الولايات المتحدة تبدأ حملة دعائية بأشرطة فيديو لتحسين صورتها في العالم الإسلامي

الأشرطة تصور حياة مدرسة لبنانية وطبيب جزائري وخباز ليبي في أميركا

TT

من المقرر ان تظهر راوية اسماعيل، وهي معلمة نشطة تعمل في احدى مدارس مدينة توليدو بولاية اوهايو الاميركية، على شريط فيديو حكومي كان من المقرر ان يعرض لأول مرة امس على شاشات التلفزيون في اندونيسيا التي تعتبر اكبر دولة اسلامية من حيث عدد السكان.

وتظهر راوية، التي اعتادت وضع غطاء الرأس، مع اطفالها الثلاثة في مطبخها الاميركي ثم في مباراة مدرسية لكرة القدم الاميركية وأمام تلاميذها داخل حجرة الدراسة وهي تطري القيم الاميركية، مؤكدة انها «لم تواجه أي تمييز في أي مكان في الحي بعد 11 سبتمبر (ايلول) 2001».

وظهور راوية اسماعيل، اللبنانية المولد، كسيدة تمارس شعائرها الدينية كمسلمة في الولايات المتحدة بكل سهولة، يمثل جزءا من الصور التي تحاول ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش ان تعكسها للعالم الاسلامي كنموذج ودليل على ان الولايات المتحدة ليست في حرب ضد الاسلام.

وهذه الرسالة المتضمنة في اربعة اشرطة فيديو حول المسلمين الاميركيين والتي من المقرر ان تعرض في اندونيسيا بالإضافة الى دول مسلمة اخرى، تحاول عكس قيم التسامح داخل الولايات المتحدة فضلا عن سعيها الى الوصول الى الخارج. غير ان الذين شاهدوا هذه الاشرطة ابدوا شكوكهم حول ما اذا كانت حياة المسلمين في الولايات المتحدة تتميز بالإشراق والتفاؤل الذي يعكسه الشريط.

وتمثل مجموعة الاشرطة المذكورة جزءا من حملة رئيسية جاءت فكرتها من شارلوت بيرز، وكيلة وزارة الخارجية لشؤون الدبلوماسية العامة، بغرض الترويج لصورة ايجابية للولايات المتحدة لتبديد مخاوف المتشككين في العالم الاسلامي ازاء الولايات المتحدة.

وتنقل الاشرطة تجارب وقصص مجموعة من المسلمين في الولايات المتحدة من ضمنهم الطبيب الجزائري المولد إلياس زرهوني الذي يعمل في «معاهد الصحة الوطنية»، والخباز الليبي الاصل عبد الله حمودة بتوليدو، ومسلم اميركي المولد يدعى فاروق محمد يعمل بالقسم الطبي التابع لقوات مطافئ نيويورك، بالإضافة الى المعلمة راوية اسماعيل.

والنظرية المتضمنة في اشرطة الفيديو الاربعة، بالإضافة الى الصحف والاعلانات الصحافية والاذاعية التي ستتزامن معها، هي ان الولايات المتحدة مكان اساء الآخرون فهمه. وفي واقع الامر، فإن المعنى الضمني للرسالة هو ان اميركا تعترف بالاسلام كدين مهم وواحد من الاديان التي تشهد اقبالا متزايدا.

ومن ضمن الجوانب الاخرى لهذه الحملة الاميركية محطة اذاعة «سوا» التي توجه بثها الاذاعي الى العالم العربي وتبث موسيقى واغاني بالعربية والانجليزية بالإضافة الى انباء تذاع كل ساعة من وجهة النظر الاميركية. ويضاف الى ما سبق ان اكاديميين مسلمين من القارة الآسيوية زاروا الولايات المتحدة ضمن برنامج جولة دراسية بالإضافة الى زيارة ما يزيد على 20 من مديري المدارس الاندونيسية الولايات المتحدة صيف هذا العام.

وتباينت وجهات النظر في اوساط بعض من شاهدوا الاشرطة في احتفال ببدء بثها حضره السفير الاميركي في جاكرتا رالف بويس وعدد من الصحافيين والاكاديميين الاندونيسيين.

اما في اوسط وزارة الخارجية الاميركية، فقد اوضح مسؤولون ان بعض الدبلوماسيين الذين عملوا في بعض بلدان العالم الاسلامي انتقدوا الاشرطة قبل بثها بسبب لهجة التعالي والتبسيط المتضمنة فيها. واضاف المسؤولون ان تعديلات قد اجريت على الاشرطة، لكنها اعتبرت في نظر المشاهدين الحاليين غير كافية.

ويقول منتقدو هذه الاشرطة انها لا تحتوي على مشاهد تتضمن مسلمين من منطقة جنوب شرقي آسيا رغم ان الشريط عرض في هذه المنطقة، اذ يعتقد عدد من الذين شاهدوها ان وزارة الخارجية الاميركية تظن في ما يبدو ان وجود المسلمين يقتصر فقط على الدول العربية والمهاجرين الى اميركا. بيد ان ابرز انتقاد جاء من مقدم البرامج التلفزيونية والمحلل السياسي الاندونيسي رزال مالارانجينج، الذي قال ان محتوى الشريط اغفل التعقيدات المتعلقة بالعيش كمسلم في الولايات المتحدة. وقال مالارانجينج ان له اصدقاء مثل الاشخاص الذين ظهروا في شريط الفيديو يرغبون في العيش كمسلمين واميركيين في نفس الوقت، أي اتباعهم نمط عيش يجمع نموذجين. بيد ان المهم في الامر، حسبما يعتقد مالارانجينج، هو النجاح في حل النزاع المستمر.

ويرى مالارانجينج كذلك ان هناك مسائل واضحة ومباشرة مثل كيفية اداء الطالب المسلم لصلواته خلال اليوم الدراسي، وكيفية ايجاد الطالب مكاناً للصلاة. واضاف انه يدرك ان لا مكان للدين في مدارس مرحلة التعليم العام في الولايات المتحدة، ولكن «ماذا يقول الوالد المتدين لطالب مسلم في البيت حول هذه القضية؟»، على حد تساؤله.

وبعض الذين شاهدوا الاشرطة يعتقد ان تركيزها على عكس صورة تسامح كلي وشامل في الولايات المتحدة يجعلها اقرب الى الدعاية. ويقول فاروق محمد، احد الشخصيات المسلمة المشاركة في الاشرطة وهو يعمل بمطافئ بروكلين، انه يعمل مع زملاء ينتمون الى الديانات الهندوسية والمسيحية واليهودية، مؤكدا سيادة الشعور بالإخاء وسط العاملين والعاملات. اما الدكتور زرهوني، فيؤكد في الجزء الذي ظهر فيه على شريط الفيديو ان «التسامح والدعم الذي تلقاه شخصيا امر غير عادي». ويضيف ان القبول والترحيب الذي يجده مختلف الاشخاص من مختلف الدول كأعضاء في المجتمع الاميركي، لا يوجد في أي دولة اخرى.

اما روزيتا نور، التي اكملت لتوها الدراسة بجامعة هارفارد، فتعتقد انه من الصعب الترويج للمشاهد التي تضمنتها اشرطة الفيديو. فهي لا تزال تتذكر العبارات القاسية التي قيلت حول المسلمين بعد هجمات سبتمبر.

ويرى محمد رسمادي، الصحافي بصحيفة «راقيات مرديكا» الاندونيسية، ان «مدى نجاح هذه الاشرطة في إقناع المواطن الاندونيسي المتشكك، يتطلب إظهار مسلمين اميركيين يتعايشون جنبا الى جنب مع اتباع الديانات الاخرى». فمن الافضل، طبقا لوجهة نظره، رؤية اميركيين مسلمين يتعاملون مع يهود اميركيين. ويرى ايضا انه من الافضل للمسؤولين الاميركيين التوجه الى المدارس الاسلامية لشرح قضيتهم بصورة مباشرة للطلاب.

واعرب آخرون عن اسفهم لإغلاق الولايات المتحدة مركزها الثقافي خلال فترة منتصف التسعينات، وهو المكان الذي اعتاد الكثيرون فيه القراءة والدراسة في جو ودي.

ويعتزم مسؤولو وزارة الخارجية الاميركية عرض نفس الاشرطة في عدد من الدول المسلمة. إلا ان مصر، على سبيل المثال، رفضت عرض هذه الاشرطة بواسطة محطات التلفزيون على اساس عدم قبول البرمجة المدفوعة من دولة اجنبية، حسبما اوضح دبلوماسي اميركي في القاهرة، مؤكدا ان سفارة بلاده لا تزال تتابع هذا القضية.

اما في باكستان، فإن البرنامج لم يعرض بعد على التلفزيون الحكومي بسبب عدم وضوح الاوضاع غداة الانتخابات الاخيرة التي اظهر الاسلاميون فيها تقدما مفاجئا.

ومن جانبهم، قال مسؤولو وزارة الخارجية الاميركية ان اختيار اندونيسيا كأول دولة مسلمة تعرض فيها هذه الاشرطة جاء على اساس انها تأتي في المرتبة الاولى في العالم الاسلامي من ناحية عدد السكان. ومن المقرر بث الاشرطة الاسبوع المقبل في ماليزيا المجاورة.

ولا تزال المناقشات جارية حول عرض الاشرطة في عدد من الدول بمنطقة الشرق الاوسط، بما في ذلك دول منطقة الخليج، بيد ان مسؤولا بالخارجية الاميركية أشار الى عدم وجود خطط في الوقت الراهن لعرض الشريط في السعودية. ويأمل المسؤولون في عرض الشريط في الاردن، إلا ان الجهات المعنية لم تصدر جدولا محددا لذلك.

وجدير بالذكر ان هذه الاشرطة ستبث عبر قنوات التلفزيون المملوكة للدولة، ومن الضروري ان تنال مصادقة الجهات المسؤولة عن الرقابة، بيد ان هذه المهمة ستكون صعبة في الدول التي تشكل فيها السياسة الاميركية مصدرا للغضب والاستياء. وكان مسؤول بوزارة الخارجية الاميركية قد اوضح ان الشريط يركز على المشاهدين «الذين لا ينتمون الى النخبة» والذين تتراوح اعمارهم بين 15 و59 عاما. كما اوضح ان مبلغا يتراوح بين 10 و15 مليون دولار سينفق على الانتاج والبحث ورسوم البث.

وانتجت الاشرطة شركة «ماكان ـ ايريكسون» للإعلانات التجارية على اساس بحث لوزارة الخارجية الاميركية التي تأمل في مواصلة بث الشريط في اكبر عدد ممكن من الدول خلال شهر رمضان.

وجاء اختيار شهر رمضان كتوقيت مناسب لبث الاشرطة بسبب تركيز المسلمين خلاله على حياة الاسرة والحياة الروحية، وهي القضايا التي يحاول الشريط ان يعكسها. وأوضح مسؤول الخارجية الاميركي تخصيص مساع خاصة لإعطاء المشاهدين في اندونيسيا ودول اخرى في قارة آسيا ومنطقة الشرق الاوسط فرصة الرد على محتويات الاشرطة وحملة المطبوعات التي من المقرر ان ترافقها، اذ من المتوقع ان توزيع كتيب باللغات المحلية حول حياة المسلمين في الولايات المتحدة به صفحة بالجزء الاخير منه لاستخدامها في الردود التي سترسل الى صناديق بريد محلية او مباشرة الى وزارة الخارجية الاميركية. ومن المقرر ان تشارك الشخصيات التي ظهرت على الاشرطة في لقاءات ونقاشات حية على الهواء عبر الاقمار الصناعية. وأكد السفير بويس انهم سيضعون في الاعتبار الاحتجاجات التي يعتقد اصحابها ان الشخصيات التي ظهرت على الشريط لا تعدو ان تكون مظهرا خادعا للصورة المعقدة لحياة المسلمين في الولايات المتحدة.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»