شرطة نيويورك ترسل عملاء سريين إلى الشرق الأوسط وتتعلم العربية والبشتونية في إطار خطة لمنع هجمات إرهابية جديدة

TT

كلما تحركت شعبة شرطة نيويورك، في عالم ما بعد احداث 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، وجدت نفسها تضطلع بمهام كانت من قبل تقع بالكامل تحت صلاحيات السلطات الفيدرالية، مثل ارسال الضباط للعمل بالخارج وتكوين الفرق الطبية لتحليل التأثيرات المحتملة لأسلحة الدمار الشامل. وقد اعلن ان العملاء السريين لشرطة نيويورك سيرسلون للعمل مع قوات الشرطة في عدة مدن بما فيها بعض المدن الكندية والاسرائيلية. وتخضع المهام المنتظرة في الشرق الاوسط وجنوب شرقي آسيا للنقاش حاليا. وسيضطلع احد المحققين السريين بمهام الاتصال مع الشرطة الدولية، الانتربول، ومقره مدينة ليون بفرنسا. كما انتدب اثنان من المخبرين للعمل مع مكتب المباحث الفيدرالي لتسريع عملية انسياب المعلومات. وتنوي شرطة نيويورك كذلك ارسال احد ضباطها الى واشنطن ليعمل بمكتب رعاية مصالح نيويورك في التعامل مع الوكالات الفيدرالية المتباينة.

وتخضع تلك الفرق التي اختيرت للعمل بالمكتب الجديد لمكافحة الارهاب لاختبارات متعددة تتمثل في فحص مواقع كثيرة يمكن ان تكون اهدافا ارهابية وذلك لرفع كفاءة هذه الفرق في حالة حدوث هجمات حقيقية. وقد تمكنت تلك الفرق من تحديد بعض الاهداف المحتملة مثل مبنى الامباير ستيت ومركز روكفيلر ومباني الامم المتحدة، فضلا عن كل جسور المدينة.

وقال مفتش الشرطة ريموند كيلي من مكتبه بوسط المدينة: «نود ان نؤكد ما يلي: نحن لا نرمي الى الاستيلاء على اية مسؤولية تؤديها السلطات الفيدرالية، اننا ندعم ونضيف الى تلك الجهود، ليس اكثر من ذلك. هل نحن مختلفون عن تلك الوكالات؟ حسنا، نحن كنا الجهة المستهدفة. اننا نجلس الآن على بعد عشر بنايات من المكان الذي جعلنا مختلفين عن الآخرين».

هذا الدعم وهذه الاضافة تشمل برنامجا طموحا ينفذ هذا الشهر لتحديد كل الضباط ذوي المهارات اللغوية، بدءاً بالبشتون وحتى اللغة العربية والفوجيانية وغيرها من اللغات، مع تدريب عناصر جديدة وتعليمها هذه اللغات. وقد شرع المحللون والمخبرون بشعبة الاستخبارات الجديدة في قراءة الصحف باللغات الاجنبية ومراقبة مواقع الانترنت.

وقام المحققون بزيارة اكثر من الف محل تجاري في كل انحاء المدينة، من مهابط الطائرات الى شركات امدادات المواد الكيماوية والمتفجرة، الى مخازن الجيش والبحرية، ومصانع ملابس الأزياء الغريبة وملابس الغطاسين. وذلك كله في اطار مجهود شامل وجبار لنصب خط دفاع أمامي في وجه كل من تحدثه نفسه بشن هجوم ارهابي. وكانت كل هذه الاجراءات الحازمة في مكافحة الارهاب من صلاحيات الوكالات الفيدرالية قبل 11 سبتمبر الماضي.

اما كبار المسؤولين في شعبة الشرطة فقد زاروا كلية الحرب البحرية برود ايلاند، والتي سيصل بعض المعلمين فيها الى نيويورك للعمل مع بعض كبار ضباط الشرطة. وقامت الشعبة كذلك بافتتاح نقاط جديدة كثيرة حول المدينة تحسبا لحدوث هجوم شامل يصيب بالشلل التام بعض نقاط الشرطة بالمدينة. كما كونت قيادة احتياطية تمسك بزمام الامر اذا قتلت كل القيادات العاملة في مثل ذلك الهجوم.

وكان الكوماندر كيلي قد شرح الاجراءات الجديدة في مقابلات وخطب وقال انها جزء من مشروع كبير لمنع هجوم ارهابي اخر ومواجهة مثل ذلك الهجوم اذا وقع بصورة افضل مما حدث في المرة السابقة. وظل المستر كيلي يشير الى ان مدينة نيويورك كانت هدفا لهجمات الارهابيين اربع مرات خلال السنوات الاخيرة، وقد نجح اثنان من هذه الهجمات. وكان من نتائج الجهود التي يقوم بها مع زملائه أن وضعت شعبة الشرطة في حالة حرب، غرضها ليس فقط تلافي نقاط الضعف السابقة بل كذلك تحويل الوكالة الى مثال يحتذى على المستوى القومي من حيث الجاهزية لمواجهة الارهاب.

وقال كيلي ان شعبة الشرطة تعمل حاليا بدرجة اعلى من التنسيق والتعاون مع مكتب المباحث الفيدرالي والوكالات الاخرى وان هذا الوضع سيستمر في المستقبل، رغم ما يشير اليه بعض المسؤولين من صراع حول مشاركة المعلومات واتاحتها لكل الوكالات العاملة في هذا المجال. قال المستر كيلي:

«الحكومة الفيدرالية تركز على الاشياء في ابعادها الوطنية. اما نحن فنطاق تركيزنا اضيق بكثير. اننا نشعر باننا من المفروض ان نحمي انفسنا».

واضاف كيلي ان مكتب مكافحة الارهاب وقسم المخابرات يضطلعان حاليا بمهام لم توضع في اي يوم في اطار صلاحيات الشرطة، ولذلك قرر هو ان يختار قادة هذين الجهازين من افراد ذوي كفاءة وخبرة طويلة في هذا المجال ولكن ربما لا تكون لهم معرفة مسبقة بالمهام التقليدية للشرطة. وفي يناير (كانون الثاني) الماضي عين المستر كيلي، الجنرال المتقاعد بالبحرية فرانك ليبيتو، لرئاسة شعبة مكافحة الارهاب، كما عين ديفيد كوهين، المدير السابق للعمليات بوكالة المخابرات المركزية، والتي عمل بها 35 سنة، لرئاسة قسم الاستخبارات.

وفي الشهر الماضي عين كيلي، كفين كاهل، الذي كان يشغل منصب رئيس قسم امراض المناطق الحارة بمستشفى لينوكس هيل، واوكل اليه وظيفة كبير المستشارين الطبيين لشؤون مكافحة الارهاب. وقد بادر الدكتور كاهل، الذي شخص حالتين من حالات الجمرة الخبيثة في المدينة العام الماضي، بتعيين لجنة استشارية لتحديد كيفية حماية الضباط وغيرهم من الافراد الذين يتصدون لمكافحة الكوارث. وتقوم الشعبة كذلك وتحت قيادة المستر لبيتو، بالاشراف على برنامج تدريبي مخصص لضباط الدوريات وهم اول من يتصدى للهجمات الارهابية، بما في ذلك الهجمات النووية والكيماوية والبيولوجية، ويعلمهم هذا البرنامج كيف يتصرفون في كل حالة على حدة.

ومن التغييرات الاخرى تلك المتعلقة بمدينة نيويورك وظروفها المتميزة. وكانت عملية الانقاذ التي اضطلعت بها فرق مطافئ المدينة لمركز التجارة العالمي والتي توفي فيها 343 منهم، تفتقر الى الاتصالات الجيدة بين رئاسة الشرطة واقسام المطافئ.

ويهتم المستر كيلي حاليا بتحسين الاتصالات مع رئاسة المطافيء. ويشاركه هذا الاهتمام مدير المطافئ نيكولاس سكوبيتا، ولذلك اتفق الرجلان على وضع ضابطي اتصال في رئاسة الشعبتين، وصار بعض قادة المطافئ ينقلون في الطائرات المروحية الخاصة بالشرطة للعمل كنقاط قيادة محمولة جوا.

قال جيروم هوير، مدير المكتب الفيدرالي للجاهزية في مجال الصحة العامة، بوزارة الصحة والخدمات الانسانية: «هذه اشياء كانت رئاسة الشرطة ترغب في تنفيذها منذ فترة طويلة ولكنها لم تتمكن من ذلك».

وباعتباره رئيسا لقسم مكافحة الارهاب، يشرف ليبوتي على اكثر من 100 من محققي الشرطة الذين يعملون مع مكتب المباحث الفيدرالي كجزء من فريق العمل الموحد لمكافحة الارهاب. كما يشرف في نفس الوقت على عدد لا يقل عن ذلك، من المحققين يعملون في مجال جمع المعلومات الاستخبارية مع موظفي المستر كوهين. وقال المستر ليبوتي ان عدد افراد الشعبة تضاعف ثلاث مرات منذ يناير(كانون الثاني) الماضي.

كما قال المستر كوهين ان قسم الاستخبارات بمحققيه الذين يصل عددهم الى 700 يخصصون 35 الى 40 % من جهودهم لمكافحة الارهاب، مع ان هذه النسبة كانت 2% في يناير (كانون الثاني) الماضي.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»