قصة العلاقة المالية بين السلطة ومسؤولين إسرائيليين: غينوسار «المبعوث الخاص» أصبح شريكا لمستشار عرفات في استثمار أموال السلطة

مسؤول فلسطيني يعتبر التقرير محاولة تحريض من شارون ضد الرئيس الفلسطيني * تصاعد مسلسل الفضائح المالية في الوسط السياسي في إسرائيل قبل الانتخابات العامة في يناير * مسؤولون اسرائيليون سابقون بينهم باراك قد يواجهون قضايا في المحاكم

TT

* فضيحة جديدة عن ضغوط للمصادقة على تعيين بطريرك الروم الأرثوذكس بهدف عقد صفقات عقارية بين تجار مقربين من الليكود والكنيسة.

* اصبحت الفضائح المالية التي تفجرت اخيرا في الساحة السياسية الاسرائيلية واحدة من العوامل الهامة في الصراع الدائر على الانتخابات العامة التي ستجري يوم 28 يناير (كانون الثاني) المقبل والتي تشير استطلاعات الرأي الى ان فرص الليكود ورئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون كبيرة للفوز بها ضد حزب العمل الذي غير قيادته ليتولاها عمرام متنسناع اخيرا. وقد طالت الفضائح المالية سياسيين من حزبي الليكود والعمل، ومؤخرا تفجرت فضيحة تتعلق بشارون وابنه عومري الذي لعب لفترة دور المبعوث السري من رئيس الوزراء الاسرائيلي الى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات . وتتعلق الفضيحة الجديدة بمقاول له سوابق ومخالفات جنائية صديق لعومري شارون فاز بصفقة تبلغ 50 مليون دولار في اعمال تتعلق بالمعابر الامنية. ويتهم انصار حزب العمل هذا المقاول بانه فاز بالصفقة في مقابل جهوده لتجنيد الاصوات لصالح شارون. وكشفت امس صحيفة «معاريف» ان تجار عقارات مقربين من حزب الليكود بزعامة رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون يمارسون ضغوطا على هذه الحكومة للمصادقة على تعيين بطريرك كنيسة الروم الارثوذكس في الاراضي المقدسة وذلك بهدف عقد صفقات عقارية مع هذه الكنيسة.

وتأتي «القضية» الجديدة في خضم فضيحة اخرى اثيرت فيها اتهامات بشراء الاصوات في الانتخابات الداخلية لليكود لاختيار مرشحي الحزب في الانتخابات التشريعية المقبلة في 28 يناير (كانون الثاني) المقبل.

واستنادا الى الصحيفة فان شارون جمع اول من امس خمسة من وزرائه لاقناعهم بالمصادقة على تعيين البطريرك ايرينيوس الاول الذي تم في اغسطس (اب) 2001 والذي يفترض ان تصادق عليه الحكومة الاسرائيلية. الا ان الحكومة امتنعت عن ذلك حتى الان. وتؤكد الصحيفة ان «ايرينيوس الاول وعد رجال اعمال اسرائيليين نافذين في الليكود بانجاز صفقات عقارية معهم اذا ما تمت المصادقة على تعيينه في هذا المنصب».

من جهة اخرى نشرت الصحيفة نسخة لرسالة بالانجليزية قالت ان البطريرك نفسه وجهها الى رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات في 17 يوليو(تموز) .2001 ويتعهد البطريرك في هذه الرسالة التى كانت شديدة اللهجة ازاء اليهود «الذين صلبوا المسيح» بان يساند القضية الفلسطينية اذا ما ثبت في منصبه.

وقد تعذر الاتصال بمكاتب البطريركية الارثوذكسية للرد على ما نشرته الصحيفة كما رفض مكتب شارون التعليق على الامر.

وكانت اسرائيل عارضت «لاسباب امنية» ترشيح ايرينيوس الاول معتبرة انه «مرشح الفلسطينيين» لكنها تراجعت بعد ان لجأت الكنيسة للمحكمة الاسرائيلية العليا نهاية يوليو (تموز) 2001 وتم تعيين ايرينيوس الاول على رأس الكنيسة، لكن الحكومة لم تصادق رسميا بعد على تعيينه كما تفترض القوانين.

يذكر ان الكنيسة الارثوذكسية تملك عقارات كبيرة خصوصا في القدس بشطريها. واشارت الصحيفة اخيرا الى ان البرلمان الاسرائيلي مبني على عقار تملكه الكنيسة وكذلك مقر اقامة شارون ورئيس الدولة موشيه كاتساف.

وعلى الجبهة الاخرى طالت الاتهامات المالية ايهود باراك رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ووصلت الى حد اتهامه بالاستفادة المالية من السلطة الفلسطينية وبانفاق اموال اكبر من المحددة حسب القانون في حملاته الانتخابية، ورد حزب العمل باتهام الليكود بالانفتاح على عالم الجريمة المنظمة. وبين اهم القضايا التي يجري التحقيق فيها في اسرائيل ومازالت تتفاعل قضية ادارة احد قادة المخابرات الاسرائيليين السابقين يوسى غينوسار اموالا في حساب مفتوح باسم الرئس عرفات ومستشاره الاقتصادي محمد رشيد(خالد سلام) والتي فجرتها صحيفة معاريف الاسرائيلية يوم 6 ديسمبر (كانون الاول) الجاري.

* اختيار غينوسار

* وكان غينوسار قد شغل منصب «المبعوث الخاص لرئيس الحكومة الاسرائيلية الى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات» منذ اتفاقيات اوسلو. وفي حينه اختير لكونه يجيد اللغة العربية ويعتبر صاحب خبرة غنية في الموضوع الفلسطيني اكتسبها خلال خدمته في المخابرات، وذا اطلاع واسع على التركيبة الداخلية للقيادة الفلسطينية والصراعات داخلها. واستفاد غينوسار من منصبه ليقيم علاقات تجارية واسعة مع الفلسطينيين ومن ثم مع اوساط عربية اخرى في مختلف الدول العربية. وكان مسؤول فلسطيني، اعتبر هذا النشر في «معاريف» جزءا من حملة التحريض التي يقوم بها ارييل شارون، رئيس الوزراء الاسرائيلي، ضد عرفات بهدف قتل شخصيته بعد ان فشل من التخلص منه كقائد للشعب الفلسطيني.

يذكر ان هذه القضية يتسع تأثيرها في اسرائيل كفضيحة داخلية قد تصل الى ساحة القضاء وتجر وراءها عددا من المسؤولين الكبار، بمن في ذلك رئيس الوزراء السابق، ايهود باراك. وبدأت الشرطة والمخابرات العامة والموساد تحقق في القضية، حسب تعليمات شارون. وموضوع التحقيق هو: خطر استخدام تلك الاموال والارباح التي جنيت في استثمارها لتمويل التنظيمات الفلسطينية المسلحة. وفي ما يلي الاجزاء الرئيسية في تحقيق معاريف:

قال محمد رشيد «أنا بحاجة لمساعدة كبيرة. لدينا في السلطة الفلسطينية مال كثير في فرع البنك العربي في رام الله، وهي مبالغ متراكمة من أرباح شركاتنا الاقتصادية ومن عوائد الضريبة التي نحصل عليها من اسرائيل. نحن نريد ان يتحرك المال وان نجني الأرباح بشكل يفوق الفائدة البنكية التي نحصل عليها هناك. وكنت أود ان تتقدم أنت للمناقصة التي سأعلن عنها حول وظيفة مستشار للشؤون المالية. قدم عرضا لنا». جاء ذلك في لقاء تم في فندق هيلتون في تل ابيب في فبراير (شباط) 1997 بين رشيد وعزراد ليف الذي حضر الاجتماع بناء على تعليمات من يوسي غينوسار.

كان بنيامين نتنياهو يتسلم رئاسة الحكومة من شيمعون بيريس لتوه، وأصداء أجراس السلام ما زالت تتردد بعد، ولكن ثاقبي النظر استطاعوا في حينه ملاحظة الغيوم السوداء التي تتجمع في الأفق. ليف الذي كان في السابق ضابطا في شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان»، وشخصية ثالثة في رئاسة هيئة الاركان، كان يعرف غينوسار جيدا. الاثنان تصاحبا لفترة طويلة، أما رشيد فلم يكن معروفا له بالمرة (باستثناء لقاءين كان غينوسار قد رتبهما سابقا ولم يتمخضا عن شيء). عزراد نظر في هذه المرة لرجل المال الفلسطيني الغامض وأدرك انه لا يوجد أي عطاء ولا عروض اخرى، وان كل المسألة عبارة عن مسرحية، اذ ان محمد رشيد يستطيع استئجار مكتب شؤون مالية معتبرا لو أراد. وهو بحاجة الى عزراد كمستشار اقتصادي ورجل استراتيجي للاستثمارات لسبب بسيط: السرية والغموض والنشاط الخفي وغير المكشوف. غينوسار رجل مقتدر في بلاط عرفات و«أخوه» محمد رشيد هو الشخصية المركزية. غينوسار يوصي ويوافق ومحمد رشيد يشتري.

رشيد يواصل الحديث «نحن نحصل من البنك على فائدة تتراوح بين 5 ـ 6% ولا فائدة من تغيير الوضع اذا لم يجلب ربحا أكبر. الامر تطلب من ليف عدة ايام لتقديم عرض. واحتاج محمد رشيد لـ24 ساعة للمصادقة عليه. مهمة ليف الاولى كانت مستحيلة: فتح ابواب المؤسسة البنكية المحترمة في سويسرا أمام الاموال الفلسطينية. ومهمة ادخال محمد رشيد وياسر عرفات الى هناك بدت مستحيلة في ظل الفضائح المالية. لكن المهمة نجحت بعد شهرين، وفي ابريل (نيسان) كان لمحمد رشيد حساب استثماري في أحد أرقى البنوك هناك هو لومبارد اوريا في سويسرا». وليف لا يعرف حتى اليوم كيف فعل ذلك. غير انه نجح في ذلك عبر ريتشارد دي تشارنا أحد الشركاء الكبار في بنك لومبارد وهو النبيل السويسري الحقيقي المتحدر من عائلة ثرية بمدينة بيرن، شخصية بنكية محترمة ذات أمر ونهي. والعرض كان ان يتم وضع انظمة تضمن شرعية المال المودع واقناعه ان السلطة هي دولة على الطريق مع تقدم عملية السلام، وان المال لن يستخدم لاهداف غير مشروعة مثل الارهاب والاتجار بالمخدرات وغيره. كل هذه الشروط وضعت في رسالة شروط صاغها عزراد ووقعها رشيد على أوراق عرفات الرسمية. ومن ضمن الشروط تدير شركة استثمارات تتشكل لهذا الغرض باسم «لادبوري» الاموال وتقرر ان يعيد البنك المال للمستثمر خلال ساعة اذا توقف ليف عن لعب دور «المستشار الاستراتيجي للشركة». هذه الرسالة تحولت الى شهادة حسن سلوك بالنسبة لليف، الذي اطمأن ان المال لن يشق طريقه الى أماكن غير شرعية. ليف اسس شركة رادبوري وسجلها عند محام في لندن وقدم الأوراق لبنك لومبارد ورشيد. ويشمل مستند الشروط اجراء يلزم الفلسطينيين باستئجار مراقب حسابات من «الفريق القومي» لمراقبة ادارة رادبوري. هذا التعهد لم ينفذ بالمرة مثل غيره من الالتزامات. كما تحدد ايضا ان يحدد عرفات مجلس ادارة الشركة وان يكون الشخصية الوحيدة المخولة بالسحب. وبعد ترتيب كل هذه الامور امتثل ليف أمام مجلس ادارة الشركاء في البنك الذين طرحوا عليه الاسئلة طوال ثلاث ساعات، وفي نهاية المطاف كان الجميع راضين.

رشيد سافر الى غزة في هذه الاثناء وحصل على مصادقة عرفات وتوقيعه. وبنك لومبارد فتح الحساب وقام ليف بصياغة مذكرة لائحة داخلية للشركة صرح فيها بأن كل اموال الشركة هي «من أملاك الشعب الفلسطيني». وان أصحاب حق التوقيع على هذه الأملاك هم ياسر عرفات ومحمد رشيد. أما صاحب الأسهم فهو الشعب الفلسطيني. مجلس ادارة الشركة هم عرفات ومحمد رشيد طبعا. عزراد ليف حصل على توكيل مطلق لكل خطوة أو عملية في نطاق الشركة باستثناء تحويل الاموال وسحبها خارجا. ليف أعطى مذكرة اللائحة الداخلية، لرشيد الذي سافر الى غزة حيث حصل على توقيع عرفات وعاد وبرفقته صورتا جواز سفره وجواز سفر عرفات. واستقر جواز السفر الفلسطيني رقم (1) في خزينة بنك لومبارد في جنيف. ولم يكن معلوما انه دخل اليها. شركة لادبوري انبعثت حية ترزق، محمد رشيد حول لها بداية مبلغ 20 مليون دولار، ليتدفق اليها المزيد من الملايين بوتيرة متزايدة. وودائع رادبوري وصلت الى 340 مليون دولار اغلبها في بنك لومبارد وبعضها في ثلاث مؤسسات مالية اخرى انضمت لاحقا.

محمد رشيد في بداية دربه عمل كصحافي في مجلة «الحرية» التابعة للجبهة الديمقراطية، واختار صحافية فلسطينية كزوجة اولى، ومن ثم تزوج من امرأتين أخريين.

محمد رشيد ليس فلسطينيا، بل هو كردي الاصل، ولذلك لا يشكل تهديدا بالنسبة لعرفات أو بالنسبة لورثته المحتملين. في السابق كان مؤتمنا على أسرار خليل الوزير (أبو جهاد) الذي اغتالته اسرائيل في تونس عام 1988 والذي أرسله الى قبرص ليرأس تحرير صحيفة «البلاد». وفي الثمانينات كان محمد رشيد مطلوبا للانتربول من دون توضيح الاسباب. وأحد التقديرات هو انه قد تورط في تصدير الماس. وعندما غادر عرفات بيروت الى تونس نشأت العلاقة بينهما. رشيد نفذ لعرفات صفقات الماس والذهب وبرهن على قدرته على جلب الأرباح الكبيرة ليتحول تدريجيا الى الشخص المؤتمن الأساسي بالنسبة للزعيم الفلسطيني.

رشيد يعرف القيادة الاسرائيلية أكثر من سياسيين اسرائيليين كثيرين وله علاقات متشعبة معهم وهو شخص نادر الذكاء وذو شخصية كاريزماتية، ذات ثقة بالنفس. وهو مصاب بمرض التأخير اذ يترك منتظريه ليومين أو ثلاثة ليصل وذقنه غير محلوقة ولكن في مظهر حاذق رغم الاهمال البادي عليه متمكنا من دفع المنتظرين الى تناسي أخطائه خلال خمس دقائق. ويتابع محمد رشيد ما يحدث في المجتمع الاسرائيلي، ويلتقي القادة والشخصيات حتى في اليمين الاسرائيلي. لديه قدرة عالية على التمييز بين الأساسي والثانوي، وقدرة على استخدام معلوماته في الوقت والمكان المناسبين. ولديه دراية في كل مجال من دون ان يكون ملما به بصورة حقيقية. وهو يعيش كأمير ويبذر كالملك ويتصرف كالقيصر، سخي، قاس وساحر وغريب. ويستخف بصورة مطلقة بكل قواعد وأصول الادارة السليمة وبالقانون والمؤسسة. ذات مرة عندما اشتكى ليف أمامه من نفقاته الكثيرة التي لا توجد لها تغطية، نهض محمد رشيد وأخذه الى الخزنة ليخرج 60 ألف دولار ويضعها أمامه. ليف قال انه يحتاجها لاغراض مصرفية فاكتشف بعد يومين ان مائة ألف دولار قد أودعت في حسابه. محمد رشيد يعمل من دون تصاريح أو فواتير، وحسب تقديره الذاتي أموال الشعب الفلسطيني تخضع لنفوذه ولا يوجد له مراقب ولا مدقق حسابات، فقط هو وعرفات.

* ليف ورشيد

* العلاقات بين ليف ورشيد توطدت جدا، وهذا لم يرق لغينوسار الذي توترت علاقاته مع ليف. رشيد كان «محسوبا» على غينوسار، وكل من كان يقترب جدا منه يتلقى نصيبه. الامور سارت على ما يرام في حينه، ليف أضاف للبنك السويسري ثلاث شركات مالية اخرى: «سوديتيك السويسرية» وهي شركة يهودية، و«أطلس كابيتال» وهي شركة لندنية مرموقة، وعائلة سموحا السويسرية وهي عائلة يهودية من أصول مصرية جاءت من الاسكندرية بعد الثورة. غينوسار لا ينوي ترك ادارة المال الفلسطيني له وحده كما قال له. وعرض عليه الشراكة في كل شيء وحتى شركة «بريشروب» وهي شركة ودائع يملكها غينوسار والبروفيسور ستيف كوهين سجلها ريتشارد سموحا لهما. وكوهين هو أحد نشطاء السلام اليهود الاميركيين المعروفين ويعمل فيما يعمل في مركز السلام التابع للملياردير دانايبرمز، وهو معروف لكل قادة الشرق الاوسط، رجل موهوب قضى سنوات طويلة في أروقة الحكم يتنقل بين العواصم المختلفة وبرز اسمه بشكل خاص في محاولات الوساطة بين عرفات واسرائيل. تعرف كوهين على غينوسار خلال نشاطهما المشترك من اجل الأسرى والمفقودين الاسرائيليين، وساعد غينوسار عند عرفات وفتح أمامه الساحة الفلسطينية. وغينوسار في المقابل اسس معه شركة بريشروب حيث جمع الاثنان من خلالها الملايين بفضل محمد رشيد. مغامرات الشراكة بين ليف وغينوسار تعززت وتبلورت. سموحا فتح لهما شركة ودائع باسم «غرومينجو للودائع»، هذه الشركة حصلت على عمولة الادارة مباشرة من بنك لومبارد ومن شركات ادارة الاموال الثلاث الاخرى (سوديتيك وأطلس وسموحا ووزعتها على شركات خاصة لليف وغينوسار. الاثنان اتفقا مع رشيد ودي تشارنا على العمولة، وحسب الاتفاق لم تدفع الاموال من قبل الجانب الفلسطيني وانما على يد البنك والمؤسسات المالية الثلاث فقط (التي دفعت الجزء الفلسطيني ايضا بالتنسيق مع محمد رشيد وخصمته من الحساب). بهذه الطريقة امتنع الاثنان عن الحصول على الاموال من الفلسطينيين مباشرة. وفي ذروة النشاط حصلا على مليوني دولار (قبل الخصم) سنويا عمولة ادارة. والمال كان يحول الى حسابهما كل ثلاثة اشهر. غينوسار قرر اشراك محمد رشيد في هذه العمولة، فعرض على ليف الموافقة على خصم نسبة معينة من العمولة لحساب محمد رشيد معللا ذلك ان رشيد هو الذي رتب لهما كل ذلك. وهكذا تدفق المال بين الثلاثة. محمد رشيد الذي يتابع الاستثمارات باهتمام كبير أمسك بليف ذات يوم في محادثة شخصية: صدقني يا عزراد، أُترك كل شيء، وأغلق كل اعمالك الاخرى ولتعمل معي بصورة مطلقة، وأنا سأحولك الى رجل ثري كما فعلت مع يوسي». ولكن ليف لم يخلع القفاز. ذات يوم بادر غينوسار الى الحديث مع ليف: «لدى رشيد هنا حساب خاص عند سموحا، ما رأيك بأن تديره له؟». ليف لم يفهم وسأل «أي حساب؟» فأجابه غينوسار: «الأموال في حساب خاص لرشيد». ليف قال: «أي اموال، رواتب من السلطة الفلسطينية؟». غينوسار أجاب: أجل رواتب، وأنا سأوضح لك لاحقا». ليف أدرك على الفور ان شيئا ما ليس على ما يرام. وتلقى وثائق الحسابات حيث كانت فيها في تلك الفترة ثلاثة ملايين دولار وحركة تحويلات داخلية كبيرة، فأدرك انها من نوعية ما يطلق عليه اقتصاديا KickBacks أي نوع من الرشاوى الخفية. ليف لم يعرف في حينه من أين يأتي المال. وأعد معطوني سموحا لمحمد رشيد برنامج استثمار منظم. محمد رشيد تحمس وطلب منه زيادة المخاطرة وقال له: لا تخف ولا تحسب أي حساب. محمد رشيد لم يحسب حساب أحد، الأسهم المحببة اليه كانت «تشيك بوينت» الاسرائيلية. ليف نصحه بشراء أسهمها فوافق واشترى المزيد المزيد منها. محمد رشيد كان يحب المغامرات المالية ولم يقم بسحب الاموال من هذا الحساب بالمرة. وكان يحافظ على وجوده على ما يبدو مباشرة من سلطة الشركات الفلسطينية وترك الحساب السويسري لأغراض التسلية والصفقات. الا ان محمد رشيد لم ينجح دائما فقد كان مثلا قد أودع في أسهم شركة باسم «كومرزا» التي انهارت تماما في مرحلة معينة. ليف من جانبه بدأ يدرك كنه الصورة ويركب أجزاءها المتكاملة. ومن هنا وهناك أدرك ما يجري، وهو ان محمد رشيد يحصل على الاموال من بريشروب، أي من غينوسار وكوهين اللذين يحصلان على المال كعمولة من صفقات الوقود والاسمنت في البلاد، يد تغسل يداً، والجميع يقومون بتسمين الجميع. غينوسار عرف دائما متى يفترض ان يحصل محمد رشيد على المال وكم. وليف كان يعرف منه الامر من اجل تخطيط استثمارات محمد رشيد، وغينوسار كان يعطي التقرير. «سيحصل على المال في الشهر القادم بقيمة 300 ـ 400 ألف دولار». وهكذا مرت الايام والاسابيع والاشهر. الشركاء أخذوا يثرون بهدوء. محمد رشيد رتب لغينوسار خصمية من كل صفقة. وغينوسار يرد عليه بعملية تحويل سرية موازية. عملية السلام واصلت تلاشيها، وغينوسار واصل الابحار بين المكاتب مقرباً من كل جهاز حاكم وضيف عزيز في كل وزارة. في عهد باراك وصل غينوسار الى ذروة تأثيره. وتوجه في مهمات ليلية في كل اسبوع تقريبا بين باراك وعرفات وبالعكس. وفي الطريق كان احيانا يتصل مع ليف. «أنا في الطريق للختيار (عرفات)، صديقك اهود مجنون تماما، صدقني» كان يقول له. وفي وقت لاحق وصل غينوسار الى كامب ديفيد حيث مؤتمر السلام الحاسم من اجل انهاء الصراع. أطراف مقربة من باراك قالت في هذا الاسبوع ان الاجهزة الامنية حذرت باراك في مرات عديدة من استخدام غينوسار بسبب تناقض المصالح، الا انه تجاهل ذلك، وفي نهاية المطاف عندما قام المستشار القضائي للحكومة بمنع مشاركة غينوسار في الوفد الاسرائيلي الى كامب ديفيد في ضوء رفض غينوسار المطلق للكشف عن طبيعة صفقاته مع الفلسطينيين، وجد باراك حلا: غينوسار استدعي الى هناك كعضو الوفد الاميركي. المهم ان يصل.

* كامب ديفيد

* وفي كامب ديفيد ادى مهمة حاسمة. اذ كان يحث باراك على الحديث مع عرفات، يمارس الضغط على كل الاطراف في محاولة للتقدم والتوسط. واضح ان المسيرة السلمية مهمة لغينوسار وليست فقط لاعتبارات اقتصادية، من جهة اخرى واضح بقدر لا يقل انه اثرى منها واستمرت الشراكة بين ليف وغينوسار. ولتغيير التخطيط الضريبي اغلقا اجرومينكو وفتحا شركة بديلة «فايننشال اكويتيز»، وادخلا سموحا كشريك، وبعد ذلك نقلا نشاطهما الى قبرص، ومن هناك الى هولندا حيث استأجرا خدمات شركة ادارة الاموال المحلية (ستيكو). وفي هذه الاثناء تلقى سموحا نصيبه من الكعكة الفلسطينية وفتح ملف استثمارات (نحو 40 مليون دولار وصلت من رام الله ومن بنك لونكرد وسوريتيك، بامر من رشيد). في مرحلة معينة فتح غينوسار وليف مكتبا في البلاد ايضا يقع في شارع تشاح في تل ابيب. ولكن الوضع الاقتصادي بدأ يسوء، ولم تكن هناك صفقات ربحية وكان من سارع الى مساعدتهم بالطبع هو رشيد. ففي لقاء مع ليف في رام الله تحدث رشيد عن عدة «اصدقاء ومقربين» يريدون استثمار المال. وقال «هيا نفتح لهم صندوقا ما في الخارج»، وفهم ليف ان الحديث يدور عن كبار في اجهزة الامن، وربما وزراء معروفين ممن جمعوا الملايين وهم يريدون الاستثمار. ولكنه سارع الى تبريد حماسة رشيد بقوله «لا يمكن لنا ان نفتح لهم صندوقا بشكل مباشر»، واضاف، «تصور ان يفعل كبار رجالات الجيش والوزراء في الحكومة أمرا مشابها في سويسرا. هذا لا يمر هكذا. لدي حل آخر. هيا ننقل اموالهم الى بنك القاهرة عمان، ونعينه وصيا. فيقوم البنك بفتح صندوق، لنفترض في «سوريتيك»، وهكذا نتجاوز المشكلة». فتحمس رشيد. وفتح الصندوق واستثمر فيه 20 مليون دولار، نقلت الى البنك، الذي فتح وصاية وفتح صندوقا في سوريتيك. وسمي الصندوق «سوبر الدين». وعمولة ادارته نقلت الى وليد النجاب، احد مقربي ومساعدي رشيد، يملك هنا شركة باسم MCS وقد نقل نصيب غينوسار وليف في العمولات الى شركتهما الاسرائيلية، التي حملت اسم ARC والتي هي الاحرف الاولى من كلمات: «أناحنو روتسيم كيسيف» «نحن نريد مالا». وهكذا حصل غينوسار وليف على تمويل مريح ونفقات تشغيل الشركة في اسرائيل: شركته ما وقعت على اتفاق استشارة مع شركة النجاب وليف وفر الاستشارة، والعمولات دفعت، حسم ضريبة منها حسب القانون وكان الجميع راضين او بتعبير آخر ARC حصلت على بدل استشارة من MCS التي تلقت عمولة ادارة من سوريتيك، على حساب صندوق كبار الفلسطينيين في «سوبر الدين»، الذي ادير بوصاية بنك القاهرة ـ عمان. الكمال بعينه. الذراع وفي عام 1999، قرر رشيد فجأة تعيين محاسب يشرف على لدبوري، كما تقرر في كتاب القيود. فعقد لقاء في رام الله بين ليف وعربي يدعى عطا الله، المندوب المحلي لمكتب حسابات «دلويتتوش». ولكن غينوسار الذي عرف بالقصة فجرها. وصرخ على ليف قائلا «دعك من ذلك، ما الذي يدعونا الى ان نحتاج محاسبا في عملنا؟». قال ليف ان رشيد اراد ذلك فقال له غينوسار «وماذا اذن، اذا طلب منك ان تلقي بنفسك من السطح فهل تفعل؟». نجح غينوسار في اذابة موضوع المحاسب. وواصلت لدبوري العمل سرا. بدون مراقبة عامة، بدون محاسب، لم يعقد لدبوري حتى جلسة لمجلس ادارة واحدة. رشيد وغينوسار استخدما الشركة كما يشاءان. وفي مرحلة معينة جاء غينوسار، الرجل الشكاك وقال ان كثيرا من الناس يعرفون اسم «لاركوري»، وغير الاسم الى لاركوري «كروبر» ولكن باستثناء الاسم كل شيء بقي كالمعتاد. وفي هذه الاثناء واصل ليف الكشف عن النشاط الاقتصادي لرشيد. فما عرفه حتى الان، تبين له، ان سموحا احتفظ من أجله بشبكة متفرعة من الشركات. أهمها تسمى «كساندرا»، واسمها السري بين الاعضاء كان «رونسار». وكانت هناك شركات اخرى مثل «مرال»، «فالدي»، «بوني فيكيشين» وغيرها. وطلب غينوسار من ليف «ان يرتب» لرشيد كل الشركات. موصيا «بانه ليس من الائق ان يكون في الواجهة». وهكذا اجتمع الجميع في جنيف: رشيد، ليف، غينوسار ودعي الى المكان شقيق رشيد، عرفان، المنتج والمصور التلفزيوني، وكذا عمر سراج، والد زوجة رشيد. وكلاهما، عرفان وعمر، سجلا في شبكة شركات رشيد. اما هو فحصل على وكالة كاملة للقيام بكل عمل يريد، بدون ملكية ولكن مع حق التوقيع الكامل. وفهم ليف من كل هذه القصة عظمة القرابة وقوة الاخوة بين رشيد وغينوسار. فهم حاجة غينوسار لان يدفع لرشيد نسبة معينة من عمولات الادارة، المشروعة بحد ذاتها، التي جباها الاثنان (غينوسار وليف) من البنوك. يوجد هنا نهج قال ليفي لنفسه، يوجد هنا منظومة كاملة ومرتبة، أنا جزء منها. النهج بسيط: رشيد لا يمكنه ان يجبي النسبة من صفقات السلطة الفلسطينية مع الشركات الاسرائيلية بشكل مباشر. فلهذا فهو يأتي بغينوسار، يعرضه كوسيط. غينوسار يجبي العمولة ويفرز ويعطي رشيد حصته. ستيف كوهين، الذي اقام الصلة الاولية هو شريك. فقرر الصمت. كان يتلقى التقارير وينقلها، بدون تعليق، لغينوسار، الذي كان يعالج موضوع شركات رشيد بشكل شخصي مع سموحا. وقرر غينوسار بمفرده استثمار اموال رشيد في صفقات مختلفة. معرضا السلطة الفلسطينية للخطر في مثل هذه المغامرات. هكذا حصل في صفقة كبرى تضمنت استثمارا كبيرا في شركة اميركية باسم «سبيس ايمجنغ»، للاقمار الصناعية لاغراض المسح . ووجد سموحا فرصة لشراء سهم في الشركة، بمبلغ نحو 6 ملايين دولار. فقام غينوسار بتجنيد رشيد، الذي استثمر 3.75 مليون دولار في الصفقة من اموال السلطة الفلسطينية. دون اعطاء تقرير او الحصول على مصادقة. والشركة التي استثمر فيها المال لم تكن شركة ذات تبادل تجاري في البورصة وفي نهاية الامر لم يعط الاستثمار ثماره. غينوسار وليف حصلا على 10 في المائة من الاسهم في الاستثمار. وفهم ليف ان غينوسار يتعامل مع أموال السلطة لاغراض مغامراته المختلفة، ويجد في رشيد شريكا له في ذلك. في احدى الامسيات في عام 1998، دعا رشيد ليف الى عشاء يقيمه مارتن شلاف في كازينو اريحا وفي الطريق رن الهاتف النقال، وكان على الخط غينوسار من واشنطن. فأمره بالعودة. وقال له لا يجوز ان يربطونا بالكازينو.

وكان ليف يعرف في تلك المرحلة ان غينوسار مرتبط بالكازينو ايضا ويعرف انه سافر الى فيينا عدة مرات للمشاركة في جلسات عمل مع مارتن شلاف، صاحب شركة «كازينو النمسا» التي تدير الكازينو. كان يعرف ان الحديث يدور عن اكثر الكازينوهات ربحا في الشركة، يدخل قرابة مليون دولار في اليوم، مقابل نفقات تشغيل منخفضة جدا. فقرر حضور العشاء وهناك فتح قلبه لرشيد قائلا «لا استطيع ان استمر هكذا. ليس لدي قوة لهذا الهراء» فهدأ رشيد من روعه قائلا "دعك يا عزراد لدينا مستقبل كبير وسيكون كل شيء على مايرام». وتواصلت بين الرجلين واستمر غينوسار في محاولاته لتقييد علاقات ليف مع رشيد.

* اغلاق الحساب

* في ذات العام قرر رؤساء سوريتيك اغلاق الحساب الفلسطيني بعد ان كشف احد كبار الشركة، والذي هو زعيم يهودي بارز في سويسرا، ان رشيد وياسر عرفات يديران حساب استثمارات فاستشاط غضبا. وكان غينوسار يمكث في فندق «كوليم» في سانت موريس، واستدعى ليف من اسرائيل. واجتمعوا كلهم في الفندق: غينوسار وليف ورؤساء سوريتيك. وكان الجو كدرا. السويسريون وافقوا على مواصلة الاحتفاظ بالصندوق «سوبر الدين»، كونه كان تحت وصاية بنكية، ولكنهم طالبوا بالتخلص من المال الفلسطيني على وجه السرعة قائلين، «هذا المال لا نريده».

وفي يونيو (حزيران) 1998 تقريبا اغلق الحساب في سوريتيك. وتواصلت المشاكل بين ليفي وغينوسار، وفي فبراير (شباط) 2000 اتصل غينوسار مع ليف وطلب لقاء عاجلاً قال له فيه انا لا استطيع ان استمر هكذا أنت لا تعمل شيئا ومع ذلك تتمتع بالمال. وواصل «إما ان نعيد تقسيم النسبة بيننا أو ان افجر كل شيء حيث أذهب الى عرفات وفي ثانية لا يكون هناك حساب ولا تكون لاركوري». ورد تهددني، اعرض علي اقتراحا. ففهم ليف من اقتراح غينوسار انه واقع في مشكلة فوافق تحت الضغط على املاءاته وصار التقسيم الجديد ثلثين لغينوسار وثلثاً لليف. وبالمقابل توجه ليف الى رشيد وطلب منه ان يرتب الوضع ويعيده الى سابق عهده، والتقيا في يونيو 2000 في فندق في تل ابيب دون علم غينوسار الذي كان في هذه الاثناء في كامب ديفيد لاقناع براك بالتقدم خطوة اخرى نحو ياسر عرفات. اما ليف فكان يقنع رشيد بالضغط على غينوسار، فوعده رشيد قائلا «لن اسمح له بذلك، فكم تستحق؟». فقال رشيد «انا حققت ليوسي 10 ملايين دولار على الاقل. فكيف يفعل بي كذلك؟ واقسم لك باولادي اني معك. وسأعوضك». وقام رشيد بشكل مفاجئ بالتحويل الى حساب ليف 100 الف دولار كتعويض اولي. وواصل ليف الضغط وحصل من رشيد على 200 الف دولار اخرى. وفي نهاية اغسطس 2001 دعا دي تشاندنر غينوسار وليف الى لقاء عاجل في جنيف وابلغهما بان رشيد سحب على نحو مفاجئ 65 مليون دولار من لاركوري. مذهل غينوسار وليف. وكانت هذه بداية نهاية لاركوري. فسافر غينوسار ودي تشاندنر للقاء رشيد في القاهرة وتقرر هناك الاغلاق التدريجي للحساب. وانتهت لاركوري. وظل رشيد يدعي انه نقل اموالها الى اماكن سليمة ومناسبة. بينما ظل العالم بالمقابل فيواصل البحث عن احدى مصادر التمويل الفلسطينية والحسابات البنكيةالسرية لعرفات.