مصادر استخباراتية: بن الشيبة عثر عليه نائما واعتقل بدون أي مقاومة

اعتراض الاستخبارات الأميركية لمحادثة عبر الأقمار الصناعية وراء شن 3 مداهمات تحولت إحداها إلى معركة دامت 3 ساعات

TT

كشف مسؤولون كبار في الاستخبارات الباكستانية ان رمزي بن الشيبة المشتبه في انه احد المخططين الرئيسيين لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) الماضي عثر عليه نائماً، ولوحده، داخل شقة في مدينة كراتشي، مما ادى الى اعتقاله بدون أي مقاومة، وذلك قبل ساعات من بدء المعركة مع عناصر اخرى يشتبه في انتمائها لـ«القاعدة» في مكان آخر من المدينة الواقعة في جنوب باكستان.

وقال المسؤولون الباكستانيون ان بن الشيبة (30 سنة) القي القبض عليه في أول مداهمة ضمن ثلاث مداهمات شنها نحو 20 ضابطاً باكستانياً مساء الثلاثاء وصباح الاربعاء الماضيين، مما اسفر عن اعتقال ثمانية عناصر مفترضة من «القاعدة» ومقتل اثنين آخرين.

وقالت الشرطة الباكستانية ان اكتشاف امر عناصر «القاعدة» في كراتشي جرى اثر رصد عناصر الاستخبارات الأميركية لمكالمة هاتفية اجريت عبر الاقمار الصناعية. وحسب المصادر نفسها، فان الاستخبارات الأميركية في الوقت الذي بدأت فيه التعرف على واحد، على الأقل، من المباني التي رصد منها اجراء المكالمات، فانها قامت كذلك بالاستعانة بمصادرها الاستخباراتية البشرية في كراتشي وقدمت المعلومات الى السلطات الباكستانية التي نفذت عمليات المداهمة.

وافادت مصادر أمنية غربية ان الوكالة الوطنية للأمن (الاميركية) كانت قد تمكنت من تحديد صوتي رمزي بن الشيبة وخالد شيخ محمد اثر مقتطفات بثتها محطة «الجزيرة» القطرية تمهيداً لعرض تحقيق حول هجمات 11 سبتمبر يتحدث فيه المشتبه فيهما مطولاً. وتفيد المصادر ان الوكالة الأميركية ادخلت صوتي بن الشيبة وخالد شيخ على برامج كومبيوترية متخصصة لمضاهاتهما بأي اصوات يحتمل اعتراضها من باكستان. واثناء اعتراض المكالمة من كراتشي، تم التقاط اصوات غير محددة من المبنى في 14 يونيو (حزيران) الماضي. وكان من بين تلك الاصوات واحد لشخص قدم نفسه على انه بشتوني واسمه نور الاسلام ويريد استئجار شقتين متجاورتين داخل المبنى بهدف استخدامه من قبل عائلتين. ولا تزال التحقيقات جارية حول ما اذا كان ذلك الصوت لابن الشيبة او لخالد شيخ.

واوضح المسؤولون الباكستانيون انه في فوضى المداهمات المتتالية، والتي تحولت الثانية منها الى معركة استمرت ثلاث ساعات، فان بن الشيبة لم يتم التعرف عليه الا بعد احضار كل المشتبه فيهم مساء الاربعاء الى مكان الاحتجاز واخبر المحققون الأميركيون نظراءهم الباكستانيين عن الشخص الذي تمكنوا من القبض عليه. وقال مسؤول كبير في الاستخبارات الباكستانية ان «رمزي اعتقل في احدى الهجمات الثلاث التي جاءت متعاقبة وسريعة، لكنه لم يقبض عليه في الهجمة التي تحولت الى معركة». واضاف المسؤول ان بن الشيبة حصراً قد تم التعرف عليه بواسطة المسؤولين الأميركيين بمجرد اكتمال المداهمات. ووفقاً للمسؤول الباكستاني، فان بن الشيبة والمشتبهين الآخرين قد اخذوا الى مبنى عسكري سري قرب مطار كراتشي.

ولم تستطع الشرطة بعد التعرف على هوية الشخصين اللذين لقيا حتفهما خلال المعركة، وهما باكستاني وعربي. وعدم التعرف على هويتهما دفع ببعض المراقبين الى التكهن بأن احدهما قد يكون شخصية اكثر اهمية من بن الشيبة. واصر ضباط باكستانيون على علاقة وطيدة بعملية الاعتقال والتحقيقات ان احد القتيلين هو خالد محمد شيخ الذي وصفه المحققون الأميركيون بالعقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر. ومعروف ان خالد شيخ باكستاني من اقليم بلوشستان وهو من مواليد الكويت.

لكن ضباطاً آخرين من الاستخبارات الباكستانية قالوا انه ليست هناك مؤشرات على ان القتيل الباكستاني الذي ابدى مقاومة شديدة هو خالد شيخ على الرغم من ان الجثة لم يتحدد صاحبها بعد. كما استبعد مسؤولون أميركيون كذلك ان يكون القتيل هو خالد شيخ. وقال مسؤولون أميركيون وباكستانيون انهم لا يعتقدون ان يكون محمد شيخ مقيماً في كراتشي في حال لا يزال حياً.

وقد بدأت وتيرة المداهمات قبيل منتصف ليلة 11 سبتمبر الجاري عندما قام ضباط باكستانيون من الشرطة والجيش، بعد حصولهم على معلومات من الاستخبارات الأميركية، بالهجوم على شقة في ضاحية بيشس التي تقطنها الفئات العليا من الطبقة الوسطى في هذه المدينة الساحلية. واعتقل الضباط في ذلك الهجوم رجلا عربيا دون ان يعرفوا هويته الا بعد ان نقلوه الى مركز الاعتقال وتأكد لهم لاحقاً انه بن الشيبة.

وتقول المصادر ان بامكان الولايات المتحدة ان توجه الى بن الشيبة تهماً وان تحاكمه امام محكمة عسكرية. كما تستبعد المصادر ان يسلم الأميركيون الرجل المشتبه فيه الى ألمانيا التي كانت قد وجهت اليه تهماً وتطالب به رسمياً.

وكانت ألمانيا قد رفضت تقديم معلومات للأميركيين بخصوص زكريا موساوي المتهم في الولايات المتحدة في اطار مخطط 11 سبتمبر لدى الولايات المتحدة، مشترطة قبل اقدامها على ذلك الحصول على ضمانات بعدم استخدام الادلة في استصدار عقوبة الاعدام بحق المتهم.

وكانت وزارة الداخلية الباكستانية قد قالت في وقت مبكر من الاسبوع الجاري ان اكثر من 40 من المشتبه في علاقتهم بتنظيم «القاعدة» قد اعتقلوا داخل الاراضي الباكستانية منذ 11 سبتمبر، وان معظمهم قد ارسلوا في سرية الى الولايات المتحدة.

وقالت الشرطة الباكستانية ان اربعة من عناصر مكتب المباحث الفيدرالي (اف.بي.آي) الأميركي ظلوا جالسين في سيارة سوداء ويتابعون عمليات المداهمة. واضافت الشرطة ان عناصر «اف.بي.آي» غادروا مكان الاحداث أثناء الهجوم الثاني بمجرد ان استعرت المعركة، الا انهم عادوا عندما استسلم المشتبه فيهم.

واستهدف الهجوم مبنى من طابقين في حي يسمى «جمعية الدفاع»، نسبة لملكية الارض التي بني عليها الحي الى الجيش الباكستاني. ووفقا للشرطة الباكستانية، فان المبنى المكون من اربع شقق قد استأجرته عناصر «القاعدة» المفترضة، الا ان المسؤولين تلقوا قبل المداهمات معلومات تفيد بان مشتبهين من «القاعدة» يستخدمون شقة واحدة في المبنى.

ووفقا لمصادر من الشرطة والاستخبارات الباكستانية ساهمت في العملية، فقد اقتحم رجال شرطة بملابسهم الرسمية وعناصر استخبارات بملابس مدنية المبنى فاستسلم على الفور ستة رجال وامرأة يتحدثون اللغة العربية. لكن بينما كان رجال الشرطة والاستخبارات العسكرية يقودون المشتبهين عبر السلم الضيق، ظهر رجل يحمل رشاشاً اتوماتيكياً من الشقة المجاورة وقذف بقنبلة يدوية على رجال الشرطة ومعتقليهم. وقد أدى الهجوم المفاجئ الى اصابة عدد من المسؤولين الباكستانيين بجروح بما في ذلك كولونيل وميجور من جهاز الاستخبارات العسكرية الباكستانية. وقد اضطر الضباط للتراجع اسفل السلالم، مما ادى الى هروب اربعة من المعتقلين والالتحاق بمرسل القنبلة اليدوية.

وادت عمليات اعتقال بن الشيبة ورفقائه الى بروز تساؤلات عن مدى حجم حضور شبكة بن لادن في كراتشي. وقال مسؤول كبير في الاستخبارات الباكستانية ان «القاعدة» ربما تخطط لاستخدام كراتشي ثانية كنقطة لتحركات افرادها واموالها ومعداتها.

واشار دبلوماسي اوروبي من جانبه الى ان «القاعدة» نقلت في الآونة الاخيرة رجالها واموالها من بيشاور الى كراتشي.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»