مدير «إف. بي. آي» يدافع عن المباحث الأميركية في حربها ضد بن لادن... ويتهم إيران بتفجير الخبر

المدير السابق أشاد بالتدخل الشخصي للأمير نايف في تذليل عقبات التعاون

TT

لويس فريه مدير مكتب المباحث الفيدرالي الاميركي (اف. بي. اي) الذي وجه له بعض اعضاء الكونغرس مسؤولية الفشل في السيطرة على الارهاب خلال حقبة التسعينات، اخذ على المشرعين يوم اول من امس الفشل في المصادقة على ميزانيات اكبر قال انها كانت مهمة وحيوية في مساعي اف بي آي في مكافحة الإرهاب. فخلال شهادته يوم الثلاثاء الماضي أمام لجنة تابعة للكونغرس مكلفة بالتحقيق حول هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، قال فريه انه «قاتل» خلال عمله مديرا لمكتب المباحث خلال فترة ثماني سنوات لجعل مكافحة الارهاب اولوية تستحق اهتماما خاصا، الا ان مساعيه، طبقا لما اكده خلال شهادته التي ضمنها في بيان من 25 صفحة، احبطت بسبب قلة الموارد المالية والعقبات القانونية التي قال انها أعاقت اختراق «اف بي آي» للشبكات الارهابية. وفي اول دفاع علني عن فترة عمله مديرا لمكتب المباحث الفيدرالي، فند فريه الشكاوى التي اشارت الى ان مكتب المباحث رفض التعاون مع اجهزة الامن والاستخبارات الاخرى وفشل في تجهيز نفسه تحسبا لأي هجوم ارهابي داخل الولايات المتحدة. وأوضح فريه انه لا يعرف أي دليل ملموس يشير الى ان مكتب المباحث الفيدرالي كان بمقدوره منع هجمات 11 سبتمبر، رغم انه اعترف بأنه لا ينفي امكانية اداء بعض الاشياء بصورة افضل او ان المزيد من الموارد او الصلاحيات ربما ساعد في الكثير من الجوانب. ورفض فريه، الذي تقدم باستقالته في يونيو (حزيران) 2001، الانتقادات التي وجهت له من جانب اللجنة المشتركة التابعة للكونغرس حول تركيز مكتب المباحث بصورة اكثر على بضع قضايا بدلا من التركيز على منع وقوع الهجمات الارهابية، كما اتهم المكتب ايضا ببطء في التعامل مع خطر الهجوم الداخلي.

وكان اعضاء في ادارة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون وجهوا انتقادات ايضا الى فريه، قائلين ان عداءه الشخصي للرئيس كلينتون وتركيزه على بضع قضايا فقط، مثل تفجير الخبر في السعودية عام 1996، اعمى فريه عن النظر الى قضايا الارهاب الاكبر حجما، كما احبط ايضا مساعي كبار مساعدي كلينتون لشؤون الامن القومي الرامية الى الحصول على معلومات حول الخطر المتزايد لتنظيم «القاعدة» بزعامة اسامة بن لادن. ورد فريه على تقرير للجنة توصل الى ان مكتب المباحث الفيدرالي تعثر على نحو خطير في مساعيه لردع الارهاب الداخلي. فقد قرأت الينور هيل، مديرة اللجنة جزءا من التقرير خلال جلسة الاستماع ورد فيه ان «مكتب المباحث الفيدرالي لم يستفد تماما من دروس الهجمات السابقة مثل الهجوم على مركز التجارة العالمي عام 1993».

وتابعت هيل قراءتها للتقرير الذي اورد ان «استجابة مكتب المباحث الفيدرالي جاءت متفاوتة، اذ خصصت المكاتب الميدانية التابعة «للإف بي آي» موارد كبيرة لمراقبة الجماعات الاصولية المتطرفة». واشارت هيل الى ان مكتب المباحث لم يعد دراسة لتقييم المخاطر وان جزءا كبيرا من جهود ادارة مكافحة الارهاب التابعة لمكتب المباحث الفيدرالي تركزت في الخارج، الشيء الذي يعكس، طبقا للتقرير، وجود فجوة واسعة في بنية مكافحة الارهاب والنقص في التركيز على كيفية تركيز مجموعة ارهابية اجنبية على الولايات المتحدة من الداخل. بيد ان فريه فند ما توصل اليه التقرير من نتائج واوضح ان تحقيقات ناجحة اجراها «اف بي آي» ساعدت في منع وقوع هجمات اخرى. وساق مثالا على ذلك إحباط «اف بي آي» من خلال التحقيق في التفجير الاول لمركز التجارة العالمي مخططا ارهابيا لتفجير 11 طائرة اميركية فوق المحيط الهادي. واكد فريه، الذي حاول توجيه الانتقادات التي تعرض لها الى اعضاء الكونغرس انفسهم، ان الإنفاق على اف بي آي خلال حقبة التسعينات لم يكن كافيا لمقابلة نمو وأولوية برنامجه الخاص بمكافحة الإرهاب. كما اشار الى ان عدد عملاء «اف بي آي» المكلفين بمهام تتعلق بمكافحة الارهاب تضاعف من 600 عام 1993 الى 1300 عام 1999، مؤكدا ان اف بي آي طلب خلال نفس الفترة المزيد من الموارد الضرورية لمكافحة الارهاب.

واوضح فريه ان «اف بي آي» طلب عام 2000 تعيين 864 فردا للعمل في مجال مكافحة الارهاب بتكلفة 381 مليون دولار، بيد ان الجهات المعنية لم تصادق له إلا على تعيين خمسة اشخاص ومبلغ 7 ملايين دولار. وقال فريه، الذي طالب اعضاء الكونغرس بزيادة ميزانية اف بي آي، ان كسب الحرب يتطلب توفر الجنود. واضاف: «يجب ان يكون واضحا، على سبيل المثال، ان اف بي آي بميزانية تعادل 3.5 بالمائة من ميزانية مكافحة الارهاب وسي آي ايه بنصيبها من الميزانية لا يشكلان سوى جزء بسيط من التزام الحكومة بالحرب ضد الارهاب».

لكن فريه، الذي اكد مرارا عندما كان مديرا لمكتب المباحث الفيدرالي على ان المكتب قادر على مكافحة كل انواع الجرائم، اقر خلال جلسة الاستماع التي اجريت بوجود قصور من جانب اف بي آي. وأكد فريه خلال شهادته ان منظمات مثل القاعدة ودول راعية للارهاب مثل ايران والاخطار التي تشكلها مثل هذه المنظمات والدول تفوق كفاءة اف بي آي وسي آي إيه. ولم يتقدم فريه بأية اعتذارات او اعترافات إزاء أي اخطاء، بل اشاد بأداء عناصر اف ابي آي وقال انه كان له الفضل في إجراء تغييرات تنظيمية اكد انها عززت من قدرات «اف بي آي» في مجال مكافحة الارهاب. وأضاف: لقد قرأنا وسمعنا الكثير عن مذكرة يوليو 2001 التي بعث بها العميل الخاص في فينكس، والقبض في مينسوتا على زكريا موساوي في اغسطس والتحقيق معه، والمعلومات التي حصلت عليها وكالة الاستخبارات المركزية في ما يتعلق باثنين من الخاطفين تتعلق بلقاء في كوالا لمبور في عام 2000. من المهم للغاية الان فصل هذه المعلومات ووضعها في اطارها الزمني. غير ان القيمة التكهنية لهذه الحقائق المتنوعة في الوقت الذي تم الحصول عليها يجب تقييمه. ان تحليل المعلومات الاستخبارية يمكن ان يصبح مثل محاولة الحصول على نقطة ماء من صنبور تنطلق منه نار مشتعلة. ان المعلومات التي تم الربط بينها بعد ظهور الحقيقة يجب تقييمها في زمنها».

وفي ما يتعلق بالمفهوم القائل بان شركات الطيران معروفة كهدف للارهابيين منذ وقت طويل اوضح فريه: «ان مجال الطيران وشركات الطيران كانت هدفا مفضلا منذ فترة طويلة للخاطفين الارهابيين. وكانت حماية الطيران المدني من الهجمات الارهابية، ولسنوات قضية وطنية ملحة. واشار تقرير في سبتمبر (ايلول) عام 1996 لمكتب المحاسبة العامة الى ان جميع المجالات الاساسية تقريبا لشبكة الطيران التي تتراوح بين المسح الامني للركاب والحقائب المحمولة، والشحنات البريدية والبضائع بالاضافة الى مناطق الامن داخل المطارات بها نقاط ضعف يمكن للارهابيين استغلالها».

وأضاف «ان موضوع الارهاب الموجه ضد امن طيراننا كان معروفا لكثيرين في السنوات السابقة على 11 سبتمبر. وكما تعرف هذه اللجنة قدم مكتب المباحث الفيدرالي تحذيرات متكررة الى هيئة الطيران الفيدرالي وقطاع الطيران فيما يتعلق بالارهاب الى 11 سبتمبر 2001. ان جهود الحكومة وقطاع الطيران لتطبيق هذه وغيرها من التوصيات تستحق دراسة مكثفة ومتأنية، ومن المرجح، موارد هائلة».

واكد فريه في بيانه ان مكتب المباحث الفيدرالي كان يركز على منع الهجمات الارهابية الداخلية والخارجية. وقال «كما ذكرت من قبل وكما انعكس في الخطة الاستراتيجية لمكتب المباحث الفيدرالي التي ظهرت عام 1998 وتقرير السنوات الخمس، فإن تفجير مركز التجارة العالمي في عام 1993على يد ارهابيين اجانب، يكشف بوضوح الجهود الرامية لاستهداف اميركا والاميركيين. كما ان فتوى اسامة بن لادن الداعية الى قتل الاميركيين في اي مكان في العالم لم تدع مجالا للشك ان الهجمات الارهابية داخل الولايات المتحدة مرجحة مثل تلك التي وقعت في السعودية وشرق افريقيا واليمن وفي اماكن اخرى. والامر الاكثر اقناعا هو ان الجهود الفاشلة لاحمد رسام وشركائه لتنفيذ عملية ارهابية شاملة داخل الولايات المتحدة في نهاية 1999 جعلت مكتب المباحث الفيدرالي يركز على حماية الامن الداخلي. وحقا فإن تحقيقات مكتب المباحث الفيدرالي بخصوص نسف المدمرة كول وجهود وكالة الاستخبارات المركزية في الخارج ادت الى قناعة بأن مخطط رسام لهجمات الالفية على الساحل الغربي للولايات المتحدة كان مخططا له ان يتوافق مع غيره من عمليات القاعدة في الاردن واليمن. وقد تم منع تنفيذ عملية الاردن بجهد وكالة الاستخبارات المركزية مع المخابرات العامة الاردنية. وكان الانتحاريون التابعون للقاعدة الذين نسفوا المدمرة كول ينوون من قبل مهاجمة سفينة حربية اميركية اخرى (سوليفانز) التي كانت ترسو في نفس الرصيف الذي استخدمته كول في اكتوبر عام 2000. وقد تم تأجيل الهجوم لان القارب المحمل بالمتفجرات غرق بسبب ثقل حمولته.

«وفي الوقت نفسه، كان مكتب المباحث ناشطا بدرجة كبيرة في التركيز على التهديدات الارهابية ضد الاميركيين في الخارج. وقد اشرت لمعظم هذه النشاطات. وفي بداية عام 1993، وبعد فترة قصيرة من تعييني مديرا، قررت ان حماية الاميركيين بالداخل، تتطلب من مكتب المباحث زيادة دوره الدولي والاتصال مع هيئات تطبيق القانون والهيئات الامنية بالخارج. وصممت على ان تطبيق برنامج فعال لمكافحة الارهاب يحمي الاميركيين في منازلهم واماكن عملهم، يتطلب ان يكون لمكتب المباحث عملاء في القاهرة واسلام اباد وتل ابيب وانقرة والرياض وغيرها من المواقع الهامة حول العالم. وفتحنا مكاتب تمثيلية في هذه الدول لتقوية برنامجنا لمكافحة الارهاب. ان التحالف الهام والشراكة مع هيئات تطبيق القانون والهيئات الامنية في تلك الدول افادنا افادة هائلة وحمى هذه الامة وشعبنا من اعمال الارهاب».

واضاف فريه «وقد تمكنا فيما بعد من فتح مكاتب في عمان والماآتا (عاصمة كازاخستان) ونيودلهي وعندما تركت مكتب المباحث في يونيو 2001 كانت لدي طلبات لتأسيس مكاتب في 13 دولة اخرى، بعدما زدنا الوجود الخارجي لاكثر من الضعف، من 19 الى 44 مكتبا. وقد شعرت بالسعادة مؤخرا لمعرفة ان طلباتي السابقة بفتح مكاتب في تونس وكوالالمبور وتبليسي وصنعاء وابوظبي تمت الموافقة عليها. ويجب ان يكون لمكتب المباحث الفيدرالي مثل هذا الوجود والقدرات لتنفيذ سياسة فاعلة في مجال مكافحة الارهاب ولاسيما عندما يتعلق الامر بمنعه».

«وفي ما يتعلق بالتحقيق حول تفجير الخبر عام 1996، فهو يعتبر نموذجا على نجاح مكتب المباحث في مكافحة الارهاب بفضل العلاقات القوية بشركائنا في الدول الاخرى. كما يشير التحقيق كذلك الى القيود التي تحول دول التعامل مع مثل هذه الافعال كقضايا جنائية. فعقب ذلك الهجوم الارهابي الذي وقع في 25 يونيو 1996 واسفر عن مقتل 19 اميركيا وجرح مئات آخرين، تلقى المكتب تعليمات بإجراء تحقيق جنائي شامل. وبالعمل في تعاون وثيق مع البيت الابيض ووزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية الاميركية ووزارة الدفاع، قمت بسلسلة من الزيارات الى المملكة العربية السعودية بغرض توسيع تحقيق المكتب. وبسبب إجراء اتصالات المكتب السابقة مع الشرطة السعودية ووزارة الداخلية من خلال مكاتب الجهاز في روما والقاهرة، في وقت لاحق، كان المكتب يفتقر الى اتصال فاعل او علاقة مع نظرائه في الرياض». «لحسن الحظ، تمكن مكتب المباحث الفيدرالي من إقامة علاقة عمل فاعلة مع وزارة الداخلية والشرطة السعودية. وعقب العديد من الرحلات والاجتماعات مع القيادة السعودية وعلى وجه الخصوص مع الامير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية. وفي إحدى الحالات تمكنت السلطات الكندية استنادا الى معلومات سعودية من إلقاء القبض على احد المتهمين بالتورط في تفجير الخبر وجرى تسليمه في وقت لاحق الى الولايات المتحدة ثم سلم فيما بعد طبقا لقرار النائب العام الاميركي الى المملكة العربية السعودية. وحصل مكتب المباحث الفيدرالي على درجة من التعاون غير المسبوق والبالغ الاهمية عن طريق التدخل الشخصي للامير نايف. وكانت العقبات والمعوقات القانونية تظهر من وقت لآخر، وكان ذلك متوقعا لاختلاف النظامين القانونيين والاجرائيين. وكادت القضية تنهار عندما طلب المكتب التحدث مباشرة الى ستة من المواطنين السعوديين المعتقلين بالمملكة من الذين اعترفوا بمشاركتهم في تفجيرات الخبر. وكان واحدا من اولئك المواطنين، من الذين اعيدوا الى المملكة من بلد آخر، يملك معلومات هامة تورط مسؤولين ايرانيين كبارا في التخطيط لهذه التفجيرات وتمويلها وتنفيذها. فالادلة التي تم الحصول عليها تشير بقوة الى ان تفجيرات 1996، وافق عليها ومولها وادارها مسؤولون كبار بالحكومة الايرانية. ووضح ان وزارة المخابرات والامن والحرس الثوري الايراني متورطة في هذه التفجيرات. وكان الذين قاموا بالتفجيرات قد تلقوا تدريبات بوادي البقاع من قبل الايرانيين. ولكن للاسف فان بعض المتهمين ما يزالون هاربين من العدالة ويتوقع انهم مقيمون حاليا بايران.

ولكن تفجيرات الخبر كانت تمثل خطرا على الامن القومي يفوق مقدرات وصلاحيات اف بي آي او حتى وزارة العدل. فليس من سلطات مدير مكتب المباحث، او وزير العدل ان يحدد رد الفعل الاميركي على هذا الخطر الكبير. ومع ان تفجيرات الخبر برهنت، من جانب، على كفاءة المكتب، عندما يعمل في تعاون مع الاجهزة الاجنبية، ومقدرته على العمل في ظروف بالغة الدقة والصعوبة لمتابعة القضايا الجنائية، الا انها برهنت من ناحية اخرى على ان عملا من اعمال الحرب ضد الولايات المتحدة، سواء ارتكب من قبل منظمة ارهابية او دولة اجنبية، لن يحظى الا بعمل محدود من قبل مكتب المباحث. فالوكالة لن تفعل اكثر من رفع قضية ضد اولئك الذين وجدوا ملاذا لا تطالهم فيه قبضة القانون».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»