الفضائية الإسرائيلية بالعربية.. مشروع فاشل منذ البداية

النقاد يرونها متحيزة وتعاني من العيوب نفسها التي تتصف بها التلفزيونات العربية الرسمية

TT

تعد القناة الفضائية الاسرائيلية الناطقة بالعربية سلاحا جديدا لاسرائيل يهدف الى كسب بعض التأييد في خضم معركتها في الشرق الاوسط. وتبدو الفضائية الاسرائيلية الجديدة ردا على عشرات المحطات الفضائية العربية التي ساهمت في تغيير افق البث في منطقة الشرق الاوسط خلال السنوات القليلة الماضية والتي كان لتقاريرها وتغطيتها لأحداث النزاع العربي ـ الاسرائيلي تأثير قوي في مختلف انحاء العالم العربي. الاسرائيليون يهدفون الى مواجهة اثر قنوات فضائية مثل «الجزيرة» القطرية التي باتت تغطيتها للانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة منتشرة في مختلف انحاء الشرق الاوسط. وفي ظل تصاعد النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني مع الحرب الدعائية بين الجانبين، اكتسبت مقترحات إطلاق قناة اسرائيلية عربية اهمية خاصة وبدأت بثها بالفعل في 25 يونيو (حزيران) الماضي. واوضح موشي سيسون، السفير الاسرائيلي السابق في القاهرة وصاحب اقتراح تأسيس الفضائية الاسرائيلية الناطقة باللغة العربية، ان الغرض منها هو «توضيح اسرائيل على حقيقتها وليس كما يتم تصويرها بصورة زائفة خصوصا في اذهان الاجيال الشابة التي تجري تربيتها وتنشئتها على اساس كره اسرائيل». وقال رعنان كوهن، الوزير المسؤول عن هيئة البث الاسرائيلية، وهي الجهة المشرفة على الفضائية الجديدة، ان «الغرض من القناة الجديدة هو الرد على الدعاية المسمومة التي تحيط باسرائيل»، واشار الى ان البث الاسرائيلي «لن يكون دعاية مضادة وسيعتمد على الموضوعية ومستوى عال من المصداقية». ومنذ انطلاق بثها عبر الشرق الاوسط، عرضت الفضائية الاسرائيلية مجموعة من البرامج اشتملت على الاخبار والتحليل والبرامج الترفيهية وبرامج الدردشة معتمدة بصورة اساسية على البرامج التي يبثها التلفزيون المحلي الناطق بالعربية، بيد انها تفتقر الى الصقل الفني واللمعان الذي تتميز به القنوات الفضائية العربية المعروفة، اضافة الى ان تغطيتها لاحداث النزاع في الضفة الغربية وقطاع غزة محدودة. فعلى سبيل المثال، بثت قناة «الجزيرة» مؤخرا مشاهد من رام الله بالضفة الغربية حيث مقر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، لفلسطينيين اعتقلتهم القوات الاسرائيلية وامرتهم برفع القمصان التي يرتدونها على نحو يظهر بطونهم عارية كي تتأكد القوات الاسرائيلية من عدم اراتدائهم الاحزمة الناسفة التي تلف عادة حول البطن. كما عرضت القناة فلسطينيا تحدث امام كاميرا التلفزيون شارحا كيف اهانه الجنود الاسرائيليون الذين فتشوا بيته بعد ان كسروا بابه والحقوا خرابا واسعا داخله. وتحدث المراسل عن مدن فلسطينية خاضعة لحظر التجول وتحولت الى مدن اشباح، كما تحدث حول الجهود الاسرائيلية لايجاد واقع جديد تحت ظل الاحتلال. مشاهد واصوات المعتقلين الفلسطينيين لم تبث على القناة الفضائية الاسرائيلية التي اشتملت اخبارها على مواد حول الحاجز الامني الجديد حول القدس وازالة القواعد الاستيطانية غير القانونية التي اقامها بعض اليهود بالاضافة الى مقابلة مع الوزير داني نافيه الذي اكد ان لا نية لدى اسرائيل في اعادة الحكم العسكري الى الضفة الغربية. ونقلت القناة حديثا لنافيه تحدث فيه بالعبرية مع ترجمة عربية مؤكدا ان اسرائيل تحارب الارهاب وليس الشعب الفلسطيني. وتختلف مصطلحات القناة الفضائية الاسرائيلية الناطقة بالعربية عن مصطلحات القنوات العربية الاخرى، فهي تتحدث عن «ارهابيين فلسطينيين» و«هجمات ارهابية» وتطلق على الضفة الغربية اسم «يهودا والسامرة»، في حين ان الفضائيات العربية تطلق على العمليات الانتحارية الفلسطينية «عمليات استشهادية» او «فدائية»، كما تتحدث عن احتلال اسرائيلي يوصف بأنه «حول المناطق الفلسطينية الى سجن كبير».

يوسف بنيه، مدير الفضائية الاسرائيلية، اكد ان القناة لن تكون ناطقة باسم الحكومة الاسرائيلية. وقال: «هذه القناة ليست صوت اميركا..... ليس لدينا افتتاحيات او تعليقات خاصة بنا، وسنعطي المشاهد العربي الفرصة لسماع ما تقوله اسرائيل وهذا ليس صوتا واحدا، فهناك المعارضة ونواب الكنيست العرب والرأي العام والصحافة». واضاف ان القناة ستعكس ايضا وجهة نظر وتعليقات مسؤولي وقادة الجماعات الفلسطينية المتشددة مثل «حماس» باستثناء التحريض على العنف ضد اسرائيل. الجدير بالذكر ان ادارة بنيه للفضائية الاسرائيلية اثارت بعض الاعتراضات، فعلى الرغم من انه من مواليد مصر وصحافي مخضرم، اثار البعض شكوكاً وتساؤلات حول ما اذا يجب ان يدير يهودي محطة تلفزيونية موجهة الى المشاهدين في الدول العربية.

وبثت الفضائية الاسرائيلية خلال اسبوعها الاول بعض التصريحات لمسؤولين فلسطينيين، لكنها اخذت من محطات تلفزيونية عربية وليس من خلال لقاءات مباشرة. اما وجهة النظر الاسرائيلية، فتبث من خلال لقاءات مباشرة تجرى مع اعضاء الحكومة الاسرائيلية ومع محللين في راديو وتلفزيون اسرائيل. يضاف الى ذلك وجود تغطية للنقاش داخل حزب العمل الى جانب وجهات لبعض العرب الاسرائيليين الذين انتقدوا اغلاق منظمة خيرية اسلامية بسبب الاشتباه في علاقتها بحركة «حماس».

ويقول بعض الذين انتقدوا الفضائية الاسرائيلية الناطقة بالعربية ان تغطيتها تقلل من شأن خسائر الفلسطينيين كما تخضع التصريحات الفلسطينية ومشاهد عمليات الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة للتدقيق والحذف. ويقول بعض الناقدين ان برامج الفضائية الاسرائيلية مملة بصورة عامة، ويرون كذلك ان التقارير الاخبارية باهتة مقارنة بتلك التي يبثها التلفزيون الاسرائيلي بالعبرية. وقال مشاهد عربي من القدس ان المواد التي تبثها الفضائية الجديدة تخضع للكثير من الرقابة وتنظر الى الأحداث من زاوية واحدة ولا تعكس وجهة النظر الاخرى. ويقول خبير اسرائيلي في وسائل الإعلام الاخبارية العربية ان برمجة الفضائية الاسرائيلية الجديدة تشابه البث الاخباري التلفزيوني المحلي في الدول العربية، اذ تعكس منهجا قديما في عصر تعدد مصادر البث الفضائي. واضاف قائلا ان هذا النوع من وسائل الإعلام يخضع للاشراف المباشر الذي يركز على توضح مواقف الدولة كأولوية، ويرى ان هذا يتضح في المصطلحات المستخدمة واختيار الشخصيات التي تجرى معها اللقاءات. واشار كذلك الى ان عصر الدعاية قد ولى، وان القناة بصورتها الراهنة لن تجتذب الكثير من المشاهدين. ومن جانبه قال بنيه انه يريد فقط ان يعرض للمشاهدين جوانب حول اسرائيل غير متوفرة لمحطات التلفزيون العربية، وعلق قائلا: «ثمة فضول هائل لمعرفة ما يجري داخل اسرائيل، فليشاهد الناس ويقرروا بأنفسهم».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»