيلية، والمناقشات الداخلية المكثفة والتي استمرت شهورا، أدت جميعها الى اتفاق الرئيس بوش وكل مستشاريه الكبار للامن القومي على نتيجة واحدة: وهي ان عرفات يجب ان يذهب.

وأدى الحوار الداخلي في الادارة الاميركية الى نشوء مواجهة بين الوزير باول وفريق وزارة الخارجية للشرق الاوسط، من جانب، ونائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، اللذين يمثلان الفريق غير المتحمس للتورط في قضايا الشرق الاوسط والذي يميل الى تأييد اسرائيل بصورة مسبقة ودون تحفظ او انتقادات. ويقول احد كبار مسؤولي الادارة ان اتفاقا عاما برز في الآونة الاخيرة حول ضرورة التغيير واصلاح القيادة الفلسطينية. وقال هذا المسؤول: «وصلنا جميعا الى النقطة التي كان من المفروض ان نصل اليها. وجوهر المسألة هو ان الرئيس فكر بجدية في تغيير الوضع، ولكن ذلك لن يحدث الا بتغيير جوهري في القيادة الفلسطينية. هذه هي حقيقة الامر».

وقال الوزير باول عن التحول الجديد: «انه يعبر ليس فقط عن خيبة آمالنا في القيادة الحالية، بل يعبر كذلك عن خيبة الامل وتعبيرات الاسف التي سمعناها من القادة العرب ومن داخل صفوف الشعب الفلسطيني».

ويحاول كولن باول استغلال الاحترام الواسع الذي يتمتع به ليشرح احدى اكبر مبادرات الادارة في مجال السياسة الخارجية. وقال ان «العنوان العريض في وسائل الاعلام، سيكون بالطبع: هو (قيادة جديدة) وهذا عنوان قوي جدا، وذلك في اشارة الى ان هذا هو بيت القصيد او النقطة المهمة».

واشار باول الى ان الرئيس بوش تعهد مقابل التغيير في القيادة الفلسطينية والتصدي للارهاب باقامة دولة فلسطينية خلال 3 سنوات. وقال باول: «الصرامة تشبه ماسحة زجاج السيارة، فهي يمكن ان تتحول من هذا الجانب الى ذاك. فاذا قاموا (أي الفلسطينيون) بما ينبغي عليهم، فان الالتزامات ستنتقل الى الجانب الاخر. وانا واثق تماما ان الرئيس يتوقع من كل الاطراف، الفلسطينيين والعرب والاسرائيليين، ان يفوا بالتزاماتهم».

وقال وزير الخارجية الاميركي انه يتوقع ان يسافر الى الشرق الاوسط قريبا، وان لم يكن في الحال، وان الاجتماع الوزاري الذي كان مزمعا عقده حول الشرق الاوسط، «يجب ان ينتظر لبعض الوقت في نظري»، وذلك لاستمرار الهجمات الانتحارية وقيام اسرائيل باحتلال عدة مدن بالضفة الغربية. وقال الوزير باول: «من الصعب ان نتصور اننا يمكن ان نعقد اجتماعا في الاسابيع القليلة الماضية. ولكن الرئيس يرى اننا من المهم ان نطرح هذه الرؤية وان نشير الى الطريق الى الامام».

وصرح بعض كبار المسؤولين انهم يتصورون ان يبقى عرفات رئيسا شرفيا في حكومة فلسطينية جديدة. ولكنهم كرروا عدة مرات انهم يتوقعون ان تؤدي انتخابات فلسطينية جديدة الى بروز قائد جديد يسير الامور اليومية ويشرف على الامور المالية وغير ذلك. واعترف الوزير باول بأن الرئيس بوش ربما «يعرض دواء مرا» وخاصة في بداية الخطاب عندما يتحدث عن القيادة الفلسطينية. ولكنه قال ايضا ان الخطاب يطرح مطالب على الاسرائيليين. واضاف: «سترى ايضا ان اسرائيل مطالبة بالتزامات قاسية ومن ضمنها انهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967، وذلك من خلال التفاوض على اساس قراري الامم المتحدة 242 و338».

ويأمل مسؤولو وزارة الخارجية ان تفسر اشارة الرئيس بوش الصريحة الى حرب عام 1967 كنوع من الاعتراف بمطالب العالم العربي والمتمثلة في انسحاب اسرائيل الى الحدود التي كانت سائدة قبل تلك الحرب، وذلك في نفس الوقت الذي يذكر فيه الخطاب حق اسرائيل «في الحدود الآمنة والمعترف بها».

وبالنسبة لدبلوماسية الشرق الاوسط، فان كل كلمة لها وزنها. تقول اسرائيل انها لن تكون آمنة مطلقا داخل حدود 1967 ويقول المراقبون ان اشارة بوش الى هذه الحدود متعمدة. وقال احد المسؤولين: «يعلن الخطاب ان هذه هي المشكلة التي ينبغي حلها، ولكنه لا يحصر الحل بصورة مطلقة في حدود 1967، ولكنها نقطة ينظر العرب اليها ويقولون: نقطة البداية على الاقل هي الاحتلال».

وقال عدد من المسؤولين بالادارة ان التحدي الحقيقي امام الرئيس بوش، في وقت تتواصل فيه الهجمات الانتحارية ويزداد فيه التأييد السياسي المحلي لاسرائيل في مواجهتها للفلسطينيين، هو صياغة خطة يكون من شأنها إحداث تغييرات حقيقية على ارض الواقع.

واعترف مسؤول آخر بصعوبة التقدم قائلا: «الكيفية التي يمكن ان ندفع بها الامور الى الامام، بعد ان يعبر الجميع عن آرائهم، ليست واضحة بالنسبة لي حتى الآن».

وربما يكون باول قد شرع في دفع الامور الى الامام يوم اول من امس عندما اجرى محادثات هاتفية مع دبلوماسيين من روسيا ومصر والاردن والمملكة العربية السعودية والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة. وقال انه يتوقع الاستمرار في اجراء مثل هذه المحادثات في الايام القليلة المقبلة.

وقالت جوديث كيبر، خبيرة الشرق الاوسط في مجلس العلاقات الخارجية الاميركية: «القضية الاساسية هى التالية: هذه هي سياسة الولايات المتحدة للشرق الأوسط. هناك التزامات يتوقع الوفاء بها من قبل الفلسطينيين والاسرائيليين، ولكن ماذا ستفعل الادارة لتنفيذ هذه السياسة؟ انه لم يذكر انه طلب من وزير الخارجية تكوين مكتب دائم للوساطة والتفاوض وان عددا غير محدود من الناس سيذهبون ويعودون ليؤكدوا للاطراف المختلفة ان هذا عرض لا يمكنهم ان يرفضوه. ان القاء خطاب ليس امرا كافيا».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»