مصادر استخباراتية عربية: معتقلون من «القاعدة» كشفوا عن إيواء إيران مساعدين كبارا لابن لادن

سيف العدل وأبو حفص الموريتاني يعيشان في فنادق وبيوت ضيافة في مشهد وزابول ويتوليان أدوارا مهمة في التنظيم

TT

كشفت مصادر استخباراتية عربية ان شخصيتين تولتا مراكز قيادية هامة في تنظيم «القاعدة» خلال الشهور الاخيرة، وكانت ايران قد آوتهما بالاضافة الى عشرات من مقاتلي شبكة بن لادن، في فنادق وبيوت ضيافة في مدينتي مشهد وزابول الايرانيتين القريبتين من الحدود مع افغانستان. وكان واحد من الشخصيتين قد اعلنت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) انه قتل.

وهذه المصادر غير السعودية التي طلبت عدم الكشف عن اسمائها او بلادها، اوضحت ان الشخصيتين المعنيتين هما سيف العدل، وهو مصري مدرج ضمن قائمة اكثر المطلوبين من قبل مكتب المباحث الفيدرالي (اف. بي. آي)، ومحفوظ ولد وليد، المعروف باسم ابو حفص الموريتاني، والذي ذكر المسؤولون الاميركيون انه قتل في مدينة خوست بشرق افغانستان في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وذكرت المصادر انه مع اختفاء اسامة بن لادن ونائبه ايمن الظواهري، ومقتل القائد العسكري محمد عاطف (ابو حفص المصري)، فإن سيف العدل وابو حفص الموريتاني توليا السيطرة العملية على اللجنتين العسكرية والشرعية في تنظيم «القاعدة». وتتولى اللجنة العسكرية توجيه العمليات فيما تشرف اللجنة الشرعية على اصدار الفتاوى لتبريرها.

وسيف العدل، حسب رواية الكثير من الاصوليين، عقيد سابق في الجيش المصري وهو المسؤول العسكري الحالي لـ «القاعدة»، ويتميز بالانضباط الشديد في تعامله مع الآخرين، وصاحب شخصية قيادية. ويستخدم سيف العدل كنية «المدني» في تعامله مع اعضاء وقيادات «القاعدة».

وكان البيت الأبيض ومكتب «اف. بي. آي» قد اعلنا الشهر الماضي لائحة باكثر المطلوبين تضمنت اسماء بن لادن والظواهري وابو حفص المصري وسيف العدل، لتورطهم المحتمل في العديد من الاعتداءات ضد الولايات المتحدة.

ومن بين اولئك الذين ظهرت اسماؤهم في قائمة الادارة الأميركية الخاصة بالمتهمين بتفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998، بن لادن والظواهري ومحمد عاطف وفضل عبد الله محمد ومصطفى فاضل وفهد محمد علي مسلم واحمد خلفان غيلاني وشيخ سويدان وعبد الله أحمد عبد الله وأنس الليبي وسيف العدل وأحمد حامد علي ومحسن متولي عطوة.

وكان سيف العدل قد ادين في الولايات المتحدة بتهمة القتل والتآمر لقتل اميركيين وتدمير مبان وعقارات اميركية، فيما يتعلق بنسف السفارتين الاميركيتين في تنزانيا وكينيا. اما ابو حفص الموريتاني فهو مساعد لابن لادن منذ فترة طويلة، ويتولى اصدار الفتاوى التي تبرر العمليات العسكرية التي تشنها «القاعدة».

وكان مسؤولون في البنتاغون قد ذكروا في 8 يناير الماضي ان وليد (ابو حفص الموريتاني) قتل في افغانستان. ولكن المصادر ذكرت ان ذلك غير صحيح، وان المعلومات الموثقة القادمة من ايران تشير الى ان دوره اصبح مهما بالنسبة لمستقبل «القاعدة».

واثيرت قضية نقل السلطة في تنظيم «القاعدة» بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي عندما اتضح للمنظمة ان الولايات المتحدة ستهاجم معاقلهم في افغانستان، طبقا لما ذكرته المصادر نفسها. واصبحت الحاجة لتطبيق عملية نقل السلطات اكثر الحاحا في مارس (آذار) الماضي عندما القي القبض على القيادي الكبير في «القاعدة» ابو زبيدة.

وذكرت المصادر ايضا ان احد ابناء بن لادن، سعد، وهو في مطلع العشرينات من عمره، يعد لخلافة والده بسبب الرمزية التي تثيرها الفكرة. وفي الوقت الذي ذكرت فيه المصادر نفسها ان سعد لم يتول منصبه رسميا، فإنه يتواصل بطريقة متزايدة مع النشطاء في جميع انحاء العالم في اطار تلميع صورته. وفي هذا الصدد، قال مسؤول استخباراتي عربي كبير «سعد يملك السلطة، ولكن الظواهري لا يزال الرجل الثاني» في التنظيم.

واوضحت المصادر ان عشرات، وربما اكثر، من مقاتلي «القاعدة» يقيمون في فنادق بمدينة مشهد الواقعة شمال شرقي ايران بالقرب من الحدود مع تركمنستان وافغانستان، وفي بيوت ضيافة بمدينة زابول، على بعد 400 ميل الى الجنوب من مشهد ـ الافغانية. وكانت ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش قد افادت بان ايران، او على الاقل المتشددين فيها، يؤون مقاتلين من «القاعدة».

ونفى متحدث باسم البعثة الايرانية لدى الامم المتحدة ان يكون سيف العدل ووليد في ايران. وقال ان «سياسة ايران هي عدم السماح لمثل هؤلاء الاشخاص بدخول ايران».

وعلى الرغم من ذلك، فان المصادر اوضحت ان سيف العدل ووليد يلتقيان بصفة منتظمة مع مساعديهما في مشهد وزابول، وان ايران تستخدم كنقطة انتقال الى دول اخري لمقاتلي «القاعدة» الذين هربوا من افغانستان منذ هزيمة نظام طالبان في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وقالت المصادر ان تسليم ايران 16 من نشطاء «القاعدة» الى السعودية في يونيو (حزيران) الماضي، بالاضافة الى ترحيل مجموعة قليلة الى دول اخرى، كان مجرد محاولة للتقليل من اتهامات ادارة بوش لايران ولاظهار ان طهران تتعاون في الحرب ضد الارهاب.

وقال مسؤولون في دول عربية ان نشطاء «القاعدة» الذين القي القبض عليهم ذكروا للمحققين ان المضيفين الايرانيين ابلغوا بعضهم بضرورة ترك البلاد بعد خطاب بوش الشهير الذي اعتبر فيه ايران والعراق وكوريا الشمالية «محوراً للشر».

غير ان السلطات الايرانية سمحت لبعض الشخصيات الهامة بالبقاء حسبما افادت المصادر التي اضافت ان بعض الذين غادروا حصلوا على اوراق مزورة او جرت ازالة اختام الجوازات التي قد تبين انهم كانوا في افغانستان. وبالاضافة الى ذلك، تم تسليم بعضهم او زوجاتهم واولادهم الى حكوماتهم.

وذكر ضابط استخبارات انه في واحدة من تلك الحالات، ارسلت زوجة شخصية كبيرة في «القاعدة» الى بلادها، وقالت للمسؤولون ان زوجها لا يزال في ايران. واضاف ضابط الاستخبارات العربي الكبير «هناك دور ايراني في استضافة «القاعدة» والترويج لنشاطاتها». واوضح الضابط ان الحكومة الاصلاحية في ايران، والتي قد تشعر بالارتياب لمساعدة «القاعدة»، لا تملك السلطة الكافية لمنع الجيش والاستخبارات من مساعدة الهاربين من مقاتلي «القاعدة».

غير ان اهداف ايران ليست واضحة. وقد تكشف تصرفاتها المتناقضة عن مزيد من التوتر بين الاصلاحيين والمحافظين داخل الحكومة، طبقا للمسؤولين العرب، الذين اشاروا الى ان المحافظين، بمنحهم مأوى لـ «القاعدة»، لا ينطلقون من منطلقات التعاطف مع جماعة بن لادن.

وذكرت المصادر نفسها ان بعض العناصر في النظام الايراني تعتقد بامكانية استخدام «القاعدة» لاغراضهم غير المعلنة. ولاحظ ضابط الاستخبارات العربي ان عددا من نشطاء «القاعدة» المقبوض عليهم ذكروا ان الايرانيين ابلغوهم قبل ترحيلهم انه ربما يطلب منهم مساعدة ايران في وقت من الاوقات.

من ناحية اخرى، اوضحت المصادر ان «القاعدة» تعمل الآن من منطلق ان اتصالاتها عبر الهاتف والبريد الالكتروني تخضع للمراقبة. وقد اصبحت المنظمة اكثر تقدما في مجال الاتصالات الالكترونية بحيث صارت قادرة على ارسال رسائل غير صحيحة لتزويد الاستخبارات الاميركية بمعلومات مغلوطة.

وتضيف المصادر ان «القاعدة»، التي كانت تقليدياً منظمة صغيرة ومحدودة، بدأت تعمل مع اصوليين يمكنهم العمل بالنيابة عنها. ومن بين هؤلاء محمد خالد شيخ محمد، وهو باكستاني من مواليد الكويت ويعرف ايضا باسم «العقل» ويوصف بأنه خبير في الشؤون اللوجستية، ويقال انه يعمل الآن في باكستان. وقد ثبتت علاقته مع «القاعدة» من خلال اتصال هاتفي أجراه مع منفذ الاعتداء على معبد الغريبة في جربة بتونس في ابريل (نيسان) الماضي. وتردد ايضاً ان خالد شيخ زار المانيا عام .1999 الى ذلك، ذكر مسؤولون مغاربة ان بلال بن مروان، وهو سعودي متهم بالمشاركة في التخطيط للهجمات على المدمرة الاميركية كول في اليمن في اكتوبر (تشرين الثاني) 2000، كان ايضا وراء خطة لمهاجمة السفن الحربية الاميركية والبريطانية في جبل طارق هذا العام. وذكرت المصادر انه مثل خالد شيخ، اصبح يتمتع بأهمية لدى «القاعدة» حالياً وهو يعمل ايضا من باكستان.

وكشفت المصادر ان «القاعدة» خططت لهجمات اخرى في اوروبا وافريقيا والشرق الاوسط والخليج هذا العام، وان هناك خطة اخرى لبلال لمهاجمة السفن الاميركية في البحرين.

وطبقاً لما ذكره المسؤولون الاستخباراتيون، فان «القاعدة» تخطط كذلك لقتل اميركيين في شوارع السعودية. وناقشت المنظمة ايضاً استخدام بنادق كاتمة للصوت عند شنها هذه الهجمات. واوضحت المصادر ان هذه المخططات تم افشالها بعد تدخل اجهزة الاستخبارات وتطبيق القانون.

وذكر المسؤول، اعتمادا على التحقيقات مع المشتبه فيهم وبعض المصادر الاستخباراية، ان «القاعدة» شهدت فرصة هامة لالحاق الضرر بالعلاقات السعودية ـ الاميركية على خلفية هجمات 11 سبتمبر. واضاف المسؤول ان ارتكاب فظائع في الاراضي السعودية لا يزل هدفا اساسيا لـ «القاعدة» بسبب توقعات ردود الفعل التي يمكن ان تؤثر على العلاقات بين البلدين. وقال المسؤول، الذي ينتمي الى دولة غير السعودية، ان السلطات السعودية صعدت من جهودها لملاحقة «القاعدة» وتمكنت من القضاء على العديد من مخططاتها.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»