قضية الطالباني الأميركي: الصفقة بسجنه 20 عاما مكنت الحكومة من تجاوز قضايا قانونية معقدة

TT

بعد منتصف ليلة الاثنين الماضي اتصل المحامون المدافعون عن الطالباني الأميركي جون ووكر ليند به ليخبروه عن توصلهم إلى اتفاق يعتبرونه أفضل ما يمكنهم تحقيقه له.

ومع قبوله بعقوبة 20 سنة سجنا، يكون ليند، البالغ من السن الواحدة والعشرين، قد أنهى قضية تابع تفاصيلها مسؤولون أميركيون في أعلى المراتب الحكومية بضمنهم الرئيس جورج بوش الذي أيّد فترة المحكومية على ليند والشروط المتعلقة بها.

وعبّر آري فلايشر الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض عن ارتياحه للاتفاق وقال إن فترة السجن هي «عقوبة صارمة» وإن «العدالة قد تحققت».

من جانب آخر، يمكن اعتبار الاتفاق بالنسبة للطرفين مفيدا، فعقوبة السجن بعشرين عاما لليند تأتي لدعمه طالبان وحمله متفجرات ضد القوات الأميركية، لكنها في الوقت نفسه تنهي المخاطر القانونية التي قد يواجهها كلا الطرفين في حالة المضي بإجراء المحاكمة.

وقالت بيث ولكنسون أحد المدعين العامين السابقين في الولايات المتحدة: «إنها نتيجة جيدة جدا للطرفين». وأضافت المحامية ولكنسون: «في بداية هذه القضية كانت اللغة الخطابية النارية طاغية. وأنا لا أظن أن أغلبية الناس ترى في ليند عدوا كبيرا للولايات المتحدة، ولم يكن ضروريا معاملته على هذا الأساس، ولم يكن على الحكومة أن تهدر الكثير من الأموال للتوصل إلى هذا القرار الذي وصلت إليه الآن، فليس كل شخص هو أسامة بن لادن».

مع ذلك، لم يكن الجميع فرحين بهذا الاتفاق، إذ قالت غيل سبان، التي قُتل ابنها الضابط في الـ«سي آي ايه» جوني سبان، أثناء أحداث الشغب التي اندلعت في سجن داخل أفغانستان: «نحن كنا نتوقع أكثر من ذلك من نظامنا القضائي. هذا الرجل خائن، وأنا لن أغير موقفي تجاه ذلك». وأضافت غيل سبان أن المسؤولين الأميركيين أخبروا أسرتها بالاتفاق في الساعة الثامنة والنصف من صباح الاثنين الماضي.

وقال بول ماك نوتلي المدعي العام الأميركي لفرجينيا إن الاتفاق كان «فرصة للولايات المتحدة لفرض عقوبة صارمة جدا ضد ليند، والحصول على تعاونه، ولتوظيف المصادر المالية الباهظة للحرب ضد الإرهاب».

لكن القوة التي تمتلكها الحكومة في هذه القضية هي في الوقت نفسه ضعفها أيضا، فليند أخبر المسؤولين الأميركيين أنه قاتل مع طالبان، وأنه تدرب في معسكرات «القاعدة» حيث قابل هناك أسامة بن لادن. لذلك فانه ليس أمام الحكومة الكثير مما تضيفه للقضية. إضافة إلى ذلك، كان على فريق الادعاء العام أن يقف بوجه مطالب محاميي الدفاع عن ليند الذين طالبوا بمقابلة معتقلي «القاعدة» وحركة طالبان في قاعدة خليج غوانتانامو، بكوبا. وكان فريق الدفاع يرغب بمقابلتهم لمعرفة إن كانوا يعرفون ليند.

وكان فريق الادعاء ينتظر انعقاد جلسة يوم الاثنين الماضي، وفيها كان ممكنا لأفراده أن يُجبروا على كشف أساليب التحقيق التي تتبعها الـ«إف بي آي» مع معتقلي «القاعدة» وطالبان. وكان عليهم أن يدافعوا عن الجنود الأميركيين الذين أساؤوا معاملة ليند، وأخذوا صورا معه، في الوقت الذي كان فيه معصوب العينين. إضافة إلى ذلك، كان على المدعين العامين أن يفسروا قرار القيادة العسكرية بوضع ليند مع الرصاصة التي كانت مستقرة داخل فخذه، في حاوية مخصصة للشحن لمدة أسبوعين قبل إخراج الرصاصة من جسده.

وقال لورنس تايب، بروفسور القانون في جامعة هارفارد، إن الاتفاق حمى السلطات الأميركية من أن تواجه المساءلة حول الأساليب التي تستعملها في حربها ضد الإرهاب. واضاف تايب: «لا أقول إن هذا الاتفاق سيئ لأي طرف، لكنني أظن أن الحكومة استفادت من الاتفاق أكثر مما أعطت، ويتوافق الاتفاق أيضا مع سياسة الحكومة الهادفة إلى تجنب تسليط أي ضوء تجاه ممارساتها في هذا الميدان».

من جانبهم قال محامو ليند إن هناك قدرا من المغامرة لو أن المحاكمة انعقدت، إذ أن المحاكمة ستجري في منطقة مناصرة للحكومة بشكل عام، وأمام قاض أتخذ دائما قراراته ضد الدفاع في الفترة السابقة ولا بدّ أنه سيكرر طريقة تعامله برفض طلب المحامين من أن اعترافات ليند للمباحث الاميركية «إف بي آي» يجب ألا تؤخذ كدليل ضده.

ولو أن ليند أدين في المحاكمة فانه كان سيواجه حكما بالسجن المؤبد. وقال كبير محاميه، جيمس بورسناهان، إن الاتفاق يعطي ليند الفرصة لبدء حياته في يوم من الأيام.

وأضاف بروسناهان: «ستوفر فرجينيا الشمالية محلفين جيدين، لكن الناس خائفون نوعا ما، وهم منزعجون من الإرهاب، لذلك كان علينا أن نتخلى عن إجراء المحاكمة».

وكان بروسناهان قد خاض نزاعا استغرق عدة أشهر مع المسؤولين الحكوميين، وبالخصوص مع وزير العدل جون أشكروفت، حول ما إذا كانت السلطات قد بالغت منذ البدء عن علاقة ليند بالإرهاب. ولم تُطرح فكرة إجراء الاتفاق حتى قبل ستة أسابيع. وأخبر المدعي العام لمنطقة جنوب نيويورك، جيمس كومي، المحامي إليوت بيترز من سان فرانسيسكو إنه مندهش من عدم مبادرة تقديم محاميي ليند لاتفاق من هذا النوع.

* خدمة «يو إس ايه توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»