الحركة الأصولية تنمي المشاعر المعادية للوجود الأميركي في الكويت

TT

حاول محمد المليفي، رئيس قسم الاعلام والعلاقات العامة بوزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية الكويتية إخفاء ابتسامة، لكنه لم يتمكن عندما سئل عما اذا كان يؤيد الهجمات الارهابية على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر (ايلول) 2001، ثم اجاب قائلا: «سأكذب عليك اذا قلت انني لم اكن سعيدا بالهجوم». واضاف المليفي ان الكويتيين كانوا سعداء بما حدث للولايات المتحدة وانه حضر حفلات اقيمت للاحتفال بما حدث. واردف قائلا: «شاهدنا في ذلك الوقت اميركا تعاني لبضعة ثوان ما ظل يعاني منه المسلمون لزمن طويل».

موقف المليفي ازاء ما حدث يمثل وجهة نظر شائعة في اوساط المسلمين في هذه المنطقة، لكن الغريب في الامر ان يأتي هذا الرأي من شخص انقذت الولايات المتحدة بلده من الهيمنة العراقية عام .1991 وعلى الرغم من ان وجهة نظر المليفي لا تعتبر وجهة نظر الاغلبية ازاء هذه القضية، فإن آراءه تمثل نموذجا لمشاعر العداء لأميركا وهي ظاهرة تنتشر بازدياد وسط الكويتيين.

اما طلال العمر (40 عاما)، الذي يعمل مؤذنا في احد احياء الطبقة الوسطى بالعاصمة الكويت، فقد قال انه يعاني من «ازدواجية في الرؤية بالنسبة الى الولايات المتحدة الاميركية». فهو ككويتي، كما يقول، «يقبل بالوجود الاميركي في الكويت لكنه يرفض ذلك كمسلم». وهذه الازدواجية في الموقف غذتها الحركة الاصولية المتنامية في الكويت، اذ ان هذه الحركة تشعر بالاستياء ازاء الوجود الاميركي في الكويت والغضب تجاه المعاملة التي يتعرض لها الفلسطينيون من اسرائيل التي تعتبر في نظرهم دمية للولايات المتحدة. وتضافر هذه العوامل هو الذي دفع مواطنين كويتيين الى تنفيذ هجوم انتحاري هذا الاسبوع اسفر عن مقتل جندي اميركي تابع لمشاة البحرية الاميركية وجرح آخر. ويقول مسؤولون في الحكومة الكويتية ان الهجوم نفذ بمساعدة متشددين آخرين يخططون لشن هجمات اكبر حجما. ولم يتضح حتى الآن ما اذا لهم علاقات مباشرة بتنظيم «القاعدة» بزعامة اسامة بن لادن. ويعتقد المليفي ان الهجمات لن تتوقف عند الهجوم الأخير، فالكثير من الكويتيين اعتبر المسلحين الذين نفذا الهجوم شهيدين. وطبقا لما ذكره العديد من الذين حضروا جنازة الرجلين، فإن الجنازتين لم تغسلا على اعتبار ان القتيلين شهيدان. كما ان الكثير من المشيعين رفضوا الصلاة على القتيلين لأن الشهداء في الاسلام لا يصلى عليهم. وقال جابر الجلاهمة، الذي تحدث خلال التشييع مخاطبا المشيعين ان الهجوم «رسالة الينا جميعا»، ووصف القتيلين بأنهما «افضل منا» لأنهم «وقفوا في وجه الذين يغتصبون حقوقنا»، على حد قوله. ورفض الجلاهمة التحدث مع مراسل غربي قائلا ان «الاميركيين شياطين».

وعلى الرغم من وجود امتنان لدى الكويتيين تجاه الولايات المتحدة لإخراجها القوات العراقية من الكويت، فإن هناك من يرغب الآن في انسحاب القوات الاميركية من المنطقة. وبعضهم يوجه اللوم الى الولايات المتحدة لعدم اطاحتها صدام حسين عام 1991 اعتقادا منهم بأن واشنطن تركته في السلطة لكي تجد مبررا لتعزيز وجود قواتها في الكويت. والقليل فقط يؤيد غزو القوات الاميركية للعراق الآن، رغم ان الولايات المتحدة ستستخدم الكويت في الغالب كقاعدة خلال أي حرب.

والملاحظ ان الازدواجية والتناقض في الآراء ازاء الولايات المتحدة موجودة ايضاً وسط المسلمين المعتدلين. فالسياسيون الاسلاميون اصبحوا قوة سياسية رئيسية في الكويت وباتوا يشكلون ثلث اعضاء مجلس الأمة الكويتي.

ولعل الهجوم الاخير الذي وقع في دولة مثل الكويت، يعكس جانبا من عمق واتساع مشاعر العداء للولايات المتحدة المتزايدة وسط الشباب العرب في مختلف دول المنطقة. وفي هذا الجانب قال المليفي: «اذا اقدم الكويتيون المدللون والاثرياء الذين نشأوا وسط غمرة التأييد لاميركا عقب حرب الخليج على شن مثل هذا الهجوم، تخيل ما يمكن ان يفعله مقاتل يمني فقير».

والمليفي نفسه يعتبر نموذجا للتغيير الجذري في المواقف تجاه الولايات المتحدة منذ حرب الخليج الثانية. فعقب غزو صدام حسين للكويت عام 1990، قضى المليفي ثلاثة اشهر في السجون العراقية بتهمة التجسس بسبب العثور على كاميرا تصوير في سيارته، واضطرت اسرته الى رشوة القضاة العراقيين لإطلاق سراحه وعاد الى الكويت مع بداية الحرب. وعلى الرغم من ان المليفي كان في الثامنة عشرة من عمره في ذلك الوقت، فإنه لم يشارك في القتال ضد العراق لأنها لم تكن حربا اسلامية، على حد قوله. واضاف انه بعد الحرب شعر «بحب اميركا». وكان السبب لتغيير توجهه هو دعم الولايات المتحدة لاسرائيل وسيطرة تلك الدولة على القدس.

ووقف في منزله يتصفح بفخر ارشيفه الخاص بمطبوعات «القاعدة»، الذي يضعه في غرفة صغيرة مغلقة ذات باب كهربائي منزلق. واشار الى توقيع بن لادن على بعض الوثائق. وعرض مجموعة من الصور للمتحدث باسم بن لادن وهو سليمان ابو غيث خلال زيارته لمنزل. وقال المليفي انه ليس من اعضاء القاعدة ولكنه «قريب من افكارها». وشعر بتوتر بخصوص سؤال عما اذا كان على اتصال بالجماعة، معتبراً ان هذا السؤال لوكالة الاستخبارات المركزية، ولكنه ادعى علمه بخططها.

وقال ان الشبكة قد اجلت عملية كبيرة تتفوق على هجمات 11 سبتمبر، بحيث تقع بعد اي غزو اميركي للعراق، عندها ستحظى اي ضربة ضد الولايات المتحدة بمعظم الدعم في العالم العربي.

وقال المليفي انه كان قريبا من الشابين اللذين قتلا الجندي الاميركي هذا الاسبوع، لكنه نفى علمه بأية معلومات مسبقة عن الهجمات. وقال انهما حضرا اليه لمساعدتهما في اوائل العام الحالي بعد التحقيق معهما وتعرضهما للتعذيب على يد ضباط الامن الكويتيين. وقال انهما اعتقلا فور عودتهما من محاولة فاشلة للوصول لافغانستان، حيث كانا يرغبان في المشاركة بالمعارك الى جانب طالبان.

وطبقا للمليفي، فقد شارك الشابان في المعارك في الشيشان والبوسنة وقضيا بعض الوقت في افغانستان، ولكن تم ايقافهما خلال محاولتهما عبور الحدود الايرانية في اخر رحلة لهما واعيدا للكويت.

وقال ايضا انه يعتبر الشابين شهيدين، وتلا آيات من القرآن بخصوص الأجر الذي سيتلقاه الشهيد في الآخرة. «وقال اود الموت شهيدا ايضا».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»