الفلسطينيون يعيدون التفكير في الهجمات الفدائية وزعامة عرفات قبل بلوغ الانتفاضة عامها الثاني

TT

بعد 21 شهرا من بدء الانتفاضة، بدأ العديد من الفلسطينيين يعيدون التفكير في عنصرين اساسيين من عناصر الصراع ضد اسرائيل: زعيمهم، واستخدام العنف ضد المدنيين الاسرائيليين.

ويقول عدد متزايد من الفلسطينيين، ان سنين طويلة من دعم الرئيس ياسر عرفات ومواجهة اسرائيل بالهجمات الانتحارية لم تؤد الى مكاسب ايجابية.

وتقول فتحية بدير التي قتل ابنها عيسى نفسه و15 اسرائيليا في عملية انتحارية بالقرب من تل ابيب في مايو (ايار) الماضي «لقد كانت هناك عمليات انتحارية لسنوات، غير انه لم تظهر اية نتائج حتى الان».

ولايزال من غير الواضح ما اذا كان ما يمكن ان نطلق عليه التعب من الانتفاضة سيؤدي الى اية تغييرات اساسية ام لا. ويحذر بعض المحللين من ان المنظمات الفلسطينية المسلحة تعمل من اجل وسائل اكثر عنفا لمواجهة اسرائيل، ربما بتجديد الهجمات ضد الاسرائيليين واهداف اخرى خارج اسرائيل، وان عرفات تعرض لفترات عديدة من انعدام الشعبية في حياته السياسية الطويلة.

ويبدو الفلسطينيون اكثر احباطا بسبب الموقف الحالي. فاستطلاعات الرأي العام تشير الى ان الدعم لعرفات والعمليات الانتحارية ينكمش.

وبالرغم من انهم يشجبون استخدام ارييل شارون لقوة عسكرية ضخمة ضدهم، فإن العديد من الفلسطينيين يعترفون بانه قد نجح في جعل كلفة نضالهم ضده مرتفعة بطريقة لا تحتمل. وبالمثل فإن معظم الفلسطينيين يقولون ان دعوة الرئيس بوش الى قيادة فلسطينية جديدة تمثل تدخلا اميركيا في شؤونهم. ولكن البعض يعترفون ايضا بان بوش فتح الباب لانتقادات داخلية مكثفة لقيادة عرفات.

وفي المدن الصامتة ـ باستثناء اريحا تقع كل المناطق الحضرية في الضفة الغربية تحت حظر التجول الذي تفرضه اسرائيل ـ فإن الفلسطينيين ينتقدون عرفات والانتحاريين بطريقة مختلفة عما كان عليه الامر قبل ثلاثة اشهر.

ويقول خالد بدير وهو جالس في منزل الاسرة في بيت لحم «اشعر بالمرارة والحزن بفقد عيسى شقيقي الاصغر الذي كان امل هذا المنزل. كنا جميعا نعتقد ان عيسى هو الشخص الذي سيسعى للحصول على تعليم عال. وبدلا من ذلك وضع قنابل حول جسده».

وفي منزل اخر ببيت لحم، يسخر عامر دراغمة الذي نفذ شقيقه محمد عملية انتحارية خارج معبد يهودي في مارس (اذار) الماضي ادت الى مقتل 11 اسرائيليا، من المتطرفين الذين دربوا محمد قائلا «فليسامحهم الله».

ويؤكد اقارب الذين شاركوا في عمليات انتحارية انهم يشعرون بالفخر من تضحيات اقاربهم، ويبررون وحشية الهجمات الانتحارية بالمعاناة الناجمة من الاحتلال الاسرائيلي والقهر. غير ان عامر وهو رجل اسعاف يبدو غير راغب في تبرير او شرح تصرف شقيقه الذي قتل 6 اطفال تقل اعمارهم عن 16 سنة وقال: «الانسانية لا تقبل ذلك». ويواصل قائلا «ان الرأي العام العالمي ضدنا بسبب العمليات الانتحارية. علينا ايقافهم وابلاغ اسرائيل، فلنتحدث عن السلام. علينا منعهم لنرى ما يحدث».

مثل هذه الافكار يمكن الاستماع اليها في الجلسات الخاصة، رغم ان تأييد عرفات والانتحاريين لا يزال منتشرا بين العديد من الفلسطينيين. وقبل ايام وفي نابلس، وجه سؤال الى معز جولاني، وهو نجار عاطل عن العمل منذ فترة طويلة، عن الانتفاضة المستمرة من سنتين تقريبا فأجاب «كارثة. كل شيء انهار».

واضاف «الوم عرفات. عرض عليه شيء جيد قبل انتخاب شارون ورفضه» مشيرا الى المحادثات الفلسطينية الاسرائيلية في يناير 2001. وبالرغم من حظر التجول فقد لفت وجود مراسل اجنبي الانتباه وانضم عدد اخر من الرجال الى الحديث. وفجأة بدأ جولاني في توجيه اللوم الى مساعدي عرفات ووزرائه الذين يؤكد العديد من الفلسطينيين فسادهم، «ليس هو المسؤول، بل الذين يحيطون به».

وبعد ربع ساعة وفي مكان اخر من نابلس تكرر نفس الموقف. فقد ذكر معروف تكروري وهو صاحب محل احذية ان الانتفاضة «اضرت كثيرا» به وان عرفات «لا رجاء منه». ولكن وعندما كان الحديث قد بدأ يدور حول احتمالات انتخابات رئاسية تعهد عرفات بإجرائها في شهر يناير (كانون الثاني) القادم تجمع حولنا مجموعة من الرجال. وقبل ان يجيب تكروري على سؤال حول من سيؤيد، تدخل رجل وصاح بصوت عال «عرفات». وتوقف تكروري الذي كان يرتدي جلبابا انيقا ابيض اللون، قبل ان يرد على السؤال «سأنتخب الشخص الذي سيخدم مصالحنا».

ويمضي تكروري في طريقه مارا بالمحلات المغلقة في الحي القديم، ولكنه يوافق على الاجابة على سؤال اخر بخصوص عرفات قائلا «هو الشخص الذي دمرنا... وكلما ذهب الى مكان يأتي بالدمار».

وخلف تلك المحلات المغلقة، وبعيدا عن مسامع الاخرين، يجلس سامر شاهر بين عبوات الزيتون وزيت الزيتون غير المبيعة. ويحدد شاهر وجهات نظره السياسية بخفة دم قائلا «اذا كان الشخص الذي يرشح نفسه ضد عرفات قردا. فسأصوت للقرد».

ان مدى مثل هذا السخط هو واحد من الاسباب التي جعلت استاذا جامعيا تلقى تعليمه في الولايات المتحدة هو عبد الستار قاسم يرشح نفسه لمنصب الرئيس.

وقال قاسم ان «الفساد وصل الى كل ركن صغير في فلسطين.» وتعهد بأنه سيركز حملته على «القضايا المحلية». ويتعمد الغموض بشأن ارائه حول اسرائيل وكيفية حل النزاع، ولكنه يقول «لا يجب ان يتوقع احد مني ان اضع المقاتلين الفلسطينيين في السجون». وهو بالضبط ما تطالب به الولايات المتحدة واسرائيل.

وقال انه يمكنه ان يحظى بالتأييد من الفلسطينيين الذين يشعرون بالضيق من عرفات، ولاسيما الجماعات الاسلامية. ويحاضر قاسم في مجال الفكر الاسلامي السياسي في جامعة النجاح في نابلس.

كما اختار واحد من قدامى زملاء عرفات في منظمة التحرير الفلسطينية، عباس زكي، تلك اللحظة لتوجيه الانتقادات لعرفات وطبيعة الانتفاضة. فقد قال ان عرفات خلق «دولة بلا قانون» وفشل في ادارة السلطة الفلسطينية بفاعلية، وكانت اتصالاته سيئة، «ان الكذب والخداع والتردد لا يحل ازمة. بل تحتاج الى شجعان على استعداد للوقوف بحزم وتحقيق السلام في المنطقة».

ومن ناحية اخرى يقول علي جرباوي، وهو محلل سياسي في جامعة بير زيت في الضفة الغربية ان الورطة التي يعيش فيه الفلسطينيون جعلتهم مصابين بشيزوفرانيا سياسية، «ان الناس لا يمكنهم العمل، ولا يمكنهم الانتقال، ويعانون وينتقدون عرفات بسبب ذلك». واضاف انهم «غير سعداء ليس لان عرفات متشدد، بل على العكس، ينتقدونه لانه ليس متشددا بدرجة كافية».

وقد كشفت استطلاعات الرأي العام انكماش الدعم للعمليات الانتحارية ولكن هذا الاتجاه اقل تحديدا. فقد اوضح استطلاع ان الدعم الفلسطيني للعمليات الانتحارية انخفض من 58% في ديسمبر (كانون الأول) الماضي الى 52% في مايو، بينما اشار استطلاع اخر الى ان معدل الدعم كان 64% في ديسمبر 2001 وارتفع الى 72% في مارس 2002 ثم انخفض مرة اخرى الى 68% في استطلاع جرى في شهري مايو ويونيو.

ويلاحظ جرباوي ان معظم الفلسطينيين يتعاطفون مع الانتحاريين فور وقوع العملية، ولكن كثافة رد الفعل الاسرائيلي بما في ذلك حظر التجول والقيود التي تشل الحياة العادية، جعلت الكثير من الفلسطينيين يفكرون مرة اخرى.

ويوضح جرباوي فيما يتعلق بالفلسطينيين «انها حالة عقلية غامضة. لايمكنهم اتخاذ موقف بالنسبة للعمليات الانتحارية. ونتيجة لذلك فإن المستقبل قد يؤدي الى رفض مثل هذه العمليات او رغبة في تصعيد العنف».

وعلى الصعيد السياسي يؤكد جرباوي «اذا رشح عرفات نفسه فسيفوز، بغض النظر عن اي شيء».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»