الكويت: البرلمان والحكومة يتفقان على رفض خطاب الرئيس العراقي

صباح الأحمد: الرسالة تنصل واضح من قرارات قمة بيروت ونتمنى التئام الشعب العراقي مع قيادة مخلصة

TT

اتفق الكويتيون شعبا وحكومة على رفض ما ورد في خطاب الرئيس العراقي صدام حسين الاخير. وخلال جلسة برلمانية استثنائية امس، تطابقت مواقف السلطتين التشريعية والتنفيذية على ان النظام الحالي للعراق لم يعد التعامل معه ممكنا.

وحمل النائب الاول لرئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ صباح الاحمد في خطابه مؤشرات إلى التراجع عن الاتفاق الذي اتخذ في قمة بيروت العربية الاخيرة على وقف المناوشات الكلامية بين الكويت والعراق، لا سيما بعد التدخل العراقي في شؤون الكويت، فضلا عن استمرار الشعور الكويتي بان النوايا العدوانية لا تزال قائمة. ولم يخف الشيخ صباح (المكلف بادارة شؤون الحكومة الحالية) رغبته في ان «يلتئم الشعب العراقي مع قيادة مخلصة تمكنه من ممارسة حقه الطبيعي»، في اشارة الى التطلع بزوال النظام الحالي.

واعرب الشيخ صباح عن اعتزازه لعقد الجلسة الاستثنائية «للرد على رسالة رئيس النظام العراقي وما تضمنته من افتراءات واكاذيب وتهديد، بما يمثله هذا الطلب من اضافة متميزة لموقف الشعب الكويتي الابي من هذه الرسالة المشؤومة».

واضاف «كلنا يعلم بالرسالة التي وجهها رئيس النظام العراقي والعالم كله شاهد على ردة الفعل التلقائية لابناء الشعب الكويتي، منذ اللحظة الاولى لاذاعة الرسالة، في رفضه القاطع لكل ما جاء فيها جملة وتفصيلا والتفافه الحاسم حول قيادته تأكيدا للتلاحم بين الكويتيين ـ شعبا وقيادة ـ الامر الذي يجهله رأس النظام العراقي، ويجهل طبيعة العلاقة العضوية والترابط الوجداني بين الشعب وقيادته منذ نشأة الكويت».

واشار الى ان النظام العراقي «تناسى ايضا انه لم يجد من الكويتيين من يتعاون معه خلال فترة الاحتلال البغيض، مما اضطره الى اختلاق ما اطلق عليه الحكومة المؤقتة لتحقيق مآربه واهدافه العدوانية التي لم تنقطع ابدا».

واعتبر الشيخ صباح الرد «وقفة جليلة للشعب الكويتي بكل فئاته وشرائحه، وهي تؤكد معدنه الاصيل وحرصه على ترسيخ ما جبل عليه الاباء والاجداد من التحام وتماسك، وتجسيد للوحدة الوطنية الحقة، في مواجهة المحن والشدائد التي تعرضت لها الكويت طوال تاريخها الناصع».

وقال «ان رسالة رئيس النطام العراقي جاءت كعادته، مليئة بالافتراءات والاكاذيب والتبريرات الواهية، وزاخرة بالعبارات والبذاءات التي لم نعتد التعامل بمثلها، ولعل رداءة الرسالة لا تنحصر في المراهنة الساذجة على شق الوحدة الوطنية الكويتية، وانما فيما تحمله من تكرار الافتراءات والمزاعم الباطلة في تبرير جريمة غزوه الغادر لدولة الكويت، وهو ما يعكس استمرار النظام العراقي في مخططاته ونواياه العدوانية والتوسعية».

وقال الشيخ صباح ان «ما تضمنته الرسالة انتهاك صريح لقرارات مجلس الامن، وتنصل واضح من قرارات القمة العربية في بيروت، ولا سيما في ما يتصل بادعاءات النوايا السلمية للحكومة العراقية تجاه الكويت واحترام امنها وسيادتها وحدودها الدولية وعدم التدخل بشؤونها السياسية».

وتطرق الشيخ صباح الى قضية الاسرى الكويتيين قائلاً: «فما زال اخواننا وابناؤنا الاسرى الذين اختطفتهم قوات الاحتلال من المساجد والبيوت في معتقلات النظام وما زالت الممتلكات الكويتية ووثائق الدولة وارشيفها وسجلاتها الرسمية التي نهبتها قواته الباغية في حوزته، كما ان اطماعه التوسعية تجاه دولة الكويت وباقي جيرانه لا زالت تراوده».

وتساءل الشيخ صباح «كيف لنا ان نثق بهذا النطام وان نقيم معه علاقات حسن جوار، وهو النظام القائم على العدوانية تجاه شعبه وتجاه جيرانه والعالم اجمع؟».

وقال ان «النظام العراقي خاض حربا عبثية على مدى 8 اعوام مع ايران كانت مصدر معاناة واذى لشعبه ولكافة دول المنطقة، ثم قام بجريمته في غزو بلد وشعب شقيق، وقد ناشده زعماء وقادة العالم بالانسحاب محذرين من العواقب الوخيمة لهذا الاحتلال، وكعادته بقي مكابرا غير مستجيب، الى ان تضافرت قوى الحق لتحرير الكويت وتطهيرها من قواته بعد صدور القرارات الدولية التي لم يلتزم بتنفيذها».

واضاف ان العراق «استمر مراوغا غير قابل لاستيعاب الدروس والعبر، متنكرا للحقوق الكويتية، سادرا في مخططاته العدوانية بالاحتفاظ باسلحة الدمار الشامل، مؤكدا دعمه للارهاب بعد ما اكد المجتمع الدولي اجماعه على رفض الارهاب وتوحيد الجهود من اجل مكافحته والقضاء عليه، كما كان هذا النظام قاسما مشتركا دائما للتوتر وعدم الاستقرار في هذه المنطقة، مما استوجب اخيرا صدور قرار مجلس الامن رقم 1441 لنزع اسلحة الدمار الذي انصاع اليه متراجعا ومذعنا لشروط التفتيش وذلك دون قيد او شرط، عندما ادرك جدية المجتمع الدولي في التعامل الحازم مع مماطلاته ومراوغاته المتكررة».

واكد ان الشعب الكويتي لم ولن ينسى جرائم القتل والتنكيل والنهب والتخريب التي اقترفها هذا النظام بحقه تنفيذا لاوامر رسمية صريحة يعرفها المسؤولون حق المعرفة، وها هو يهدد ويتوعد ويغالط ويكابر ويواصل حساباته الخاطئة، الامر الذي يستوجب منا جميعا التزام اليقظة والحذر، ومتابعة استعداداتنا وتكثيفها مؤكدين على اهمية الدور الكبير الذي تتولاه لجنة الطوارئ في تأمين كافة الاحتياطات اللازمة».

واشار الى ان «اتهام النظام العراقي للكويت عام 1990 باغراق السوق بكميات من النفط تفوق حصتها المقررة هو اتهام باطل وليس له اساس من الصحة، فقد كان انتاج الكويت في حدود الحصة المقرر لها من قبل منظمة اوبك، ومراعاة من الكويت للظروف التي كان يمر بها العراق ودعما لاسعار النفط فقد وافقت على خفض انتاجها خلال اجتماع وزراء نفط كل من الكويت والسعودية وقطر والامارات في جدة خلال شهر يوليو 1990 والذي حضره العراق ايضا حيث تم خلال هذا الاجتماع الاتفاق على تخفيض انتاج هذه الدول مقدار 800 الف برميل يوميا وقد التزمت الكويت بما اتفق عليه في ذلك الاجتماع».

وحول ما يتعلق باتهام العراق للكويت بسرقة نفطه من حقل الرميلة عن طريق الحفر المائل قال الشيخ صباح «هي ادعاءات مرفوضة ايضا حيث ان العراق ورغم احتلاله للكويت وسيطرته التامة على مقدراتها النفطية واطلاعه على كامل ارشيف النفط الكويتي ومعرفته الكاملة للمكامن النفطية وطبيعة خصائصها لم يستطع ان يقدم اية ادلة تؤكد صحة ادعاءاته حول سرقة الكويت لنفط العراق، ولكن على العكس من ذلك تماما فقد كان العراق هو الذي يستغل الابار النفطية الواقعة داخل الاراضي الكويتية شمالا دون وجه حق طوال سنوات عديدة سبقت ترسيم الحدود الكويتية العراقية وتخطيطها وفقا لقرارات الامم المتحدة والتي تم بموجبها استرداد بعض من حقها المشروع في هذه الابار».

وذكر الشيخ صباح ان «النظام العراقي تناسى وتنكر بان الكويت ولسنوات طويلة كانت تخصص مبيعات نصيبها من نفط المنطقة المشتركة مع السعودية الشقيقة والذي يقدر بمائتي الف برميل يوميا لصالح العراق».

وحول ما اشارت اليه الرسالة من اتهام العراق للكويت بالتآمر عليه قال الشيخ صباح «هو محض افتراء كاذب، وما زعمه حول زيارة الجنرال نورمان شوارسكوف للكويت لهذا الغرض فهو امر مردود عليه ايضا، حيث كان الجنرال يقوم في ذلك الوقت بزيارة لدول المنطقة بما في ذلك العراق نفسه بمناسبة توليه مهام عمله الجديد ولم تكن زيارة لحضور مناورات عسكرية حيث لم تكن هناك اصلا اي مناورات».

وحول ما اشارت اليه الرسالة بخصوص التواجد الاجنبي في الكويت قال ان «النظام العراقي يعلم تمام المعرفة قبل غيره بان هذه القوات لم تكن موجودة قبل جريمة غزوه الآثم، ولم يكن ثمة مبرر لوجودها قبل هذا الغزو، وان القوات الاجنبية لم تدخل الكويت غازية او محتلة، وانما هي قوات دول حليفة تتواجد في الكويت بترحيب من شعبها، وفق اتفاقيات ومواثيق تم التوقيع عليها بين حكومة الكويت وحكومات هذه الدول. وتمت المصادقة عليها من قبل مجلس الامة، والتي يرجع الفضل لها بعد الله سبحانه وتعالى، وبمشاركة مشهودة من الدول الشقيقة، في تحرير الكويت من براثن ذلك الاحتلال الهمجي».

واكد ان الكويت تتمسك بهذه الاتفاقيات وضرورة تفعيلها «لأن النظام العراقي لا يزال على غيه مهددا بالعدوان وبالتوسع وانتهاك الحرمات، وبما يستوجب اتخاذ ما نراه من تدابير للمحافظة على امن بلادنا وسيادتها وسلامتها واستقرارها في اطار الشرعية الدولية».

وقال ان الحكومة بادرت بتحرك دبلوماسي واعلامي سريعين لشرح ابعاد المخاطر والتهديدات التي انطوت عليها تلك الرسالة تجاه امن واستقرار دولة الكويت «حيث تم ارسال رسائل بهذا الصدد الى كل من الامين العام للامم المتحدة والى الامين العام لجامعة الدول العربية والى الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي والى الامين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والى رئاسة مؤتمر دول عدم الانحياز، كما تم تكليف رؤساء البعثات الدبلوماسية الكويتية في مختلف دول العالم بالاتصال بالمسؤولين في الدول المعتدمين لديها لاطلاعهم على موقف الكويت بشأن خطورة ما تضمنته تلك الرسالة من مغالطات وتأثيرها المباشر في تأزيم الاوضاع في المنطقة».

واضاف الشيخ صباح ان «ما ورد في الرسالة حول الاعتذار لا يمكن اخذه على محمل الجد، فالاعتذار ليس مجرد كلمة عابرة يقولها مسؤول عن جريمة اقترفها، ويحاول التنصل منها في ذات رسالته بادعاءات واكاذيب وتبريرات واهية ودعوات تحريضية لخلق الفتنة والشقاق، بل الاعتذار الصحيح هو وقفة صادقة مع النفس، واقرار بالحقائق واعتراف واضح بجريمة نكراء بشعة وممارسات يندى لها الجبين بحق بلد جار وشعب شقيق، بل بحق الامة العربية كلها».

واشار الى ان «الاعتذار الصادق هو موقف حر يتطلب تسمية الامور بمسمياتها الحقيقية، ويستهدف زرع بذور الثقة والنوايا الحسنة، وتجاوز الانتصارات الوهمية التي يتباهى بها ويحتفل بذكراها، فحجم الاذى والمعاناة الذي لحق بالشعب الكويتي ابان الغزو البغيض لم يتعرض له شعب في التاريخ الحديث، أفلا يستحق هذا الشعب بعد ذلك، اعتذارا صحيحا وواضحا وصادقاً». واضاف «ان من يتحدث عن فتح صفحة جديدة ينبغي عليه اولا مراجعة ما انطوت عليه الصفحات السابقة من خطايا، والتمعن بابعادها واثارها ونتائجها بما يكفل تلافي اسبابها وتجنب تكرارها».

واكد ان «ما يربط الشعب الكويتي بالشعب العراقي اكبر بكثير مما يفرق وتربطهما علاقات القرابة والنسب والجيرة والمصالح المشتركة وقد اكدت الكويت في كل المناسبات تعاطفها الصادق والكامل مع الشعب العراقي الشقيق الذي تقاسمنا معه امر المعاناة على يد نظامه الذي يصر على صلفه وغروره في رفض كافة الدعوات المخلصة الهادفة الى تجنيب العراق والمنطقة المزيد من الويلات والدمار».

واضاف «انه في الوقت الذي يسعى النظام العراقي الى التحريض وبث روح الفرقة والشقاق بين صفوف المجتمع الكويتي، ندعو المولى العزيز جلت قدرته، صادقين ان يلتئم الشعب العراقي الشقيق مع قيادة مخلصة تمكنه من ممارسة حقه الطبيعي في العيش الكريم، وتتيح له فرص المساهمة في تنمية بلده وامته، واقامة علاقات طبيعية مع كافة جيرانه على نحو يعيد للعراق الشقيق مكانته اللائقة. ويجسد دوره الايجابي المنشود في اسرته العربية والدولية».

وقال ان «مما يثير الاسف والالم ان تاتي هذه الرسالة فيما تمر امتنا بظروف عصيبة بحاجة الى قلوب عامرة بالمحبة والايمان، وايد تعمل بجد واخلاص لمواجهة تحدياتها واللحاق بركب الحضارة والتقدم».

واشار «لعلنا نستلهم العظة مما ألم بأمم ودول عظيمة جراء تعرضها لهزائم عسكرية كلفتها باهظ الاثمان في الارواح والثروات، وكيف انها استوعبت الدرس وتوجهت للبناء والتنمية واستعادت مكانتها المتميزة في العالم».

من جانبه اعتبر رئيس التكتل الشعبي البرلماني في كلمته امام البرلمان النائب احمد السعدون ان «الخطاب صدر عن شخص خارج عن نطاق التغطية، ويتضمن اتهامات كثيرة وليس اعتذارا، فنحن محكومون من اسرة الصباح منذ حين، فلم يحكمنا احد بالحديد او النار انما بالوفاق».

وحمل السعدون بشدة على المثقفين العرب «فهناك مجموعة من الدجالين يطلقون على انفسهم زورا وبهتانا المثقفون العرب».

وقال «لم يسبق ان صدر قرار يمثل القوة والوضوح، كما القرار 1441، فعملية التفتيش هي البداية والمقبل اعظم».

واضاف ان «النظام العراقي سيطير، وسنذهب للعراق ونهوس هناك مع الشعب العراقي احتفالا بسقوط صدام».

ورأى النائب فهد الهاجري ان «صدام استلم السلطة في غفلة من الزمن، وعلينا ان نركز في خطابنا على الشارع العربي المضلل».

وشبّه الهاجري خطاب الرئيس العراقي بـ«مسيلمة الكذاب لهذا العصر». وطالب ان يعتذر العراق الى امير الكويت الشيخ جابر الاحمد الصباح «لكن الغطرسة دفعت الرئيس العراقي تكليف شخص آخر يتلو البيان».

ودعا الهاجري الرئيس اللبناني اميل لحود (رئيس الدورة الحالية للجامعة العربية) ان تكون له وقفة ويصدر بيانا يدين ما جاء في الخطاب العراقي. ووجه كلاما مماثلا الى امين الجامعة العربية عمرو موسى الذي تمنى عليه ان «يكون له رأي واضح، لان الكويت لم تبخل ماديا ومعنويا في دعم الجامعة العربية».

ورأى النائب احمد الشريعان ان «رئيس النظام العراقي دنس الارض والعرض، ثم يخرج علينا بخطاب ارعن غير مسؤول». وحذر من اعتبار الخطاب وثيقة تحفظ في الجامعة العربية «لان ما إثير كارثة».

واشار النائب محمد الخليفة الى ان «صدام يتجرع المر». ودافع عن تواجد القوات الاجنبية في الكويت «التي جاءت بمحظ ارادتنا الشعبية، فهي محل ترحيب بيننا».

وقال ان الكويتيين «سيفزعون للشعب العراقي، وسنحميه من هذا النظام الفاشل». ومدح الخليفة موقف امين عام مجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية.

وقال النائب الدكتور حسن جوهر ان «الكويتيين بايعو نظامهم قبل ان يلد صدام، او يلد العراق الحديث، ونحن نعلم ان الكثير من شعوب العالم يغبطوننا على نظامنا، ويتعطشون الى نموذج الديمقراطية في الكويت». ورفض «نصائح من رئيس دولة يعيش ربع سكانه في المنفى واكثر من 100 الف في السجون». واتهم جوهر صدام حسين «الذي كان سببا رئيسيا في الاتيان بالقوات الاجنبية الى المنطقة».

ورأى النائب حسين مزيد ان «خطاب الرئيس العراقي يحمل علامات المنافق، فهو يكذب ويخون ويخلف الوعد». واثنى على «الاصوات الخليجية والعربية التي ارتفعت بوضوح رافضة البيان».

واشار النائب مشاري العصيمي الى ان «الشعب الكويتي اصبحت لديه مناعة ضد دكتاتورية العراق».

وقال النائب جمال العمر ان «الكويتيين محكومون بالدستور والقوانين، والنسيج الكويتي لا يتأثر بتحريض صدام او غيره».