واشنطن تفرض عقوبات على أوكرانيا بسبب صفقة سلاح مع العراق فضحتها تسجيلات مهربة لمحادثات الرئيس

TT

استنتجت الولايات المتحدة استنادا إلى تحليل تسجيلات صوتية سرية ان الرئيس الاوكراني ليونيد كوتشما قد صادق شخصيا في يوليو (تموز) الماضي على خطة لبيع نظام رادار متطور إلى العراق قادر على اكتشاف قدوم الطائرة بدون علم الطيار نفسه.

وعلى الرغم من عدم وجود دليل قاطع يثبت بأن عملية البيع قد تمت، فان مسؤولاً اميركياً كبيراً قال ان الحكومة الأميركية لديها «دلائل» تشير الى ان قطع الرادار قد وصلت إلى العراق.

وأدى الاستنتاج الأميركي المتعلق بالتسجيلات الصوتية إلى وقف المساعدة المالية السنوية التي كانت الولايات المتحدة تمنحها إلى اوكرانيا والتي تبلغ 55 مليون دولار. واتُخذ هذا القرار قبل عشرة أيام بانتظار إعادة النظر في السياسة الاميركية تجاه اوكرانيا حيث يتوقع اتخاذ إجراءات أخرى بحقها حالما تنتهي عملية المراجعة.

وفي حال تم إثبات وجود الرادار في العراق، فان ذلك قد يؤول إلى فرض عقوبات اخرى صارمة ضد اوكرانيا بناء على قرار الامم المتحدة القاضي بمنع تصدير الأسلحة الى العراق.

وقال مسؤول اميركي حول المراجعة الجارية «إننا ننظر حاليا إلى مجموعة من الأمور التي تحدد الكيفية التي نشتغل بها مع اوكرانيا والكيفية التي نتحدث بها مع كوتشما. اننا نأمل في الانتهاء من المراجعة بعد نحو أسبوع حيث سيكون بإمكاننا أن نقدم توصياتنا للبيت الأبيض كي يتخذ قرارا على ضوئها».

ويدعى الرادار المشتبه في بيعه الى العراق «كولتشوغا». وتعني هذه الكلمة الروسية «الدرع البريدي المتواصل»، وهو نظام يعمل بطريقة سلبية بعكس الرادار التقليدي الذي يعكس ما يلتقطه باتجاه الجسم المرصود.

ولنظام «كولتشوغا» أربع لاقطات مترابطة قادرة على التقاط وتحديد الموقع الإحداثي للإشارات المنبعثة من الأجسام المقتربة صوبه. ويقال إن هذا الرادار قادر على اكتشاف الطائرة حينما تكون على بعد 800 كيلومتر. أما الأجسام المتحركة على الأرض فيمكن اكتشافها من على بعد 600 كيلومتر.

لكن أهم ما يميز هذا الرادار، حسبما يفيد الخبراء، قدرته على كشف طائرات الشبح المتسللة بدون أن تستطيع الأخيرة كشفه. وحينما عرضت اوكرانيا هذا الرادار لأول مرة في معرض للسلاح جرى بالأردن في ابريل (نيسان) 2000، قالت إنه أكثر الرادارت تطورا في العالم.

وقال ستيفن زالوغا محلل التكنولوجيا العسكرية في مصنع «تيل غروب كوربوريشن» بولاية فيرجينيا، إن قابلية رادار سلبي كهذا على اكتشاف طائرة الشبح قد بولغ فيها، وهذا يعود إلى أن القاذفات والمقاتلات الأميركية المعروفة باسم الشبح (أو المتسللة) لا تبث إلا القليل من الإشارات أو لا تبث أي شيء.

واضاف زالوغا ان الطائرات الحربية التقليدية تبث عادة إشارات من أجهزة قياس ارتفاعاتها، ومن مرسلاتها الرادارية وأجهزة أخرى، لكن السؤال المطروح يكمن في معرفة درجة البراعة بلغها رادار «كولتشوغا» بحيث يستطيع أن يغربل تلك الإشارات الناجمة من تنافر النغمات الصادرة عن موجات جوية عادية. واوضح زالوغا انه في حال كان هذا الجهاز متطورا جدا «فانه سيكون مصدر قلق».

ويأتي هذا الكشف بعد حصول خبراء من وزارة العدل الأميركية على تسجيلات صوتية سرية تم خلالها تمييز صوت الرئيس الاوكراني كوتشما وهو يناقش مسألة تهريب هذا الرادار إلى العراق. واستنتج هؤلاء الخبراء أن الصوت حقيقي ولم يطرأ عليه اي تغيير.

وتم نقل هذا الشريط وتسجيلات سرية أخرى مدتها 300 ساعة لمناقشات مهمة بين مسؤولين أوكرانيين بواسطة أحد حراس الرئيس الاوكراني السابقين، يدعى مايكولا ميلنيتشنكو. وكان هذا الشخص قد هرب من اوكرانيا عام .2001 وسلم ميلينتشنكو هذه التسجيلات للمسؤولين الأميركيين لاختبارها في هذا الصيف. وهو يقيم في الولايات المتحدة بصفة لاجئ لنشاطه المعارض للرئيس الأوكراني كوتشما.

وقام المسؤولون الأميركيون من جانبهم بنقل المعلومات إلى أعضاء حلف شمال الاطلسي والى المسؤولين الاوكرانيين الذين أنكروا بدورهم صحة هذه المعلومات.

يشار الى ان أوكرانيا أصبحت في السنوات الخمس الأخيرة سادس بلد مصدِّر للسلاح في العالم. وتضمن النقاش الذي سجله الشريط صوت فاليري ماليف الذي كان آنذاك مديرا لوكالة تصدير الأسلحة في أوكرانيا. ووفق هذا التسجيل، قال ماليف للرئيس كوتشما «اتصل العراقيون بنا عبر وسيط أردني، وهم يريدون شراء أربعة رادارات من نوع كولتشوغا وعرضوا 100 مليون دولار تدفع مقدما».

واقترح ماليف في التسجيل ان توضع الرادارات في صناديق تعود لشركة اوكرانية أخرى تدعى «كراز»، وان يرسل معها اوكرانيون بجوازات سفر مزورة للاشراف على تركيب الرادارات. ورد الرئيس كوتشما قائلا «يجب التأكد من أن الأردني سيبقى صامتا». فأجاب ماليف «من سيقوم بتقصي الصفقة؟ نحن لا نبيع الكثير من الأسلحة للأردنيين». آنذاك قال كوتشما «إذن امض في تنفيذ الصفقة».

ويبدو أن هذه الموافقة الرئاسية التي أعطيت يوم 10 يوليو (تموز) 2000 جاءت بعد مضي خمسة أسبايع عن زيارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إلى العاصمة الأوكرانية كييف، وقدم خلالها للزعيم كوتشما دعماً كان حينها بحاجة اليه.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»