أميركا توجه أنظارها نحو المنشآت النووية الإيرانية

مسؤولون أميركيون وخبراء يتهمون إيران بالسعي سرا في مجمعين أحدهما تحت الأرض

TT

في الوقت الذي لفتت فيه ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش انتباه الرأي العام الى اسلحة الدمار الشامل العراقية، فإن برنامج التسلح الايراني بدأ، خاصة في الشهور الاخيرة، في اثارة قلق اميركا اكثر من البرنامج العراقي، حسبما كشفت معلومات اجهزة الاستخبارات الاميركية. واشار مسؤولون في الادارة وخبراء الى ان ايران تحاول سرا انتاج يورانيوم او بلوتونيوم صالح للاستخدام العسكري. واعترف مسؤول اميركي، مطلع على تقارير الاستخبارات حول انتشار الاسلحة، في مقابلة صحافية، ان جهود التسلح النووي الايراني اكثر تقدما الان من العراق. وينوي محمد البرادعي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي زار بغداد اخيرا لاستئناف البحث عن برامج صدام حسين النووية المزعومة، زيارة ايران قريبا للاطلاع على المواقع النووية الايرانية. وقال البرادعي في مقابلة صحافية انه يأمل في زيارة مواقع يمكن ان تكون ضمن جهود ايرانية للحصول على وقود نووي، بما في ذلك تطوير تسهيلات يعتقد العديد من الخبراء بأنها ستمكن ايران من انتاج بلوتونيوم صالح للاستخدام العسكري. وتعتبر الحكومة الاميركية ايران اكثر الدول نشاطا في رعاية الارهاب الدولي، اكثر بكثير من العراق، وضم بوش ايران في «محور الشر» مع العراق وكوريا الشمالية.

وتجدر الاشارة الى ان ايران تطور صواريخ بالستية متوسطة المدى، اعتمادا على تصاميم من كوريا الشمالية، يمكنها اصابة اهداف في اسرائيل. وفي الوقت الذي خففت بعض قطاعات القيادة الايرانية خطابها المعادي للغرب في السنوات الاخيرة، فإن كبار القيادات المسؤولة عن المؤسسة العسكرية لم تخفف خطابها ولا يزال القادة المتشددون يطالبون بتدمير اسرائيل. والامر الذي يقلق الولايات المتحدة اكثر من اي شيء آخر هو اهتمام ايران بتكنولوجيا انتاج وقود المفاعلات النووية واستخدام الوقود المستنفد. ويمكن للتسهيلات المشتبه في ان ايران تسعى لتطويرها اعادة معالجة الوقود المستنفد لاستخلاص بلوتونيوم صالح للاستخدام العسكري، وهو ما يعتقد الخبراء في الولايات المتحدة وخارجها بان ايران تريد تحقيقه.

وافاد جون وولف مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون حظر انتشار الاسلحة ان الايرانيين «يسعون سرا عبر شركات تجارية وهمية والعديد من الوسائل الاخرى لتطوير المجالات المتعلقة بدورة الوقود الاساسية» لانتاج اسلحة نووية. وكان البرادعي قد ذكر في الاسبوع الماضي انه يتوقع الذهاب الى ايران قريبا وسيسعى لزيارة تسهيلات قال انها تحت الانشاء في اطار برنامج الوقود النووي الايراني. ورفض البرادعي تقديم تفاصيل محددة بشأن تلك المواقع، لكنه قال ان المسؤولين الايرانيين «اكدوا لي ان اي شيء سيشيدونه سيبلغون به وكالته وسيكون خاضعا للمراقبة».

وكان غلام رضا اغازادة رئيس منظمة الطاقة النووية الايرانية قد وجه الدعوة، في كلمة لم تلفت الانتباه امام المؤتمر العام لوكالة الطاقة الذرية في سبتمبر (ايلول) الماضي الى «الدول المتقدمة نوويا، للمشاركة في خطة بلادي الطموحة لبناء مصانع للطاقة النووية والتكنولوجيات المرتبطة بها مثل دورة الوقود، وادارة الفاقد والسلامة». واضاف اغازادة ان «الشفافية الكاملة لنشاطات بلادي النووية هي التزام جدي من جانب حكومتي».

لكن المسؤولين الاميركيين وعدداً من الخبراء المستقلين يشككون في التأكيدات الايرانية. وقال غاري سامور من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن «اعتقد ان ذلك يمثل اتجاها خطيرا. ومن المرجح ان يتابع الايرانيون برنامج تسلح نووي تحت ادعاء دورة وقود مؤمنة». وقال سامور الذي كان مسؤولا عن قضايا حظر الانتشار في مجلس الامن القومي في ادارة الرئيس السابق بل كلينتون، ان مثل هذا الموقف الايراني، اذا لم يواجه، يمكن اعتباره سابقة في المنطقة «ستضمن انتشار الاسلحة في جميع انحاء المنطقة».

ونفى مسؤول ايراني في نيويورك ان حكومته مهتمة بالاسلحة النووية. وقال مرتضى راناندي الملحق الصحافي بالبعثة الايرانية في الجمعية العامة للامم المتحدة «ان برنامجنا مخصص للطاقة والاهداف السلمية فقط». لكن وولف قال ان ايران تستخدم شركات واجهة للحصول على تكنولوجيا من موردين في جميع انحاء العالم يمكن ان تستخدم في تصنيع ومعالجة الوقود النووي. واضاف ان عمليات الشراء تشمل «تكنولوجيات لا يمكن استيعابها الا في اطار برنامج تطوير اسلحة نووية». ورفض ان يكون اكثر تحديدا بخصوص الموردين، لكنه قال انهم «لا يهتمون بالمستخدم النهائي».

وكانت وكالة الاستخبارات المركزية «سي.آي.ايه» قد ذكرت في رد مكتوب الى لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ في فبراير (شباط) الماضي، ان الهدف الرئيسي للبرنامج النووي الايراني «هو الحصول على مفاعل كبير يعمل بوقود اليورانيوم الطبيعي ويبرد بالماء الثقيل، والتسهيلات المرتبطة به المناسبة لانتاج بلوتونيوم صالح للاستخدام العسكري». وتجدر الاشارة الى ان «الماء الثقيل» هو حصيلة استبدال ذرتي الهيدروجين في الجزيء بنظير ديوتريوم، وهو عنصر رئيسي بالنسبة لنوع من المفاعلات يمكن فيها استخراج البلوتونيوم من اليورانيوم الطبيعي. وتطوير مثل هذه المفاعلات يمكن ان يتيح لايران تجنب الحاجة الى تسهيلات متقدمة لاخصاب اليورانيوم لاحراقه في مفاعل نووي يستخدم المياه الخفيفة قبل معالجة الوقود لاستخراج البلوتونيوم. وقالت «سي.آي.ايه» ان ايران تنتهج استراتيجية هدفها اخصاب اليورانيوم.

وكان «المجلس الوطني للمقاومة» الايراني المعارض قد اعلن في اغسطس (آب) الماضي انه علم من مصادر داخل ايران بوجود موقعين نوويين سريين تحت الانشاء، الاول يقع على بعد 25 ميلا جنوب شرقي مدينة قشان وسيستخدم لانتاج الوقود النووي، على حد زعم المجلس. واضاف المجلس ان الموقع يشتمل على قاعتين كبيرتين على عمق 25 قدما تحت الارض. اما التسهيلات التي من المفروض ان تنتج المياه الثقيلة فهي مقامة على ضفاف نهر بالقرب من مدينة اراك في وسط ايران. وقال وولف ان معلومات وزارة الخارجية متوافقة مع هذا التنظيم المعارض. واوضح «هذان موقعان سريان واحدهما تحت الارض». واشار مسؤول في الادارة مطلع على تقارير الاستخبارات الاميركية الخاصة بانتشار الاسلحة النووية الى ان بعض المواقع الاخرى في ايران مهمة ايضا، لكنه رفض مناقشتها. وقال جون بايك، مدير منظمة «غلوبال سيكيوريتي» التي تعنى بشؤون الامن العالمي، ان «هناك عددا ضخما من اسماء الاماكن يقال انها مرتبطة بطموحات ايران النووية»، مضيفا انه بدون معلومات علنية حولها ـ مثل صور الاقمار الصناعية التجارية ـ فان من المستحيل تقييمها.

* خدمة «واشنطن بوست ولوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»