الشرطة الألمانية تراجع أنشطة إمام مسجد في هامبورغ كان يرتاده منفذو هجمات 11 سبتمبر

السلطات تلجأ إلى رسم صور نمطية لإرهابيين محتملين مماثلة لما كانت تفعله مع جماعة الجيش الأحمر في السبعينات

TT

تدرس الشرطة الالمانية نشاطات امام سابق في مسجد صغير في هامبورغ كان يلقي خطبا تحض على مشاعر الكراهية القاتلة للولايات المتحدة وكان يحضرها محمد عطا وغيره ممن خططوا ونفذوا هجمات 11 سبتمبر (ايلول) في الولايات المتحدة.

وذكر المسؤولون في الشرطة واجهزة الاستخبارات الالمانية ان الامام الذي يعرفون لقبه فقط وهو الفزازي، كان يلقي خطبا متشددة بطريقة غير عادية ضد اليهود والغرب في مسجد القدس. وكان محمد عطا المشتبه فيه بتنظيم الهجوم وقيادة واحدة من الطائرات التي هاجمت مركز التجارة العالمي، يتردد على هذا المسجد، مع عدد اخر من اعضاء خلية هامبورغ.

وليس لدى الشرطة الالمانية اية ادلة على ان فزازي شارك في هجمات 11 سبتمبر، ولكن المحققين يشعرون بالقلق من الخيوط المتعلقة به. فرسائله المليئة بالكراهية، وحقيقة انه غادر هامبورغ قبل 11 سبتمبر وعلاقته بأناس شاركوا في الهجمات، لفتت انتباه الشرطة الالمانية.

ودعا فزازي الى «ذبح اليهود والمسيحيين»، والى «محاربة الاميركيين ما داموا يحتفظون بالمسلمين في السجون»، طبقا لشريط فيديو يحتوي على خطبه تم العثور عليه في اوائل هذا الشهر في غارات شنتها شرطة ولاية هامبورغ على محل لبيع الكتب على بعد مبنيين من المسجد.

وذكر اندريز كرول وهو ضابط كبير متخصص في مكافحة الارهاب في ولاية هامبورغ انه في ضوء شرائط الفيديو «من السهل التوصل الى قناعة بعد مشاهدة هذه الاجزاء ان هذه جماعة اصولية، وان هذه هي البيئة التي خرج منها عطا وزملاؤه».

وتجدر الاشارة الى ان اسم فزازي لم يظهر من قبل في التحقيقات العالمية حول هجمات 11 سبتمبر، وظل شخصية غامضة. وذكرت السلطات الالمانية انه اختفى قبل ان يعرفوا من هو. وذكر المحققون الاميركيون ان معلوماتهم محدودة بخصوصه. ومن غير المعروف ما اذا كان فزازي قد التقى بعطا او غيره من اعضاء خلية هامبورغ خارج المسجد. ومن المعروف ان المتآمرين كانوا يترددون على هذا المسجد عامي 1998و1999 قبل توجه عطا الى الولايات المتحدة في عام 2000. ولم يشارك فزازي في الهجمات ولم توجه اليه اي تهمة. ومن المؤكد ان دعوته الى ذبح الاميركيين واليهود هي جريمة يعاقب عليها القانون الالماني في اطار الاثارة العنصرية، غير ان السلطات الالمانية لم تكن على علم بدعوته الى القتل انذاك. وذكر كرول ان فزازي غادر المانيا، ربما الى المغرب، قبل وقت من هجمات 11 سبتمبر.

وتجدر الاشارة الى ان الاهتمام بفزازي، ويعتقد انه مغربي، ظهر بعد غارات في 3 يوليو (تموز) الماضي القت خلالها الشرطة على شريك لعطا في الشقة التي كانوا يعيشون بها، و6 رجال اخرين، يعتقد انهم كانوا يخططون لهجمات جديدة، طبقا لما ذكره كرول. وتمت مصادرة شرائط فيديو تحتوي على خطب لفزازي من مكتبة على بعد مبنيين من مسجد القدس.

وذكرت الشرطة انهم يعتقدون ان الخطب قدمت تبريرات دينية للمتطرفين الذين خططوا ونفذوا الهجمات. وتجدر الاشارة الى ان عطا واثنين من الطيارين المشتبه فيهم كانوا يترددون على مسجد القدس.

وتجدر الاشارة الى ان عطا، مثله مثل باقي المتآمرين، حضر الى هامبورغ كطالب جامعي في عام 1992 وتبنى تدريجيا الاسلام المتطرف، طبقا لما ذكره معارفه. وتعتقد السلطات ان فزازي ربما لعب دورا في تحول عطا الى طيار انتحاري، ولكن اسباب تحول عطا من طالب الى متآمر تبقى غير واضحة.

ويذكر ان الغارات التي تم خلالها اكتشاف الخطب تمت في اطار محاولة الشرطة رسم صورة نمطية لمئات من المتطرفين المحتملين، بعضهم على علاقة بخلية هامبورغ وشبكة «القاعدة». ولا توجد اية ادلة تشير الى ان فزازي على علاقة بـ«القاعدة».

ونظام رسم صور نمطية اعتمادا على الانتماء الاثني او الديني او العنصري محظور في عدد من الدول. وقد اثارت هذه الطريقة مشاعر القلق في اوساط جماعات الحريات المدنية في الولايات المتحدة، التي انتقدت السلطات لاحتجاز 1200 مسلم بعد احداث 11 سبتمبر.

غير ان هذا النظام مسموح به قانونيا في المانيا، وهو يلعب دورا رئيسيا في التحقيقات الموسعة للشرطة في هامبورغ وغيرها من المدن.

وهناك رسم توضيحي ضخم على الحائط بالمكتب المجاور لمكتب كرول برئاسة الشرطة، يوضح الحجم الكامل للتحقيقات التي اجريت. ووضعت على هذا الرسم صور واسماء حوالي 30 من العرب المتهمين بارتباطهم بالارهاب. وقد رسمت بالخطوط الحمراء الصلات التي تربطهم بمحمد عطا وشقته في هامبورغ. وقال كرول ان الشرطة تعتقد ان الفزازي ظل اماما لمسجد القدس من اواخر التسعينات وحتى عام 2000 على الاقل.

وقال ضابط استخبارات الماني يشارك في التحقيقات ان الفزازي برز حاليا كواحد من الاشخاص الذين لهم علاقة بالاحداث التي قادت الى الهجمات، ولكنه قال ان رجل الدين المذكور لم تحم حوله الشبهات قبل 11 سبتمبر. وقال ضابط المخابرات المذكور: «كنا نلقي نظرات من بعيد على ذلك المسجد. ولكن محتوى خطبه لم يصل الينا الا بعد ان غادر المكان».

ويفرض القانون الالماني قيودا ثقيلة على السلطات في ما يتعلق بمراقبة الجماعات الدينية. وحتى بعد ان خففت هذه القيود بعد 11 سبتمبر، فان المراقبة ظلت صعبة كما يقول المسؤولون. وقد كان الفزازي شخصية عامة وكانت خطبه المصورة على شرائط الفيديو تعرض على الجمهور حتى وقت قريب من هذا الشهر. ولكن الشرطة الالمانية لم تنتبه له الا بعد غارة 3 يوليو (تموز). وثمة شواهد على ان الفزازي كان معروفا وسط الجالية الاسلامية في هامبورغ ولكن احدا لا يرغب في الحديث عنه حاليا. ولا تواجه الاسئلة حول هذا الامام السابق بشيء غير الصمت والذهول، في مسجد القدس وفي المقاهي والمساجد الاخرى التي يعمرها المسلمون. ويخشى المسلمون في المانيا الاهتمام الذي تخصهم به وسائل الاعلام بعد 11 سبتمبر.

وظلت مكتبة التوحيد التي كانت خطب الفزازي تعرض فيها، مغلقة منذ المداهمة التي قامت بها الشرطة يوم 3 يوليو. وهناك لوحة معلقة بالنافذة تقول ان المكتبة اغلقت «دون وجه حق». وكان صاحب المكتبة من ضمن سبعة اشخاص من المغرب ومصر والجزائر استجوبتهم الشرطة بعد المداهمات لاتهامهم بانهم كانوا يخططون لهجمات جديدة غير محددة. وقد انتبهت الشرطة لاحد هؤلاء الرجال وهو الطالب المغربي عبد الغني مزودي (29 سنة) لانه كان يقيم بنفس الشقة التي كان يقيم بها عطا واثنان من المشتبه فيهم في احداث 11 سبتمبر. وقالت الشرطة ان مزودي كان يتردد على مسجد القدس ويؤيد مجموعة عطا، ولكن الشرطة لم توجه له اتهاما محددا.

وتوصلت الشرطة الى هؤلاء الرجال عن طريق تقنية الصور النمطية التي يرسمها الكومبيوتر والتي صارت شرطة هامبورغ تستخدمها بعد 11 سبتمبر، كما صرح كرول مدير وحدة الصور النمطية. واستخدمت الشرطة هذه الصور لاول مرة في السبعينات للوصول الى اعضاء جماعة الجيش الاحمر اليسارية والتي ارتكبت حينها سلسلة من اعمال النهب وجرائم القتل. ولكن استخدام هذه الوسائل ضد الجماعات الدينية، ظل محفوفا بالحذر رغم تشديد القوانين الخاصة بمكافحة الارهاب.

وقال ديتر فيفلسبوتز، عضو البرلمان من حزب الديمقراطيين الاشتراكيين: «يجب ان نكون على الدرجة القصوى من الحذر، حتى لا ندنس انفسنا ونحن نكافح هذا النوع من الجرائم. اننا في الحقيقة نسير على حافة شفرة».

وقال كرول ان التكنيك الذي يستخدمه لعب دورا هاما في كشف الارهابيين المحتملين من ضمن سكان المدينة من المسلمين الذين يبلغ عددهم 120 الفا. وقد استخدم كرول وفريق العاملين معه، المعلومات التي توفرت من هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة، لتكوين صورة نمطية عن شخصية الارهابي: انه رجل مسلم، بين 18 و40 سنة من العمر، حاصل على اقامة قانونية بالمانيا، ويأتي من بلد تنتشر فيه الاصولية الدينية. وقال ان المعلومات التي جمعوها من الجامعات ومن السجل القومي للسكان الالمان والاجانب بمنطقة هامبورغ، ومن مصادر اخرى، جعلت الكومبيوتر يحدد لهم ان 811 شخصا تنطبق عليهم هذه الاوصاف. ولكن التحليلات اللاحقة حول مكان السكن والاشخاص الذين يرتبط بهم الشخص موضوع البحث يضيق الاحتمالات ويقلل عدد المشبوهين. ولكن الاشخاص السبعة الذين اعتقلوا يوم 3 يوليو، كانوا من بين هؤلاء المشبوهين. وكان هؤلاء جميعا يترددون على مسجد القدس ويجتمعون في المكتبة.

وراقبت الشرطة تحركات ومحادثات هؤلاء الرجال لمدة اسابيع. وقالت الشرطة ان هؤلاء الرجال عبروا عن استعدادهم للموت في سبيل الاسلام وناقشوا خططا للسفر خارج المانيا. واعتقلتهم الشرطة من اجل استجوابهم مع انهم لم يكونوا بعد قد ناقشوا خططا محددة بالقيام بهجمات ارهابية. وقد رفض ثلاثة من هؤلاء الرجال الاجابة على الاسئلة، اما اولئك الذين اجابوا على الاسئلة فقد قالوا انهم مؤمنون اقوياء الايمان. وقد اطلق سراحهم دون توجيه تهم اليهم ولكنهم يظلون تحت المراقبة.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»