استقالة كيسنجر من رئاسة لجنة التحقيق في أحداث 11 سبتمبر تفاجئ بوش

وزير الخارجية الأسبق رفض الكشف عن زبائن شركته الاستشارية والديمقراطيون يختارون هاميلتون بديلا لميتشل المستقيل

TT

تقدم هنري كيسنجر، وزير الخارجية الاميركي الأسبق، بصورة مفاجئة يوم اول من امس باستقالته من رئاسة اللجنة المكلفة بالتحقيق في هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 مبلغا الرئيس جورج بوش بتعذر عمله في اللجنة اذا تطلب الامر الإفصاح عن عملاء شركة الاستشارات التي يديرها. وكان الرئيس بوش، الذي قال مساعدوه انه تفاجأ باستقالة كيسنجر، قد تعهد بإيجاد بديل له على وجه السرعة. وقال بوش معلقا ان رئاسة كيسنجر للجنة المذكورة كانت ستساعد في توفير التحليل والشرح الذي تحتاجه الحكومة لفهم الطرق والوسائل التي يستخدمها اعداء الولايات المتحدة وطبيعة الأخطار التي تواجهها. وأضاف بوش ان إدارته ستعمل بسرعة على اختيار رئيس للجنة التي تتركز مهمتها في كشف كل التفاصيل والاستفادة من «درس 11 سبتمبر»، على حد تعليقه، حتى في ظل ما استفادته الولايات المتحدة حتى الآن في جانب تحسين حماية البلاد من الأخطار. الجدير بالذكر ان كيسنجر، الذي عينه الرئيس بوش، اصبح ثاني عضو بارز في اللجنة يتقدم باستقالته بسبب خلاف شخصي. ويسلط قرار كيسنجر بتقديم استقالته الضوء على صعوبة تعيين لجنة الهدف منها التوصل الى الجوانب ذات الصلة بعجز السلطات الاميركية في إحباط هجمات 11 سبتمبر. وكان السيناتور السابق جورج ميتشل، الذي اختاره اعضاء الكونغرس عن الحزب الديمقراطي نائبا لرئيس اللجنة، قد تقدم باستقالته منها يوم الاربعاء، معللا ذلك بضغوط تتعلق بالزمن وعدم الرغبة في إغلاق مكتب المحاماة الخاص به. وقرر اعضاء الكونغرس عن الحزب الديمقراطي اختيار العضو السابق بمجلس النواب لي هاميلتون بديلا لميتشل، بيد ان الديمقراطيين لم يعلنوا بعد عن اختيار ثلاثة اعضاء آخرين حتى يوم اول من امس، علما بأن اليوم الاحد هو الموعد النهائي لاختيار اعضاء هذه اللجنة المكونة من عشرة اعضاء بمن في ذلك رئيسها. وتجدر الإشارة الى ان خمسة من اعضاء اللجنة من المفترض ان يجري تعيينهم بواسطة اعضاء الحزب الديمقراطي بالكونغرس، فيما يعين الاعضاء الجمهوريون اربعة من اعضائها على ان يعين بوش رئيسها.

وكان تعيين كيسنجر الشهر الماضي رئيسا لهذه اللجنة قد اثار الجدل مجددا حول دوره المثير للجدل خلال ادارة الرئيس الاميركي الاسبق ريتشارد نيكسون ودوره في حرب فيتنام. كما ان اعضاء الحزب الديمقراطي في الكونغرس طالبوا بالإفصاح عن العلاقات المالية لكيسنجر، بيد ان البيت الابيض اعلن ان لا حاجة الى ذلك. ولم يرد كيسنجر على رسالة تركت في مكتبه بنيويورك الليلة قبل الماضية، لكنه اورد في الخطاب الذي وجهه الى الرئيس بوش انه يخشى ان تؤدي مثل هذه الخلافات الى إقحام مكتبه «كيسنجر آسوشييتس» في هذه القضية. وكتب كيسنجر: «هذه بالطبع لحظة إحباط بالنسبة لي... آمل ان يؤدي قراري بالاستقالة الآن الى استمرار اللجنة في عملها دون المزيد من الجدل».

يبدو ان استقالة كيسنجر قد جاءت بسبب موقف اعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي في لجنة الاخلاقيات التابعة للمجلس الداعي الى التزام اعضاء اللجنة التي كانت يترأسها كيسنجر باللوائح ذات الصلة بالإعلان عن التفاصيل المالية لأعضائها. وكان كيسنجر قد التقى يوم الخميس 11 من اقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر واقترح عليهم خطة تتعلق بالإعلان عن عملاء مكتبه الى طرف ثالث يختاره اقرباء الضحايا الذين وافقوا على عدم الإعلان عن هذا الامر. وحاول البيت الابيض جاهدا ان يستثني كيسنجر من الخضوع للمتطلبات المتعلقة بالإعلان عن الجوانب المالية، بيد ان البيت الابيض تراجع عن ذلك فور اعلان لجنة الاخلاقيات التابعة لمجلس الشيوخ عن رأيها. وقال مسؤولون في ادارة بوش ان كيسنجر اتصل بآندرو كارد، رئيس هيئة موظفي البيت الابيض، لإبلاغه بقرار الاستقاله بعد ظهر اول من امس. وأضاف مسؤولون ان كيسنجر بات مقتنعا بأنه حتى اذا افصح عن هوية عملائه، فإن الذين انتقدوا قرار تعيينه لن يقتنعوا وانه ربما يواجه مناشدات ببيع شركته المتخصصة في الاستشارات، كما اشاروا كذلك الى انه توصل في نهاية الامر الى ان التخلي عن شركته سيكون اكثر تكلفة مقارنة بعودته الى مجال العمل الحكومي. وقال صديق لكيسنجر انه قبل بتولي العمل في رئاسة اللجنة بروح الرغبة في العمل الحكومي وبدافع عدم الرغبة في رفض طلب الرئيس بوش دون ان يدري ان قائمة عملاء شركته ستصبح قضية مثيرة للخلافات. ولكن بعد المطالبة بالإفصاح عن هوية عملاء شركته من جانب اعضاء الحزب الديمقراطي وافتتاحيات الصحف، وجد كيسنجر نفسه مواجهاً بخرق اتفاق السرية المبرم بينه وبين عملاء شركته. وقال صديق كيسنجر ان الاتفاقيات السرية التي تبرم مع العملاء لا يمكن التخلي عنها ببساطة، اذ ان العملاء لا يريدون ان تعرف الجهات المنافسة أي تفاصيل تتعلق بمصدر استشاراتهم او كيفية عملهم. ومن جانبه قال السيناتور هاري ريد، المسؤول عن تطبيق النظم واللوائح بين اعضاء الحزب الديمقراطي بمجلس الشيوخ، ان شخصا له علاقات دولية مثل كيسنجر يجب ان يتنحى عن رئاسة لجنة تعنى بالنظر في مسلك دول اجنبية ووكالات استخبارات محلية. وأضاف ريد ان هناك الكثير من تضارب المصالح في حالة ترؤس كيسنجر للجنة المذكورة لأنه «لن يفصح عن هذه المعلومات»، حسبما قال ريد. ويؤكد ريد ان الولايات المتحدة واسر ضحايا 11 سبتمبر يستحقون «شخصا لا يخشى من قيادة العمل في اللجنة». وانتقد ريد بشدة البيت الابيض بسبب محاولته جاهدا حماية خصوصية كيسنجر، بيد ان صديقا لكيسنجر اشار الى ان قائمة عملاء شركته لا تضم أي جهة في الشرق الاوسط او في الحكومة الاميركية. من جانبهم قال الممثلون لاسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر انهم لا يشعرون بخيبة امل اثر استقالة كيسنجر بسبب عدم شعورهم بالارتياح ازاء ماضيه كمسؤول وبسبب علاقاته المالية الواسعة. واعرب افراد اسر الضحايا عن آمالهم في ان يفكر الرئيس في ترشيح السيناتور السابق وارن رودمان، وهو جمهوري من نيوهامبشاير، لمنصب الرئيس، فهم يعتبرونه شخصا صارما وغير مسيس. ولكن العديد من الجمهوريين قد اعربوا في جلسات خاصة عن قلقهم من ان رودمان مستقل للغاية وربما يرغب في الانضمام الى الديمقراطيين في اللجنة لإحراج ادارة بوش.

وتجدر الاشارة الى ان البيت الابيض، قبل اختيار كيسنجر، درس عدة اختيارات اخرى لرئاسة اللجنة، ولكن ليس من المرجح امكانية العثور على بديل بحلول اليوم الاحد، وهو اليوم المحدد من قبل المشرعين للانتهاء من اختيار اعضاء اللجنة وعددهم 10. ولا يوجد جزاء لعدم الانتهاء في الوقت المحدد، ولكن المشرعين وضعوا مثل هذا التاريخ لتجنب اطالة فترة التعيين.

وتضع مغادرة كيسنجر وميتشل المزيد من الاضواء على المستويات الاخلاقية التي يجب تطبيقها على الاشخاص الذين يخدمون في هيئات حكومية.

واوضح مسؤول حكومي كبير «ان حد المستويات الاخلاقية مرتفع للغاية، بحيث ان الاشخاص الوحيدين الذين يمكنهم الخدمة في الحكومة هم الاشخاص الذين لم يتركوها».

الا ان السيناتور ريد اوضح انه ليس من الصعب العثور على محقق وعر يملك الخبرة المناسبة بدون المآخذ التي حسبت على كيسنجر.

واضاف «هناك العديد من امثال جورج ميتشل ولي هاميلتون. وبعض منهم يحمل الى جوار اسمه حرف ج بدلا من د» في اشارة الى الحزب الجمهوري بدلا من الحزب الديمقراطي.