مسؤولون أكراد: بغداد تسرب معلومات كاذبة عبر مخبرين إلى شمال العراق عن مواقع أسلحتها

TT

كان مسؤول الأمن الكردي جالسا وراء مكتبه، وهو يقرأ رسائل وصلت إليه من مخبريه. وكل واحدة منها تتضمن إخبارية قد تغير مستقبل العراق. أو لعله كان يحلم فقط. قال المسؤول وهو يرفع ورقة بين يديه «هذه تقول إن العراقيين بنوا مسجدا في طوز خورماتو لكن تحته فراغ. المسجد ليس له حراس. الناس يذهبون هناك للصلاة لكن تحتهم هناك أسلحة كيماوية».

ثم التقط المسؤول رسالة أخرى وقال «هذه حول مصنع للأحذية والبلاستيك في بغداد، حيث تم إبعاد كل العمال قبل عودة مفتشي الأسلحة، ثم جُلب عمال جدد محلهم. إنه يقع بالقرب من حي جميلة السكني، هذا غريب».

وإذا كان مفتشو الأسلحة يبحثون في العراق عن أسلحة محرمة فإن هناك عملية متوازية تجري في شمال العراق الواقع تحت سيطرة الأكراد. إذ يقوم المسؤولون الأكراد بتقييم فيض الإخباريات التي تصلهم حول المواقع التي يقال إن أسلحة صدام حسين الكيماوية وصواريخه مخبأة فيها. ويدور حاليا في كل المنطقة الكردية جدل حول ما إذا كانت هذه الإخباريات حقيقية أو أنها جزء من حملة استخبارية مضادة تقوم بها دوائر صدام الأمنية. وهذا ما جعل المسؤولين الأكراد يتساءلون حائرين «هل اكتشفنا أدلة قاطعة ضد الحكومة العراقية أم أننا وقعنا في فخ لعبة الجاسوس مقابل الجاسوس؟». وفي هذا الصدد قال مسؤول أمني من مدينة أربيل «دأب صدام على إرسال معلومات إلى المنطقة عبر عملائه، وهذه المعلومات كاذبة. صدقني، كل المعلومات التي حصلنا عليها حول المواقع التي أخفيت فيها الأسلحة تحتاج إلى العالم كله كي ينشغل في البحث عنها. إنه صدام الذي يقوم بتسريب هذه المعلومات». لكن المسؤول الأمني الذي التقيت به أولا في مدينة السليمانية يؤكد صحة الإخباريات لأنها وصلت عن طريق مخبرين كانوا صادقين في الماضي. ويقول «أنا لست جديدا على هذا العمل. وأعرف مع من أعمل».

من جانبه يترك الدكتور برهم صالح رئيس وزراء الحكومة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني التي مقرها السليمانية الجدال حول صحة هذه المعلومات مفتوحا، وقال في هذا الشأن: «نحن نعلم أن الحكومة العراقية لديها أسلحة كيماوية وهي تقوم بجهود حثيثة لإخفائها. نحن نعلم أن صدام حسين قادر على عمليات مخادعة وعلى نشر معلومات كاذبة».

وقال المسؤولون الأكراد إنهم قلقون من أن يسيىء الضرر الناجم عن نشر هذه المعلومات إلى مصداقيتهم نفسها، لأن بعض الإخباريات التي يعتبرها المسؤولون الأكراد صادقة قد تم توصيلها إلى فرق الاستخبارات الأميركية العاملة في شمال العراق. وقال المسؤول الأمني في اربيل «صدام يريدنا أن نسرب هذه المعلومات الكاذبة إلى الأمم المتحدة، وهذا ما سيدفع موظفي الأمم المتحدة للذهاب إلى المواقع المزعومة مرة ومرتين وثلاث مما يؤدي إلى تضييع الوقت وفقدان أي احترام لمصداقية الأكراد». من جهته، قال فريدون عبد القادر وزير الداخلية في حكومة السليمانية «الاستخبارات الكردية غير قادرة على التأكد مما اذا كانت هذه الإخباريات صادقة أم كاذبة».

في الوقت نفسه، يستمر ورود المعلومات عبر مخبرين، وتنتشر هذه المعلومات في القرى الواقعة على الخط الفاصل بين شمال العراق ووسطه ثم يتم نقلها إلى الصحافيين هنا كي ينقلوها إلى الخارج. من جانبه قال كريم آغا شيخ عشيرة الهماوند التي ينتشر أبناؤها على الخط الفاصل بين المنطقتين بالقرب من مدينة جمجمال إن مهربا يتنقل بين المنطقتين رأى اخيرا جنودا عراقيين مع أجهزة ثقيلة يحفرون حفرا في الليل في أخاديد نائية ويدفنون فيها حاويات معدنية. وقال وزير الداخلية فريدون إنه استلم قبل أسبوعين إخباريتين حول أناس يقومون بدفن معدات في الليل تحت حماية حراس عسكريين، وإنه أعطي أوصاف أربع شاحنات يُعتقد أنها مختبرات بيولوجية متحركة.

أما المسؤول الامني في السليمانية الذي وُضعت على مكتبه التقارير فقال إن الحجم الكبير من الإخباريات والنقاش الدائر حول ما يمكن عمله تجاهها سيؤديان إلى فقدان قيمتها مع مرور الوقت. وقال هذا المسؤول إن المخبر الذي نقل له الإخبارية عن طوز خورماتو شكا قائلا: «لماذا لا تذهبون بأنفسكم إلى الجامع؟ نحن أعطيناكم المعلومات لماذا لم تأتوا؟».

وتبلغ مشاعر التوتر والإحباط في المنطقة الكردية درجة عالية حاليا تجاه هذه الإخباريات وهذا ما دفع شخصا واحدا على الاقل لإيصالها إلى الأجانب رغم أنه بدا مدفوعا بشيء من الانتهازية. فقد زار ذلك الشخص احد منتجي محطة تلفزيون «إم بي سي» الاخبارية الأميركية في الفندق الذي يقيم فيه بالسليمانية أواخر الشهر الماضي، وطلب منه مبلغ 50 ألف دولار مقابل تهريب قناني مشبوهة من أحد مصانع الأسلحة في بغداد. لكن المنتج كيفن ماك كيرنان رفض العرض وأخبر مكتبه عن الحادثة وكتب في دفتر مذكراته ان الزائر «بدا غاضبا لأنني قلت له: إن مراسلي الأخبار لا يشترون مواد».

ويبدو أن هذا الفيض الكبير من الإخباريات ليس جديدا على المنطقة الكردية العراقية، حسب مسؤول كردي آخر كان قد عمل منسقا مع القوات الأميركية في فترة عملية الإغاثة بشمال العراق في بداية التسعينات وساعد على تجميع التقارير كي يسلمها للمسؤولين الأميركيين عبر لقاءات أسبوعية منتظمة بهم كانت تجري في مدينتي دهوك واربيل. وقال المسؤول إن حجم المعلومات كان هائلا وقراءتها تشكل عملا روتينيا شاقا. وأضاف «أفترض أن ما بين 10 و20 في المائة منها صحيح أما البقية فأنا أشطبها أو أكتب بجانبها: معلومات من مصدر غير موثوق به».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»