حملة تستهدف مدارس البنات في أفغانستان: هجمات بالصواريخ ورسائل تهديد

الطفلة ريحانة بعد الهجوم على مدرستها: إنني خائفة لكنني سأستمر في الدراسة

TT

عثر في قرية كريم داد الواقعة جنوب العاصمة الافغانية يوم السبت الماضي على رسالة خطية تؤكد فتح جبهة جديدة مؤسفة في الصراع بين الحكومة المركزية في كابل وفلول حركة طالبان. وتحث الرسالة المجهولة، التي عثر عليها مثبتة على شجرة على بعد 50 مترا من مدرسة بنات تعرضت لهجوم مساء الجمعة الماضي، الافغان على التمرد ضد القوات الاميركية الذين «احتلوا» افغانستان و«جعلوا اخواتنا الافغانيات خادمات واماء». وتضيف الرسالة «ندعو ابناء البلاد لانقاذ اخواتهم الطاهرات وبناتهم من هذه الشبكة الكافرة. توقفوا عن تنفيذ خطط الاميركان، والا ستتعرضون لهجمات قاتلة».

وجدير بالذكر ان مدرسة البنات هي واحدة من اربع مدارس تعرضت لهجمات في ساعة متأخرة من مساء الجمعة في قرى نائية بجنوب كابل. وفي كل موقع تم العثور على نسخة من نفس الرسالة، تحمل توقيع «المجاهدون الافغان الابطال»، دون ان تشير الى اسم منظمة جديدة.

ولم يصب احد في تلك الحوادث، التي وقعت بعد انتهاء ساعات الدراسة. وقد تعرضت مدرستان الى هجوم صاروخي تسبب في احداث فوهة في جدران فصول الدراسة. بينما احرقت النيران في مدرستين اخريين السبورات والاسطح والارضيات. الا ان الهجوم المنسق على المدارس، اضافة الى الرسالة التي عثر عليها، تؤكد ان متشددين معارضين لحكومة كابل قد بدأوا حملة جديدة ضد تعليم البنات. ويذكر ان حركة طالبان كانت خلال فترة حكمها للبلاد قد حظرت معظم اشكال تعليم الاناث. إلا ان حكومة الرئيس حميد كرزاي تخلت منذ تشكيلها اواخر العام الماضي عن تلك السياسة وفتحت مئات المدارس للبنات بمساعدة منظمات الاغاثة الاوروبية.

وكانت اول اشارة على معارضة السياسة الجديدة لتعليم الاناث قد ظهرت في فصل الربيع الماضي بمدينة قندهار الجنوبية حين عثر على منشورات متروكة داخل المدارس تدعو الافغان الى «عدم التعاون مع الاجانب». وفي منتصف سبتمبر (ايلول) الماضي، انفجرت شحنة ناسفة صغيرة تحت مقعد في غرفة تغيير الملابس بمدرسة ابتدائية مشتركة في قندهار، مما ادى الى اصابة مدرس بجروح طفيفة. وفي 25 من الشهر نفسه اشعل مجهولون النار في مجموعة من الخيام تستخدم كمدرسة للبنات بالقرب من بلدة ساريبول في شمال البلاد.

الا ان الهجوم الجديد وقع في وسط افغانستان على بعد نحو 50 كيلومتراً جنوب العاصمة. واعلن مسؤولو الشرطة القبض على شخصين للاشتباه في علاقتهما بالحادث. واعربوا عن اعتقادهم بان المشتبه فيهما ينتميان لقوات طالبان او للمقاتلين الموالين لزعيم الحرب السابق قلب الدين حكمتيار.

ويبدو ان المشاركين في العملية كانت لديهم معلومات مسبقة عن المدارس. ففي واحدة من المدارس اقترب رجل مسلح من حارس في سوق قريب واحتجزه تحت تهديد السلاح خلال اطلاق الصاروخ على المدرسة.

ولكن بغض النظر عمن يقف وراء تلك الحوادث، فإن الهجوم والتهديدات لم تنجح في التأثير على الآباء والمدرسين والتلميذات الصغيرات اللائي يذهبن للمدارس، إذ تعهد العديد من هؤلاء بالاحتفاظ بالمدارس مفتوحة. وكانت ريحانة، 9 سنوات، تغطي وجهها بوشاح من الحرير الاسود وتتمتم بإجابات على اسئلة يوجهها اليها صحافي اجنبي. وكانت مدرسة ريحانة من بين المدارس التي تعرضت لهجمات الجمعة الماضية. وردت ريحانة بحسم عندما سئلت عما اذا كانت ستستمر في الذهاب للمدرسة «اني خائفة، ولكني سأستمر».

وتعكس الرسالة التي تركت بالقرب من مدرسة ريحانة فروقا فكرية وثقافية كبيرة في افغانستان، إذ يعتبر سكان كابل وعدد من المدن الاخرى اقل محافظة من القرويين الافغان، لا سيما البشتون الذين يقطنون في جنوب وشرق افغانستان. وتقليدياً، فان القبائل البشتونية في القرى النائية لا تكتفي بمنع النساء من دخول المدارس فقط وانما ايضاً من اي نوع من الاتصال مع العالم الخارجي.

ويركز كاتب الرسالة، في اكثر من مرة على فكرة الاحتلال الاجنبي. كما يصور الهجوم على المدارس بانه لا يهدف لقهر المرأة الافغانية وانما من اجل حمايتها من العادت الغربية التي تجردها من كرامتها. وتقول الرسالة «لقد خلعن ثياب الحشمة لاظهار سيطرتهن»، في اشارة الى البرقع الافغاني الذي ترتديه النساء الافغانيات.

واتهمت الرسالة المدارس بالتبشير للمسيحية، وقادة البلاد الجدد بالسماح للغربيين بالتقاط صور لـ «اخواتهم». وتنتهي الرسالة بالتعهد بملاحقة الافغان الذين يرفضون الاستجابة، اذ تقول «من لم يحترم ذلك، فانه سيتعرض الى المعاقبة من قبل المجاهدين».

غير ان هذه التهديدات ساهمت في اثارة نفور العديد من الافغان. فقد ذكر محمد جان وهو رجل عجوز سمح باستخدام أحد منازله الطينية كمدرسة محلية للبنات، انه تبرع به لاسباب علمية. وقال «يجب تعليم اولادنا، واذا لم يتعلموا فانهم سيتحولون الى لصوص». ويروي جان بفخر كيف انتقلت الفصول الى خارج المدرسة بسبب الهجوم، وكيف صارت التلميذات يشعرن بالامان وهن يجلسن تحت شجرة التوت.

واشار محمد اسلام اميري وهو شاب في الثلاثين من العمر ويعمل مع منظمة اغاثية غربية «ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم سمح لزوجته وابنته بالتعليم»، مضيفاً ان المدرسة التي تعرضت الى الهجوم تحمل اسم فاطمة، بنت النبي محمد.

وكانت التلميذات اكثر تصميما على الاستمرار في التعليم، اذ قالت بيبي صحارى «لا بد من وجود مكان لتعليم الفتيات والنساء». كما قالت ريحانة انها تريد ان تتعلم حتى تتمكن من خدمة بلادها كمهندسة تساعد في بناء العمارات. اما شقيقتها باروانا، 7 سنوات، فقالت انها تريد ان تصبح مهندسة هي الاخرى مثل اختها، لانني «اريد اعادة بناء المدرسة».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»