خطة عربية للإصلاحات الفلسطينية قدمت إلى واشنطن تتضمن انتخاب رئيس وزراء وعقد المجلس الوطني لتعديل الدستور

TT

قدم وزراء الخارجية العرب خطة مفصلة الى الرئيس الأميركي جورج بوش لاقامة حكومة فلسطينية جديدة، بدستور مكتوب وبرلمان منتخب ورئيس للوزراء، مما يؤهلها للاعتراف بها كدولة في موعد مبكر يمكن ان يكون يناير (كانون الثاني) المقبل. ومن المقرر ان تنفذ هذه الخطة التي أجيزت في اجتماع عقد يوم الجمعة بالقاهرة، متزامنة مع الاصلاحات الفلسطينية التي يصر عليها الرئيس بوش، ولكن الجزء المتعلق باجراء الانتخابات يعتمد تنفيذه على الانسحاب العسكري الاسرائيلي من اراضي الضفة الغربية التي احتلت خلال العامين الماضيين. وتسمح الخطة العربية بوجود الحكومة الحالية، أي السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، كما هي حتى قيام الانتخابات.

وزراء خارجية السعودية ومصر والأردن، التقوا امس مع بوش في البيت الأبيض، في واشنطن وذلك بعد اجتماعات فردية مع وزير الخارجية، كولن باول اعقبتها وليمة غداء مشتركة.

وقال بعض كبار المسؤولين العرب ان الخطة كانت نتيجة اقتناعهم بأن سياسة الادارة حول الشرق الأوسط، وخاصة رفض بوش الضغط على اسرائيل لتحقيق انسحاب عسكري مبكر ومطالبته في خطابه يوم 24 يونيو (حزيران) بازاحة عرفات، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالظروف السياسية الداخلية للولايات المتحدة، ولذلك لن يكون واقعياً توقع اي تغيير جوهري قبل انتخابات الكونغرس في دورة نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وقال مسؤول عربي كبير: «هناك انتباه متزايد لحقيقة ان أية خطوة تتخذها الادارة حالياً الغرض منها تفادي الصدام المباشر مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون. والغرض من هذه الخطة هو اقتراح عملية سياسية لا تتطلب من بوش القيام بأية اجراءات عملية قبل نوفمبر.

ورفض مسؤولو الادارة الأميركية التعليق على الخطة العربية، ولكن احد كبار المسؤولين قال «هناك افكار كثيرة مثيرة للانتباه مطروحة حالياً، ونحن سنجري من جانبنا حوارات مع كل الأطراف حول الطريقة المثلى لتطبيق رؤية الرئيس التي عبر عنها في خطاب 24 يونيو».

وظهرت الاقتراحات العربية في خضم نشاط دبلوماسي مكثف حول الشرق الأوسط، مصحوباً بدورة جديدة من أعمال العنف.

وكان اصرار الولايات المتحدة على الاصلاحات الأمنية وايقاف الهجمات، كشرط للتقدم على الجبهة السياسية، قد فجر الخلاف بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين والعرب في عملية السلام. وفي الاجتماع الذي عقد يوم الثلاثاء بنيويورك، ضغط ممثلو الأمم المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، وهم الذين تجمعهم اللجنة الرباعية للبحث عن السلام في الشرق الأوسط مع الولايات المتحدة الأميركية، على كولن باول للاعتراف بأهمية ترافق العمليات الانسانية والتسوية السياسية.

واطلع باول المجموعة على الخطة الأمنية التي اجازها البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي، والتي تقدم بها جورج تينيت مدير وكالة الاستخبارات الأميركية، وتقضي هذه الخطة بالسير خطوة خطوة في اتجاه نشر قوات امنية فلسطينية تم فحصها من قبل الوكالة على اراضي الضفة الغربية التي وافقت اسرائيل على الانسحاب منها. ومن المتوقع ان تساعد مصر الفلسطينيين في اصلاح الأجهزة الأمنية في قطاع غزة.

وبينما ركزت التصريحات العلنية عن اجتماع نيويورك على جوانب الاتفاق، بما في ذلك ادانة العنف والحاجة الماسة للمساعدات الانسانية للفلسطينيين، طرح الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان، تقييماً اكثر حزماً وصراحة، في اجتماع مغلق لمجلس الأمن. ويشير نص ذلك الخطاب الى ان فرص التقدم ضئيلة جداً اذا اكتفت الولايات المتحدة وغيرها من الوسطاء العالميين، بالاهتمام بالمشاغل والمطالب الأمنية لاسرائيل، وفشلت في التحرك الفعال لرفع المعاناة عن الفلسطينيين وتحسين اوضاعهم الانسانية، واحداث تقدم حاسم على الجبهة السياسية في نفس الوقت.

ومع ان الخطة العربية لا تقول ذلك صراحة، إلا ان الأمل هو ان يتخطى البرلمان الفلسطيني المنتخب عرفات كرئيس للوزراء ويسند اليه بدلاً عن ذلك رئاسة فخرية ورمزية. وقال الوزير بالسلطة الفلسطينية، نبيل شعث، ان عرفات يفكر في تعيين رئيس للوزراء ليشرف على الادارة اليومية للشؤون الحكومية، ولكن فكرة عرفات التي تقول انه سيقوم باعتباره الرئيس بتعيين رئيس للوزراء، لا تبدو منسجمة مع الخطة العربية التي لا تشمل انتخابات رئاسية منفصلة، بل تتصور ان يقوم البرلمان بانتخاب الرئيس ورئيس الوزراء.

خلال الشهور الماضية تبودلت تصورات متباينة حول مهام رئيس الوزراء، فقد قال وزير الخارجية كولن باول في مقابلة اجراها معه برنامج «نايت لاين» انه «اكثر من مستعد للتفكير في رئاسة رمزية لعرفات». وقال رعنان غيسين، الناطق باسم شارون، ان فكرة بقاء عرفات رئيساً «فكرة مقبولة» بالنسبة لاسرائيل طالما كانت «سلطاته غير ضارة» وطالما لم يكن الاشراف على الأجهزة الأمنية او المالية من ضمن صلاحياته.

وتنادي الخطة العربية بانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في أسرع فرصة ممكنة، وهو مجلس واسع التمثيل كان يمثل الجهاز التشريعي لمنظمة التحرير الفلسطينية قبل عودة عرفات من المنفى عام 1994، واقامته للسلطة الوطنية الفلسطينية، وسيقوم هذا المجلس بمناقشة وتعديل واجازة الدستور الذي صاغه الفلسطينيون بمساعدة بعض الحكومات العربية. ويطرح هذا الدستور الخطوط العريضة للحكومة البرلمانية ويحدد مهام رئيس الوزراء والرئاسة الفخرية، مع فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. وسيقرر المجلس ان السلطة الفلسطينية صارت سلطة انتقالية مما يسمح لها بمواصلة الاصلاحات الحالية حتى موعد اجراء الانتخابات.

وقال المسؤول العربي: « من المأمول ان يبدأ الاسرائيليون في الانسحاب خلال عدة اشهر حتى يتمكن الفلسطينيون من مواصلة بناء مؤسساتهم واجراء الانتخابات بعد ذلك».

وستطالب الحكومة الفلسطينية المنتخبة الأمم المتحدة بالاعتراف بها كدولة عاصمتها القدس الشرقية وتقوم على حدود ما قبل حرب 1967، مع مناقشة قضايا الحل النهائي مع اسرائيل خلال ثلاث سنوات. ومع ان الوزراء العرب يقولون ان الخطة وضعت بمساهمة فلسطينية ملموسة، إلا انهم لم يطلبوا بعد من عرفات مباركتها. وقال مسؤول عربي في تفسير ذلك: «طريقة التفكير العربية هي انه اذا كانت الولايات المتحدة ستتخذ خطوات عملية لاجبار اسرائيل على الانسحاب واعطاء الفرصة للفلسطينيين لبناء مؤسساتهم، فان بامكانهم (اي العرب) الضغط على عرفات لقبول هذه الخطة».

وأضاف المسؤول: «قال الأميركيون ان عرفات يجب ان يذهب، ونحن جميعاً نعرف ذلك، والحقيقة هناك طريقة لطيفة يمكن ان تجعل هذه المسألة مقبولة، وطريقة فظة لا يمكن ان تنجح».

* «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)