عملية مسرح موسكو: الخاطفون 50 مقاتلا نصفهم من النساء وبوتين يلمح لـ«القاعدة» ويقول إن العملية دبرت في الخارج

الخاطفون: سنفرج عن 100 رهينة إذا سلمتمونا الحاج قادروف وندعو لوقف العمليات في الشيشان

TT

في اطار اكبر عملية اختطاف في تاريخ روسيا الحديثة يواصل ما يقرب من 50 من المقاتلين الشيشان نصفهم من النساء منذ مساء اول من امس احتجاز زهاء سبعمائة من الرهائن بعد نجاح ما يقرب من 150 في الهرب عبر نوافذ المسرح الموسيقي جنوب شرقي العاصمة موسكو. وكان المقاتلون قد وصلوا الى المكان على متن حافلة مزودين بالرشاشات والاسلحة الخفيفة، وسرعان ما اقتحموا المبنى ليفرضوا سيطرتهم على المكان، مطلقين الاعيرة النارية في الهواء، ومعلنين احتجاز الرهائن الى حين تنفيذ السلطات الروسية لمطالبهم. ورغم مضي الوقت لم يفصح المختطفون عن مطالبهم الا مع صباح امس حين اعربوا عن استعدادهم لاستقبال سفراء الولايات المتحدة وكندا وسويسرا والنمسا ويوغوسلافيا والمانيا وفرنسا والدنمارك وكندا وبلدان اخرى لتسليم مواطنيهم المحتجزين، الا انهم سرعان ما رفضوا استقبالهم بحجة عدم التزامهم بالوصول في الوقت المحدد. وتضاربت مطالب المختطفين بشأن اجراء المفاوضات حول الافراج عن الرهائن وعادوا ثانية للاعلان عن استعدادهم لاستقبال بوريس نيمتسوف وايرينا خاكمادا زعيمي «تحالف قوى اليمين» المعروف بتعاطفه مع القضية الشيشانية، وتأييده لاجراء المفاوضات لوقف الحرب في الشيشان.

وفيما اعلن الرئيس فلاديمير بوتين عن الغاء زيارته التي كانت مقررة امس لكل من برلين ولشبونة، سارع لعقد اجتماع عاجل لمجلس الامن القومي لبحث تطورات الازمة، معلنا ان الحادث من تدبير جهات خارجية كانت اول من اعلن عن وقوعه.

وربط المراقبون بين هذا التصريح وما يقال حول ان عملية اختطاف الرهائن من تدبير جماعة «القاعدة» التي ترتبط بالمقاتلين الشيشان، واعتبارها حلقة في سلسلة العمليات التي بدأت في 11 سبتمبر (ايلول) عام 2001. وفي الوقت الذي ظهرت فيه المدرعات في شوارع العاصمة الروسية، واعلان اجهزة الامن عن رفع درجة استعداد قواتها في موسكو وبقية المدن الروسية، اعلن مجلس الاتحاد عن استعداده لبحث اعلان حالة الطوارئ في العاصمة، اذا طلب الرئيس ذلك، كما اعلن سيرجي ميرونوف رئيس المجلس عن رفضه اي فكرة للمباحثات مع المختطفين منتقدا اداء اجهزة الامن والداخلية.

غير ان التوجه العام للاوساط السياسية والاجتماعية يظل في اطار ضرورة التفاوض مع المختطفين حفاظا على حياة الرهائن، الذين كشف شهود عيان عن وجود ثلاثين طفلا بينهم، منهم عشرة اطفال كانوا من المشاركين في العرض الموسيقي المسرحي.

وأفرج المختطفون عن احدى الرهائن التي قالت انها مخولة باسم مئات المحتجزين لتلاوة بيان ناشدت فيه السلطات الروسية وقف الحرب في الشيشان، واقرار السلام هناك وعدم اللجوء الى القوة لحل الازمة الراهنة.

وفي الوقت الذي رفض فيه المختطفون عرضا من يوري لوجكوف عمدة العاصمة لاحتجازه بدلا من الرهائن، اعربوا عن استعدادهم للافراج عن 50 الى 100 رهينة، مقابل تسليمهم الحاج احمد قادروف رئيس الادارة المؤقتة للشيشان الموالية لموسكو، الذي يصفه المقاتلون الشيشان بالخيانة، فيما استقبلوا نائب مجلس الدوما والفنان المعروف يوسف كوبزون، الذي نجحت وساطته في الافراج عن خمسة من الرهائن منهم ثلاثة اطفال. واستجابة لمطلب المختطفين وصلت ايرينا خاكمادا نائبة رئيس مجلس الدوما وممثلة تحالف قوى اليمين، لكنها فشلت في اقناعهم بالافراج عن اي من الرهائن، وإن اشارت الى استعدادهم لقبول اطباء اجانب لمساعدة المرضى من المحتجزين. وكشفت عن وجود رهينة اردني بين الاجانب المختطفين، لكنها لم تكشف عن أي معلومات عنه. وقالت خاكمادا انها مخولة بنقل مطالب المختطفين الى الكرملين.

ورغم عدم اعتراف السلطات الروسية بوقوع ضحايا في هذه العملية كشفت مصادر المقاتلين الشيشان عبر موقعهم على شبكة الانترنت عن مقتل امرأة قالوا انها اصرت على الدخول، مما دفع المختطفين الى قتلها خشية ان تكون مصدرا للمخابرات الروسية، الى جانب شرطي حاول التسلل الى المبنى في هيئة مخمور ضل الطريق! وكان الناجون قد كشفوا عن وجود آثار دماء في ردهة المسرح، فيما تعالت اصوات انفجارات وطلقات نارية داخل المبنى.

وكان المختطفون قد طالبوا بالتفاوض مع ممثلي «الهلال الاحمر» ومنظمة «اطباء بلا حدود»، وقبول التفاوض مع الصحافية الروسية أنّا بوليتكوفسكي المعروفة بتعاطفها مع الشيشان ورفضها لاستمرار العمليات القتالية هناك.

وكان بوتين الذي اعلن مساء امس عن اعتذاره عن المشاركة في قمة الثمانية الكبار في المكسيك، وايفاد رئيس حكومته ميخائيل كاسيونوف بدلا منه على رأس الوفد الروسي، قد استقبل ممثلي الاوساط الدينية الاسلامية، حيث قال لهم ان العملية الاخيرة تهدف الى زرع عدم الثقة واثارة النزاعات الطائفية، ورد عليه رئيس الادارة الدينية بتأكيده «ان الاسلام لا علاقة له بمثل هذه الحركات المتطرفة».

وكانت مصادر المقاتلين قد كشفت ان المختطفين طالبوا الكرملين بوقف العمليات القتالية في الشيشان، وجلاء القوات الروسية من هناك في غضون سبعة ايام.

ومع حلول مساء امس اعترفت السلطات الرسمية بمقتل امرأة واحدة، وقالت انها كانت بين الرهائن، وجرى تسليم جثمانها الى طبيبين أردنيين، مما يؤكد ما اعلنه المقاتلون الشيشان حول قتل امرأة كانوا قد اعربوا عن شكوكهم بشأن صلتها بالمخابرات الروسية، تسللت لجمع المعلومات.

وكان ممثلو الجالية الشيشانية والاسلامية قد سارعوا الى التحذير من مغبة هذه العملية واقترح الكثيرون منهم تسليم انفسهم كرهائن، بدلا من الموجودين في القاعة، مؤكدين انهم صاروا «رهائن» لمثل هذه الاعمال غير المسؤولة.

وأمس قال الناطق باسم خلية الأزمات الروسية ألكسندر ماتشفسكي: «إن الرهائن ليسوا في وضع جيد جدا.. أعني، أنها قاعة حفلات موسيقية وكما يمكنكم أن تتخيلوا، فإن الناس ليسوا سعداء جدا». وقالت مصادر روسية ان ثلاثة بريطانيين من بين الرهائن، بالإضافة إلى ثلاثة ألمان،ونمساوي، وهولندي وأميركي. وكان الخاطفون قد أبلغوا وكالة «قوقاز ـ سنتر» للأنباء التابعة للمقاتلين الشيشان في اتصال هاتفي بأنهم بصدد «إجراء استعدادات لإطلاق سراح 30 أجنبيا» ويحذرون القيادة الروسية من إطلاق النار على الرهائن. وكان عشرات من المقاتلين الشيشان المدججين بالسلاح اقتحموا مساء اول من أمس الأربعاء مسرحا في جنوب موسكو كان يعرض مسرحية موسيقية روسية شهيرة تعرف باسم «نورد ـ أوست». وقال مصدر غربي في موسكو إن المقاتلين نجحوا في لفت انتباه العالم إلى قضيتهم، وهي معاناة الشعب الشيشاني خلال عقد تقريبا من الحروب. وقد شن الانفصاليون في منطقة الشيشان ذات الأغلبية السكانية المسلمة حربين ضد روسيا، بما في ذلك حملة حرب العصابات الدائرة منذ ثلاث سنوات، وبعض الجماعات الشيشانية كانت ضالعة في عمليات احتجاز رهائن فيما مضى. وقالت مصادر روسية ان المهاجمين أطلقوا سراح الأطفال والمسلمين فور احتجازهم للرهائن.

وقال احد الخاطفين لهيئة الاذاعة البريطانية انهم (الخاطفين) سيبادرون إلى قتل رهائنهم في غضون أيام في حالة عدم أخذ مطالبهم على محمل الجد. وأبلغ المقاتلون وكالة «قوقاز ـ سنتر» بأنهم أطلقوا النار على ضابطة في جهاز الأمن الفيدرالي حاولت دخول المسرح متجاهلة تحذيراتهم وأصابوها.

وقال مفاوض روسي ان المسلحين لن يطلقوا سراح المزيد بعد أن أفرجوا عن نحو 150 رهينة بعد قليل من سيطرتهم على المسرح مساء أمس الاول، ثم عن خمسة اخرين بينهم ثلاثة أطفال صباح امس. وقال يوسف كوبزون عضو البرلمان: «عندما سألتهم الافراج عن اخرين قالوا انهم سمحوا بالفعل بخروج أصغر ثلاثة ولن يطلقوا سراح آخرين».

وقالت النائبة اليمينية ايرينا خاكمادا التي اجتمعت مع المسلحين داخل المسرح انها ستتوجه الى الكرملين للقاء بوتين.

وقال مراقبون إن الأزمة تشكل إذلالا للرئيس الروسي الذي ألغى زيارة مزمعة إلى ألمانيا والبرتغال. وحاول سياسيان روسيان متحدران من أصل شيشاني، هما أصلان بك أصلاخانوف ورسلان حسبولاتوف، التوسط ولكنهما لم يحققا أي تقدم. وقال ألكسي فولين، وهو مسؤول حكومي روسي إن القوات الأمنية لديها أولويتان: إنقاذ الرهائن وعدم تقديم تنازلات للمهاجمين. ورفض فولين، الذي أكد أن جهاز الأمن الاتحادي قام بالاتصال بالجماعة، فكرة أن محتجزي الرهائن يمكن أن يفرضوا جديا انسحابا من الشيشان. واضاف: «احتجاز الرهائن لا يوقف الحروب، إنه يؤجج أوارها أكثر».

وقالت امرأة من بين الرهائن، هي تاتيانا سولنيشكينا، للتلفزيون الروسي بأن المهاجمين كانوا مستعدين لقتل 10 رهائن مقابل مقتل أي واحد منهم في حالة تدخل القوى الأمنية. ودعت رهينة أخرى، هي الطبيبة الأخصائية بأمراض القلب ماريا شكولنيكوفا، إلى تدخل دولي لإنهاء الأزمة. وقالت شكولنيكوفا: «نحن بحاجة إلى دفع المجتمع الدولي للتدخل في هذا الوضع ونحن بحاجة لمشاركة صحافيين بهذا الأمر من دون أسلحة». وأردفت: «أرجوكم، لا تقتحموا المبنى، إذ أن المهاجمين لديهم كمية كبيرة من المتفجرات».

وأفاد شهود آخرون من الذين فروا من المسرح، أو أطلق سراحهم برؤيتهم لرجال ونساء يربطون متفجرات حول أجسادهم ويحملون بنادق رشاشة. ومعلوم ان جمهورية الشيشان التي تقطنها غالبية مسلمة في جنوب روسيا أعلنت استقلالها في عام .1991 وقتل عشرات الآلاف من الشيشان في حربين متتاليتين من أجل الاستقلال.