رئيس الموساد الإسرائيلي يدير مفاوضات سياسية في واشنطن وبيريس يريد لقاء وزير المالية الفلسطيني

شارون معني بالتحرك السياسي لذلك يسرع في محاولات الإطاحة بعرفات

TT

أكدت مصادر مطلعة في اسرائيل ان رئيس الوزراء ارييل شارون، وبدافع القلق الشديد من الأزمة الاقتصادية، بات معنياً باجراء تحرك سياسي واسع مع الفلسطينيين ولكن على طريقته الخاصة. فهو يرسل مبعوثيه في كل اتجاه لهذا الغرض، وفي الوقت نفسه يصعد عملياته الحربية ويسعى لتشديد الضغط من اجل الاطاحة بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، بدعوى انه العقبة الوحيدة امام التقدم في هذه المسيرة.

وكشفت هذه المصادر ان رئيس الموساد، افرايم هليفي، أمين سر شارون والذي ادار له المحادثات السرية مع الادارة الاميركية في الاسابيع الاخيرة، موجود حاليا في الولايات المتحدة، حيث يبحث في امكانات تحريك المسار السياسي.

وسيجتمع شارون، صباح اليوم مع نائبه ووزير خارجيته شيمعون بيريس، للاتفاق معه على الخطوات السياسية المقبلة. ومع ان شارون كان قد رفض، فقط قبل اسبوع، طلب بيريس ان يلتقي عددا من الوزراء الفلسطينيين وأمين سر منظمة التحرير محمود عباس (ابو مازن)، فانه ـ حسب مصادر مقربة منه ـ سيبلغ بيريس انه يؤيد ان يلتقي في هذه المرحلة مع وزير المالية الفلسطيني الجديد الدكتور سلام عوض. وعلل مساعدو شارون هذا الموقف بالقول ان «عوض معروف كشخصية حضارية وأحد العاملين السابقين في البنك الدولي وله مواقف مستقلة وأبدى جدية بالغة في تطبيق الاصلاحات، عندما طلب من عرفات مؤخرا ان تمر ادارة الشؤون المالية في السلطة الفلسطينية فقط عن طريق وزارته، وان يقتصر صرف الرئيس الفلسطيني على صندوق صغير يشمل فقط مصاريف الرئاسة».

واما بيريس فسيطرح في هذا اللقاء موضوع الاتصالات التي يجريها شارون من وراء ظهره مع قادة فلسطينيين مقربين من عرفات، والتي يديرها نجل شارون عومري في لندن مع محمد دحلان ومحمد رشيد، المستشارين المقربين من عرفات. ولا يتوقع ان يحدث بيريس ازمة مع شارون بسبب هذه اللقاءات، باعتبار انه يؤيدها ويريد الاستفادة منها لكي يتمكن هو بالمقابل من اجراء لقاءات موازية. ولكن بيريس يريد ان تتم هذه اللقاءات بالتنسيق معه وبمعرفته.

لكن جهد شارون الأساسي ينصب حاليا على العمل الميداني للتخلص من عرفات، خصوصا بعد ان بدا انه يتحدى دعوة الرئيس الاميركي جورج بوش للشعب الفلسطيني ان يستبدله. ففي اسرائيل يقوّمون ما يفعله عرفات من اصلاحات بأنها محاولات لتعزيز سلطته وليس للتخلي عن السلطة. فهو، حسب مساعدي شارون، يعين «شخصيات ضعيفة موالية له لقيادة اجهزة الامن» (يقصدون وزير الداخلية عبد الرزاق اليحيى وقائد جهاز الامن الوقائي، العميد زهير المناصرة، الذي حل محل العقيد جبريل رجوب)، ورفض طلب وزير المالية بالسيطرة على موضوع الصرف المالي في السلطة، وما زال يمتنع عن مكافحة التنظيمات المسلحة.

ومن الجدير ذكره ان رئيس اركان الجيش، شاؤول موفاز، الذي سينهي خدمته العسكرية غدا اعلن في المقابلات الصحافية التي اجراها في نهاية الاسبوع، ان الوقت لم يعد يعمل لصالح اسرائيل. وانها اذا لم تتخلص من عرفات في الوقت الحاضر، فانها ستخسر كثيرا في المستقبل القريب.

وهذا الرأي يحمله معظم وزراء اليمين في حكومة شارون. وأحدهم، ايفي ايتام، رئيس حزب المفدال، دعا صراحة الى قتل عرفات. ولم يثر تصريحه اي رد فعل من شارون. بل ان عضو الكنيست يغئال بيبي، من حزب المفدال نفسه، قال ان «ايتام لم يقل شيئا غريبا عن افكار شارون. بل قال بصراحة ما يقوله شارون وغيره بالتلميح».

الى ذلك يواصل الجيش الاسرائيلي تعزيز احتلاله للمدن الفلسطينية بهدف البقاء فترة طويلة فيها. كما يواصل تجنيد قوات الاحتياط بالألوف، بحجة استمرار الانذارات الساخنة بانطلاق فلسطينيين لتنفيذ عمليات انتحارية داخل اسرائيل. وقال قائد قوات الاحتلال في الضفة الغربية، العميد اسحق ايتان، ان قواته اعتقلت خمسة شبان فلسطينيين كانوا في اوج استعداداتهم للانطلاق لتنفيذ العمليات. واصدر شارون تعليماته الى وزارة الدفاع بأن تعمل على ترتيب نشاطات الجيش بطريقة تضمن السيطرة العسكرية لفترة طويلة، جنبا الى جنب مع تشجيع ومساعدة المؤسسات الدولية مثل وكالة الغوث وغيرها والجمعيات الاهلية الفلسطينية المحلية في تسيير الشؤون البلدية والخدمات الاجتماعية للسكان. والهدف من ذلك هو امتناع الجيش عن التورط في تقديم هذه الخدمات للسكان وتحمل المسؤولية عنها من جهة، وتحييد السلطة الفلسطينية ووزاراتها عن تقديم هذه الخدمات واظهارها امام الناس عاجزة حتى لا يبقى لها اي دور قيادي او اداري.

ويستمد شارون التشجيع على هذا النهج من المظاهرات الشعبية الغاضبة التي انطلقت في غزة ضد السلطة الفلسطينية تحت شعار: «نريد الخبز. لا نريد التسوّل». وهو يطمح لأن تتصاعد هذه المظاهرات ضد السلطة الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات وان تتسع لتشمل مدن الضفة الغربية ايضا. ونقل على لسانه انه اذا اكتشف ان الفلسطينيين قادرون من الداخل على الضغط على عرفات وسلطته واسقاطهما، فانه لن يحتاج الى القيام بعمل اسرائيلي لهذا الغرض، علماً بأن هناك رأياً آخر لدى اوساط مخابراتية في اسرائيل يقول ان عرفات بدأ يرد على المظاهرات المعادية له بمظاهرات مؤيدة له. وفي هذا خطر نشوب صدامات وربما حرب اهلية. ومثل هذه الحرب ستخلق حالة من الفوضى، من شأنها في نهاية المطاف ان تتجه ضد اسرائيل: «... واذا كانت مظاهرات غزة بعيدة عن معسكرات الجيش الاسرائيلي ومواقعه، فان مظاهرات الضفة الغربية قريبة جدا من تجمعات الجيش الاسرائيلي. فهو موجود داخل المدن. واذا تحولت المظاهرات ضده، فان مشاهد الانتفاضة الشعبية الاولى (1987 ـ 1990) ستتجدد. ولن يكون هذا في صالح اسرائيل، اذ ان شاشات التلفزيون العالمية ستنقل عندها صور قذف الحجارة وجنود مقابل اطفال. وسيعود الفلسطينيون ليظهروا كضحية لاسرائيل امام العالم.