انتقادات واسعة في إسرائيل لمحاولة اغتيال محمد ضيف الفاشلة

TT

تتعرض الحكومة الاسرائيلية وقيادة الجيش لحملة انتقادات واسعة في صفوف السياسيين والاعلاميين المحليين، بسبب الاصرار على استمرار الحصار على مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وعلى العملية الفاشلة التي تمت اول من امس لاغتيال محمد ضيف، قائد تنظيم كتائب عز الدين القسام.

ولم تقتصر الانتقادات على فشل العملية وحسب، بل على فكرة الاغتيالات بشكل مبدئي. وكما قال احد المتخصصين في الشؤون الفلسطينية في المخابرات، فان «هذه الاغتيالات لم تحقق اي مكسب لاسرائيل، بل بالعكس فقد حل محل كل قائد يتم اغتياله، عدة قادة لا يقلون عنه خبرة وجرأة وشراسة. وزاد العنف وارتفع مستوى العمليات.. ومقابل كل هذا ابتعدت آمال السلام».

وأما في الحكومة والأجهزة الأمنية فقد اخذوا بكل جدية تهديدات حركة «حماس» بالانتقام لهذه العملية. واعلنوا حالة استنفار امني شامل في جميع انحاء البلاد وعلى الحدود بين اسرائيل والضفة الغربية من جهة وقطاع غزة من جهة أخرى، إضافة الى الاحتياطات الأمنية العالية دخل المدن الاسرائيلية.

* الاغتيال الفاشل

* وكشف النقاب أمس عن ان عملية الاغتيال الفاشلة تمت بمصادقة كل من رئيس الوزراء ارييل شارون، ووزير دفاعه بنيامين بن اليعزر، ورئيس اركان الجيش اللواء موشيه يعلون. وبادر اليها احد نواب رئيس المخابرات العامة (الشاباك)، الذي كان قد اخذ على عاتقه اغتيال محمد ضيف خلال السنة ونصف السنة الاخيرة. ومن المفروض ان ينهي هذا الشخص خدمته في المخابرات خلال اسبوع. وكما يبدو، فقد اراد ان يقدم في نهاية الخدمة هدية لرئيس حكومته، فبذل كل جهد ممكن في هذه المعركة.

ومحمد ضيف كان مطلوبا لاسرائيل منذ سنة 1996. وقدم موشيه يعلون، عندما كان رئيس الاستخبارات العسكرية في الجيش، طلبا مباشرا للرئيس ياسر عرفات بهذا الخصوص، فكان جواب عرفات له عبارة عن سؤال استفهام: «محمد إيش..؟!». وخرج يعلون من مكتب عرفات خائبا وابلغ رئيس الحكومة آنذاك، شيمعون بيريس، ان عرفات لا يقول الحقيقة، وتوجها الى الادارة الاميركية واوروبا. وبعد بضع سنوات اقتنع عرفات وبدأ يبحث عنه، واعتقله فعلا ولكن عاد وأطلق سراحه مع اندلاع الانتفاضة.

وحسب ملفات ضيف في المخابرات الاسرائيلية، فانه مسؤول عن عشرات العمليات بشكل مباشر وانه وضع نصب عينيه قتل شارون، بل انه اعد خطة لتنفيذ القتل خلال خروجه الى اول زيارة ميدانية لمنطقة الجنوب. وتحت قيادته اطلق صاروخ، قبل يومين، اصاب مستوطنة تبعد بضع مئات من الامتار عن بيت شارون في منطقة بئر السبع الغربية.

وعندما وصل بلاغ من عملاء الاحتلال، بأن ضيف انطلق بسيارة مرسيدس صفراء من حي الشيخ رضوان في مدينة غزة، اوقفت قوات الجيش الاسرائيلي في القطاع كله نشاطها وتجندت لهذا الهدف كل القوات. وتقرر ان يعطى الفرصة للخروج من منطقة البيوت (حتى لا يصاب مدنيون) ومن ثم توجيه صاروخين من طائرة مروحية مقاتلة.

وكان شارون في تلك الاثناء، يجتمع الى وزيري الخارجية والدفاع، بيريس وبن اليعزر، ويعلون ورؤساء الاجهزة العسكرية والامنية الميدانيين، فأدخل احد الجنود وريقة الى يعلون، فراح هذا يقرأها بصوت عال: حققنا الهدف ووجهنا الضربة في غزة. ثم جاءت ورقة أخرى من سلاح الجو تبشر يعلون بأن الاصابة جاءت دقيقة. فسادت البهجة داخل القاعة.

ولكن، هنا بدأ يظهر التناقض واضحا بين الروايتين الاسرائيلية والفلسطينية. فقد أعلنت «حماس» ان ضيف نجا من الموت. وردت اسرائيل بالقول ان احتمالات ان يكون قد قتل هي %99. وردت «حماس» تقول ان ضيف نجا %100. عندها بدأت اسرائيل تتراجع.

وفي يوم امس بدأوا، في اسرائيل، يقولون صراحة انهم اخطأوا وان «رواية حماس أدق من روايتنا». وقال ايهود يتوم، احد قادة المخابرات السابقين المعروف بسلسلة جرائم اغتيال كان نفذها تحت قيادة شارون خلال خدمتهما في الجيش: «.. كل الاحترام لحركة «حماس». الصحيح انه كلما اراد الامر التعامل مع هؤلاء الرجال (في «حماس») يكتشف انهم خبراء وفنانون وليس مجرد ارهابيين». واضاف: «على من يريد ان يتعامل في النشاط السري، عليه ان يتعلم من هذه الحركة». وقال: «ان هذه هي المرة الخامسة التي نصل فيها على بعد خطوتين من ضيف، ثم يتمكن من الهرب او التصدي لنا. وهذا فشل غير محتمل».

* احتلال غزة

* وبعد التيقن من ان اصابة محمد ضيف لم تكن قاتلة، اعلن مصدر اسرائيلي ان العمليات الحربية في غزة سوف تستمر وان مقتل ضيف لن يلغي عملية اجتياح غزة العديدة.

وتشير التقديرات الى ان دخول غزة بات وشيكاً، اذ ارتفع عدد المؤيدين لها في الحكومة في مقدمتهم شارون وبن اليعزر. وتبين ان شارون كان يريد باصرار طرد عرفات خارج الوطن ردا على عملية تل ابيب، لكن بن اليعزر أقنعه بأن هذه العملية يجب ان تتم بالتدريج، وأخذا موافقة بيريس على ذلك.

وعلمت «الشرق الأوسط» ان تحركا بدأ داخل حزب العمل بين قلة من مؤيدي اليعزر، وبين اكثرية معارضة، حول كل السياسات الاخيرة، خصوصا المبادرة الاسرائيلية لمواصلة الاغتيالات والهدم والقصف. وقال النائب تسالي ريشف ان وجود حزب العمل في الحكومة بات يشكل كارثة على مستقبل اسرائيل.