أميركيون في الأردن يتحدثون عن حياتهم ومخاوفهم بعد اغتيال فولي: أحدهم يقول للناس إنه كندي وليس أميركيا

TT

اضطر البروفسور جاك ديفيز، الذي أخذ إجازة من جامعة الاباما الاميركية كي يدرّس في قسم «الدراسات الأميركية» بعمان، إلى البقاء كل اليوم محبوسا في شقته بعد أن اتصل به صديق وأخبره بأن دبلوماسيا أميركيا تم اغتياله. وقال مختصرا حالة القلق التي سيطرت عليه «لا تعرف من هو الشخص الذي يترصدك او بم يفكر». لكن مع حلول الوقت الذي كان عليه أن يذهب لتقديم محاضرته، أقنع نفسه بأنه من الأفضل له أن يساير الخطر ولا يجعل الحادثة تفسد أول سنة عمل له خارج الولايات المتحدة. ولذلك اختار الكذب وسيلة للتمويه. وقال البروفسور ديفيز «حينما يسألني الناس فيما إذا كنت أميركيا أجيبهم: لا، أنا من كندا». لكنه مع ذلك يعترف بأن هذا التضليل لا يفيد في كل الحالات، اذ صادف ذات مرة أن كان سائق التاكسي الذي اقله اقام لعشرة أعوام في مونتريال، و«لذلك بقيت مؤملا النفس ألا يبادر إلى توجيه أي سؤال آخر لأني لم أقم إلا بزيارتين قصيرتين لكندا».

وقال الن ماكنمارا وهم مدير تنفيذي لـ«مفوضية فولبرايت» ويقيم حالياً في عمّان وسبق أن عاش لأكثر من عشرين سنة في العالم العربي، «لقد مررت بالكثير من المشاعر المعادية للأميركيين التي كانت تدفعني دوماً للتأمل فيها. لدي عمل، وأؤدي مهمة أنا مقتنع بها بقوة. لكن في حال وصولي إلى وضع يصبح فيه أمن عائلتي وأمني الشخصي غير مضمون، سأعود إلى الولايات المتحدة. انني آمل ألا يأتي أبدا ذلك اليوم».

والخطر الكامن الذي ظل يواجه الأميركيين والكثير من الغربيين قد تم تجسيده في الأردن يوم الاثنين الماضي حينما قُتل لورانس فولي، 60 سنة، الذي كان يشغل منصب إداري كبير في الوكالة الأميركية للتطور الدولي، بعد إطلاق الرصاص عليه من مسافة قصيرة. ومعروف ان عمان مدينة هادئة ولا تتسم بالاعمال العنيفة. لكن الأميركيين هذا الأسبوع راحوا يفكرون بالكيفية التي سيقللون على ضوئها حضورهم المحسوس هناك.

فالفيلا التي تضم «مفوضية فولبرايت» على سبيل المثال لها الكثير من الإعلانات المكتوبة بالعربية والإنجليزية والموضوعة أمام البناية لتشير إلى المكان الذي يجتمع فيه الأميركيون. وأكبرها يشير إلى اللجنة الأردنية ـ الأميركية للتبادل التربوي. وقال ماكنمارا إن العنوان الرسمي لهذه الوكالة سيزال بالتأكيد.

وإضافة إلى ذلك، فإن ماكنمارا سيقبل بدون حماس كبير وجود حرس أمام الفيلا. فالأمور لم تسر كما يرام في المرة السابقة بالنسبة للحرس الذين ظلوا واقفين أمام المبنى عندما قامت الولايات المتحدة بقصف العراق في ديسمبر (كانون الاول) 1998، إذ قام حينها الحراس برمي نفط على المدخل المسقوف لإشعال النار تحت وطأة برد الشتاء، كما اضطروا إلى قضاء الحاجة في الحديقة بسبب غياب وجود أي مرافق صحية قريبة منهم.

وكذلك بدأ ماكنمارا هذا الأسبوع بتغيير جدول عمله، وصار كل صباح يتفحص أسفل سيارته قبل تشغيلها. كما صار يتجنب الطرق المباشرة الموصلة إلى عمله. ويقول «عليّ أن أظل أذكّر نفسي بعدم السعي للراحة على حساب الحذر».

وحينما كان ماكنمارا يعمل في مؤسسة تعليمية خاصة عام 1983 عندما كانت المشاعر متأججة بسبب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، قام شخص ما بوضع قنبلة على حافة النافذة. ولم يصب أحد نتيجة انفجارها لكن مكتبة المؤسسة تحولت إلى أنقاض. وقال ماكنمارا «انني دوماً على علم بان عملاً من هذا النوع لا يتطلب أكثر من وجود شخص أبله ومتطرف». وأضاف أن قلقه الرئيسي هو حول الأربعة عشر أميركيا الموجودين في الأردن لغرض الدراسة أو التدريس أو القيام ببحوث. واثنان من هؤلاء، ديفيس، 46 سنة، وكريستوفر وايز، 41 سنة، يمثلان كل الكادر الموجود في قسم الدراسات الاميركية بجامعة الأردن. ويعتبر هذا القسم الاول من نوعه في المنطقة.

ومشاعر المرارة التي يشعر بها بعض الطلاب تجاه الولايات المتحدة تصيب البروفيسور وايز بالارتباك. فقد قالت له احدى الطالبات في قسم الدراسات الاميركية «إن سبب دراستها في هذا القسم هو فهم عدوها». ويقول هذا الأستاذ الحاصل على اجازة مدتها سنتان من جامعته الأميركية كي يعمل في جامعة الأردن، انه يجد شوارع عمّان أفضل مكان لقياس المزاج العام في المنطقة تجاه الولايات المتحدة. ويقول وايز «حينما يلقي (الرئيس الاميركي جورج) بوش خطابا، فان الطريقة التي يتحدث بها والملابس التي يكون يرتديها اثناء القائه الخطاب والقضايا التي يقولها وتلك التي لا يقولها.. كل يترجَم مباشرة على مشاعر الناس في الشارع».

ويتذكر البروفسور وايز عندما ظهر بوش في الربيع الماضي بمزرعته مرتديا تي شيرت وهو يعلق على اعمال العنف بين الفلسطينيين والاسرائيليين. ويقول ان الأردنيين شعروا بالمهانة آنذاك معتقدين أنه بملابسه تلك لم يعط لمعاناة الشعب الفلسطيني أي قيمة. وينعكس ذلك احياناً حتى بتجاهل حراس الجامعة تحيته على الرغم من أنهم في الظروف العادية لطفاء، حسبما يقول. ويتضح الامر ايضاً مع سائقي التاكسي الذين يصرخون في وجهه عندما تقف الولايات المتحدة موقفاً سلبياً من الفلسطينيين مثلاُ. ويقول وايز انه يستطيع في العادة تخفيف حدة غضب الناس. وبعد ان القى الرئيس بوش خطابه في الأمم المتحدة لطرح حججه لإعلان الحرب ضد العراق، أصبح وايز مقتنعا بانه ليس من الحكمة إبقاء زوجته وأطفاله الأربعة في الأردن، ولذلك فانهم سيسافرون إلى الولايات المتحدة خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وتدرّس زوجته في مركز اللغة الأميركي، وهو عبارة عن مدرسة لتعليم اللغة الإنجليزية تدعمها السفارة الأميركية في عمّان.

ومن الدبلوماسيين الاميركيين المائة الموجودين في الأردن، ليس هناك إجماع حول ما إذا كان عملهم يجعلهم في وضع أقل أو أكثر أمنا. فالدبلوماسي المقتول فولي كان محميا وفق نظام يستند إلى الدوريات التي تتحرك بشكل عشوائي. وهذا النظام تعتبره البعثات الدبلوماسية الغربية في الأردن كافيا لحمايتها. وقال بعض المبعوثين إنهم يفكرون ببناء جدران أعلى للسفارات وطلب عدد أكبر من الحراس لضمان حماية أكبر لهم غير متوفرة خارج الأردن. وقال بعضهم إن أعمالهم والأمكنة التي يرتادونها بانتظام مثل الثانوية الأميركية تجعلهم أكثر عرضة للأذى.

وقال السفير الأميركي في الأردن ادوارد غنيم إنه ما زال يعتبر مستوى الحراسة للغربيين جيدا في الأردن. وقال غنيم «هذا النوع من القتل يسبب اضطرابا للناس، لكنه يكشف عما يشعر به الناس عادة من وجود أمن جيد في هذا البلد. والكثير من الغربيين، وليس الاميركيون فقط، يشعرون الآن بالتوتر».

ويقول الأميركيون الذين يعيشون في الأردن إن المشاعر المعادية للولايات المتحدة قد ازدادت كثيرا منذ بدء الانتفاضة الفلسطينية في سبتمبر (ايلول) .2000 وهم قلقون من أن تصل هذه المشاعر ذورتها اذا قامت الولايات المتحدة بهجوم ضد العراق. وشاهد الأميركيون في الاردن في أبريل (نيسان) الماضي قوات الأمن وهي تقمع المتظاهرين في الشوارع، وقالوا إنهم يعتقدون بأن الحكومة الأردنية ستقوم بالمواجهة مرة أخرى إذا استمرت مشاعر الغضب في الازدياد. لكن هؤلاء الاميركيون يدركون أنه يتعين عليهم الاعتماد على أنفسهم بالدرجة الأولى من حيث حماية انفسهم. ويقول البروفسور ديفيس «لست قلقا من محاولة اغتيال الاميركيين اذا غزت الولايات المتحدة العراق. لكنني مع ذلك سأظل أسمي نفسي كنديا».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»