المحققون يسعون لمطابقة صوت بن الشيبة التلفزيوني مع خطبة ألقاها في حفل زفاف بهامبورغ

TT

افاد مسؤولون كبار في الاستخبارات الألمانية ان التحقيقات التي ظلوا يجرونها حول هجمات 11سبتمبر (أيلول) 2001، والتي لم تسفر إلا عن نجاحات هامشية، حققت فجأة اختراقات يمكن ان تكشف الاسرار الدفينة لمخطط تلك الاعتداءات.

وكانت المدعية الفيدرالية الألمانية كاي نيهم قد وصفت بن الشيبة حتى قبل اعتقاله بأنه «الشخص الاساسي» في المخطط. ويعتقد المحققون ان بن الشيبة كان حلقة الوصل، من حيث توصيل المال ونقل المعلومات، بين مجموعات الخاطفين في الولايات المتحدة وبين قيادة تنظيم «القاعدة» في أفغانستان. وليس معروفاً ما اذا كان بن الشيبة سيتعاون مع المحققين ام لا، ولكنه لم يتردد مطلقا في تأكيد الدور الذي لعبه، ولم يخف اعتزازه بلعب ذلك الدور، في المقابلة التي اجراها مع قناة «الجزيرة» القطرية في يونيو (حزيران) الماضي. وقال الرجل الذي قدم في تلك المقابلة على انه بن الشيبة انه كان منسق احداث «الثلاثاء المقدسة» حسب وصفه لأحداث 11 سبتمبر.

ويقوم المسؤولون الألمان حاليا بمضاهاة الاصوات التي سجلت على شريط المقابلة مع شرائط كانوا يحتفظون بها لابن الشيبة وهو يلقي خطبة في حفل عرس اقيم بهامبورغ في ألمانيا. وكانت السلطات الألمانية قد وجهت الاتهام لابن الشيبة بالتآمر لقتل اكثر من 3000 شخص، وهو بسبب ذلك يعتبر من اخطر المطلوبين من قبل ألمانيا والولايات المتحدة.

وبالاضافة الى التفاصيل حول وقائع 11 سبتمبر، يأمل المحققون بصورة اكثر الحاحا ان يوفر بن الشيبة معلومات حول العمليات التي تزمع «القاعدة» تنفيذها. وكان مع بن الشيبة في المقابلة التلفزيونية خالد شيخ محمد، الذي يعتقد كثير من المحققين انه المخطط الرئيسي لهجمات 11 سبتمبر، وانه بسبب ذلك قفز الى المواقع الامامية في قيادة شبكة بن لادن. وقال خالد شيخ محمد انه مسؤول اللجنة العسكرية في «القاعدة». وهذه الصفة تجعله على معرفة كاملة بالعمليات التي تخطط «القاعدة» حاليا لتنفيذها، والتي يمكن ان يكون بن الشيبة على علم ببعضها، حسبما يرى المسؤولون.

وقد اجريت المقابلة التلفزيونية في كراتشي، أي في نفس المدينة التي القت القوات الباكستانية القبض عليه فيها يوم الاربعاء الماضي بعد معركة عنيفة مع قوات الأمن الباكستانية قتل فيها اثنان.

وكانت السلطات الأميركية تبحث عن خالد شيخ محمد منذ عام 1995، عندما نجحت الشرطة الفلبينية في اجهاض مخطط لتفجير 12 طائرة أميركية تابعة لشركة «أميركان ايرلاينز» فوق المحيط الهادئ. ويعتقد الفلبينيون ان استخدام الطائرات كقنابل هو من بنات افكار خالد شيخ محمد، وانه قد طورها ونفذها عمليا يوم 11 سبتمبر. وقال قياديون في شبكة بن لادن ان خالد هو الذي طرح الفكرة على قيادة «القاعدة».

وقال خالد شيخ في المقابلة انه تقرر عام 1999 تنفيذ عملية ضد الولايات المتحدة. وفي نهاية ذلك العام قام ثلاثة من خلية هامبورغ ممن قادوا الطائرات يوم 11 سبتمبر، بزيارة احد معسكرات «القاعدة» خارج قندهار في جنوب افغانستان. ويعتقد المحققون ان اعضاء خلية هامبورغ الثلاثة قد وافقوا في ذلك الاجتماع على المشاركة في هجمات انتحارية ضد الولايات المتحدة. وبعد ذلك الاجتماع بفترة قصيرة سافر بن الشيبة الى العاصمة الماليزية كوالالمبور حيث التقى مع مرشحين آخرين للاشتراك في عملية اختطاف الطائرات، وهم من السعوديين، وكذلك بالرجل المشتبه في انه منسق عملية الهجوم على المدمرة الاميركية كول عام 2000 في اليمن. ويقول المحققون الألمان ان بن الشيبة كان في اليمن عندما حدث الهجوم على المدمرة، وانه كان حاضرا في كل خطوة هامة تقريبا اثناء التحضير لهجمات 11 سبتمبر.

ويظهر اسم بن الشيبة في كثير من سجلات التحقيق، بحيث صار بعض المحققين الألمان يعتقدون انه هو، وليس محمد عطا، الذي كان القوة المحركة في تكوين خلية هامبورغ. وبالاضافة الى دلائل اخرى، لاحظ المحققون ان صورة بن الشيبة وجدت وسط المتعلقات الشخصية لكثير من عناصر «القاعدة» القتلى او المقبوض عليهم، مما يدل على انه شخص يحظى بتقدير واحترام خاصين.

وقد ولد بن الشيبة في منطقة جبلية نائية باليمن، عام 1972. ويقال انه عمل بالقسم الاداري بـ«انترناشونال بانك» في صنعاء قبل ان يتسلل خلسة الى ألمانيا عام 1995. ولا يعرف المحققون تاريخ وصوله على وجه التحديد. وقد ظهر أول مرة في السجلات الألمانية في سبتمبر 1995، عندما قدم طلباً للحصول على حق اللجوء السياسي تحت اسم رمزي محمد عبد الله عمر. وادعى في طلب اللجوء انه طالب جامعي هارب من القمع السياسي في السودان. واثناء فترة البت في طلبه نقل الى معسكر للاجئين في مدينة كمرفيلد الصغيرة شمال هامبورغ. وكان طالبو اللجوء السياسي يعيشون في مبنى مزدحم تسميه السلطات الالمانية «الحاوية». وكان سكان الحاوية يجأرون بالشكوى على الدوام من سوء احوالهم المعيشية. ولكن المسؤولين يقولون ان بن الشيبة كان يتفادى لفت الانظار في تلك الفترة. ويعترف المحققون ان الحاوية صارت وكرا لنشاطات غير قانونية كثيرة منها تزوير الوثائق وتجارة المخدرات.

وقال مايكل هيرسكورن، مدير المعسكر «من السهل ان تأتي الى هنا وتقيم منظمة خاصة بك». ويبدو ان بن الشيبة التقى بمحمد عطا، الخريج الجامعي المصري، اثناء اقامته بالمعسكر في كمرفيلد. وقد ذكر احد الذين شاركوا محمد عطا السكن، لصحيفة «لوس انجليس تايمز»، انه يذكر انه كان يرى بن الشيبة في شقة عطا منذ عام 1995.

وقد رفض طلب بن الشيبة لنيل اللجوء السياسي عام 1996، لكنه تقدم باستئناف. واثناء البت في الاستئناف، والذي رفض كذلك في النهاية، توجه بن الشيبة الى اليمن، واستخدم اسمه الحقيقي ليحصل على تأشيرة دخول طالبية استخدمها لدخول ألمانيا مرة اخرى. وقد دفع تغيير الاسم بعض المحققين الى الظن بأن بن الشيبة كان عضوا في «القاعدة» عندما حضر الى هامبورغ في المرة الاولى. وبعد عودته صار بن الشيبة يمارس نشاطا مكثفا في مساجد الاصوليين بهامبورغ. وطوال فترة بقائه في ألمانيا التي استمرت ست سنوات، لم يلتحق بن الشيبة بأي عمل معروف ولم ينتظم في الدراسة في أي مدرسة. ومع انه سجل بدورتين لتعلم اللغة الالمانية، فانه لم يحضر الا القليل جدا من المحاضرات، ان كان قد حضر شيئا منها.

وفي عام 1998، سكن هو ومحمد عطا وسعيد بهاجي في شقة واحدة بالقرب من الجامعة التي تلقى فيها عطا وبهاجي دراساتهما. وكان سعيد بهاجي ورجل آخر هو زكريا الصبار، قد وجهت لهما السلطات الألمانية تهما مشابهة للتهم التي وجهتها لابن الشيبة ولكنهما لا يزالان فارين.

وبعد ذهاب مجموعة هامبورغ الى معسكر «القاعدة» أواخر 1999، بدأ افرادها يفكرون في السفر الى الولايات المتحدة، بتقديم طلبات لمدارس الطيران ولنيل تأشيرات الدخول. واتخذ بن الشيبة نفس هذه الخطوات، اذ قدم مرة واحدة لمدرسة طيران، واربع مرات لنيل تأشيرة الدخول ولكنه رفض في كل هذه المرات. وقال المسؤولون الأميركيون ان طلبه للتأشيرة رفض، ليس لأنه كان متهما بالارهاب، وانما لأن اليمن بلد فقير وكان ينظر الى اليمنيين باعتبارهم لاجئين اقتصاديين محتملين. ويقول المحققون ان بن الشيبة، بعد رفض اعطائه تأشيرة الدخول، اصبح يلعب دور مكتب الخدمات بالنسبة للخاطفين. فقد كان يرسل الاموال لمجموعات الخاطفين. والتقى بمحمد عطا مرتين على الاقل ومع خاطف آخر مرة واحدة على الاقل. وكان كثير الاسفار، اذ زار هولندا وايران وأفغانستان وايران واسبانيا واليمن وماليزيا. وسافر ايضا الى لندن، حيث يعتقد المحققون انه التقى فيها بزكريا موساوي، المتهم الوحيد الذي وجهت اليه الولايات المتحدة تهماً ذات علاقة بأحداث 11 سبتمبر. وقد ورد في مذكرة اتهام موساوي ان بن الشيبة جنده ليحل محله وسط الخاطفين.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»