تقرير جديد لـ«سي. آي. إيه»: بغداد استغلت غياب المفتشين لتنشيط برنامجها الكيماوي والبيولوجي

أكد امتلاك العراق «مئات الأطنان» من الغازات السامة واستمرار العمل في 3 مراكز لإنتاج الأسلحة الجرثومية

TT

اكدت وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي. آي. إيه) ان العراق استفاد من غياب مفتشي الأسلحة الدوليين منذ نهاية عام 1998 ليعيد إنتاج الأسلحة الكيماوية وتوسيع جهوده لتطوير الأسلحة البيولوجية وإحياء برنامجه الهادف لصنع أسلحة نووية.

وعكس التقرير الجديد للوكالة الذي اعلن اول من امس الكثير من المعلومات التي تضمنها التقرير الذي اعلنته الحكومة البريطانية اخيراً حول برامج التسلح العراقية. لكن تقرير الـ«سي آي ايه» يظل الأكثر حداثة من حيث المعلومات، ويأتي صدوره في وقت انشغال الكونغرس بالنقاش حول إمكانية استخدام القوة لإسقاط حكومة الرئيس العراقي صدام حسين.

وجاء في التقرير أنه «منذ توقف عمليات التفتيش عام 1998، أبقى العراق على جهوده الهادفة إلى امتلاك أسلحة كيماوية، وإلى تحسين برنامج صنع صواريخه وتوظيف أموال طائلة على حقل الأسلحة البيولوجية». وقال التقرير إن «أكثر المحللين وصلوا إلى قناعة، مفادها أن العراق أعاد إنشاء برنامج الأسلحة الكيماوية».

ولمضاعفة التأييد لعمل عسكري ممكن ضد العراق، ظلت الإدارة الأميركية تتحدث عن جهود العراق لتطوير أسلحة نووية، إضافة إلى مواصلتها التهديد باستخدام القوة للإطاحة بحكومة بغداد إذا لم يوافق صدام حسين على تفتيش غير مقيَّد واقتحامي بشكل كبير.

وقالت الـ«سي. آي. ايه» في تقريرها الجديد إن العراق لن يكون قادرا على صنع قنبلة نووية حتى منتصف هذا العقد إلا إذا كانت لديه الآن مادة قابلة للانشطار تمكن من الحصول عليها عن طريق السوق السوداء. وفي هذه الحال سيكون بإمكان العراق صنع السلاح النووي خلال عام واحد. وقال التقرير إنه «على الرغم من احتمال عدم امتلاك صدام حسين أسلحة نووية حاليا أو أنه لا يمتلك مادة انشطارية كافية لصناعتها، فانه يظل عازما على امتلاكها مستقبلا».

من جانب آخر، استنتجت الاستخبارات البريطانية أن العراق سيكون قادرا على صنع أسلحة نووية خلال سنتين، إذا تمكن من الحصول على المادة القابلة للانشطار، بينما قال معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن إن العراق قد يكون قادرا على استخدام هذه المادة لصنع قنبلة نووية خلال اشهر قليلة.

وأحد الدلائل على عزم بغداد امتلاك قنبلة نووية هو مساعي العاصمة العراقية لشراء أنابيب ألومنيوم ذات قوة عالية جدا، حسب ما جاء في تقرير الاستخبارات الاميركية. وقال التقرير ايضاً إن الخبراء الأميركيين متفقون على أن العراق عازم على صنع أسلحة نووية وأن هذه الأنابيب يمكن استعمالها لتخصيب اليورانيوم. وأضاف «معظم خبراء الاستخبارات يعتقدون أن هذه الأنابيب هي دليل على عزم العراق على صنع أسلحة نووية بينما يعتقد آخرون أنها من أجل تنفيذ برامج لصنع الأسلحة التقليدية».

تجدر الإشارة إلى أن تقريرا استخباريا سريا كان قد قُدم بداية الأسبوع الماضي إلى الكونغرس الاميركي حول برامج العراق لصنع أسلحة الدمار الشامل، بينما عكس التقرير غير السري الذي صدر اول من أمس الاستنتاجات التي شملها التقرير السري، وطُرح على الموقع الانترنتي لوكالة الاستخبارات المركزية (www.cia.gov).

ويكشف هذا التقرير المخاطر التي يمكن أن تواجه القوات الأميركية إذا قرر الرئيس الاميركي جورج بوش غزو العراق. وكان الكونغرس قد طلب تقييم وكالة الاستخبارات الأميركية قبل اتخاذ قرار حول منح الصلاحية لأي عمل عسكري.

وحسب التقرير، فان العراق أعاد بناء مصانع الأسلحة التي تم تدميرها أثناء غارات الطائرات الأميركية. وأضاف أن «بغداد بدأت بإعادة إنتاج المواد التي تدخل في صنع الأسلحة الكيماوية، وهذا قد يتضمن مواد غاز الخردل والسارين، والسايكلوسارين والـ«في إكس». وقدرت وكالة الاستخبارات الأميركية في تقريرها كمية ما يمتلكه العراق من مواد كيماوية بمئات الأطنان وهذه يمكن وضعها في رؤوس الصواريخ والقنابل وقذائف المدفعية.

أما بالنسبة للأسلحة البيولوجية، فقالت الـ«سي آي ايه» إن «الجوانب الأساسية في برنامج الأسلحة البيولوجية الهجومية تعمل بشكل فعال، وإن معظم العناصر الداخلة في هذه الأسلحة أصبحت أكبر وأكثر تقدما مما كانت عليه قبل حرب الخليج».

وقال التقرير إن لدى العراق مختبرات جرثومية متحركة، وهذه يمكن إخفاؤها بسهولة. إضافة إلى ذلك تعتقد الـ«سي آي ايه» أن هناك عملا يجري حاليا في ثلاثة مواقع لتطوير أسلحة جرثومية، وهذه المواقع هي مركز لقاحات الحمى القلاعية في ضاحية الدورة ببغداد ومعهد الأمصال واللقاحات في منطقة العامرية ثم مصنع إنتاج زيت كاسترول في الفلوجة (غرب).

أما بالنسبة للصواريخ، فالعراق أخفى عدة عشرات من صواريخ «سكود»، حسب ما ذكرته الـ«سي آي ايه» في تقريرها. وكان البريطانيون قد قدروا عددها بعشرين صاروخ «سكود». وقام العراق بالعمل على تطوير صواريخ كانت الأمم المتحدة قد حظرتها عليه بعد حرب الخليج عام 1991، إذ قالت الأمم المتحدة آنذاك إن الصواريخ أرض ـ أرض يجب ألا يتجاوز مداها تسعين ميلا، لكن حسب التقرير الجديد استخدم العراق عمله الهادف لإنتاج أنظمة مسموح بها له كتغطية لتطوير صواريخ بعيد المدى.

ولاحظ التقرير على سبيل المثال أن العراق أعاد بناء مركز محركات صواريخ «المعتصم» ذات الوقود الصلب. وكان هذا الموقع يُستخدم لصنع محركات صواريخ «أبابيل 100» ذات المدى المسموح به من الأمم المتحدة، لكن الاتساع الذي عرفه هذا الموقع يشير إلى أن العراق يخطط لتطوير أنظمة صواريخ ذات مدى بعيد.

وأكدت الـ«سي آي ايه» في تقريرها أن العراق سعى لتحويل طائرة «إل ـ 29» المستعملة للتدرب على الطيران إلى طائرة بدون ربان قادرة على نشر غازات السم والجراثيم.

لكن التقرير لم يقل فيما إذا كانت عمليات التفتيش عن الأسلحة ستكون قادرة على نزع السلاح عن العراق. وذكر أن العراق حاول أن يخفي برنامج أسلحته حينما كان المفتشون في العراق لكنه صعّد من أبحاثه في حقل تطوير الأسلحة منذ مغادرتهم العراق عام .1998 وقال إنه «مع غياب المفتشين، أصبحت لبغداد قابلية معتبرة للعمل على برامج تطوير الأسلحة المحظورة، خصوصا مع غياب مخاطر الانكشاف بغياب المفتشين». وأضاف التقرير أن «جهود بغداد النشيطة في التضليل» جعلت الكثير من الجوانب المتعلقة ببرامجها المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل غير مكتشفة.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»