اتجاه جديد يتبلور بين علماء الدين في إيران يدعو للانسحاب من السياسة حتى لا يخسروا الناس

TT

في الوقت الذي جذبت فيه المظاهرات المؤيدة للديمقراطية في حرم الجامعات الايرانية المزيد من الانتباه، فإن حركة اكثر تفجرا تتبلور هنا في قم في واحد من اهم مراكز الدراسات الدينية في العالم الاسلامي.

فعلماء الدين الذين طالبوا قبل جيل من الزمن بتأسيس حكومة دينية اصولية، يعيدون التفكير في ذلك. فالدين، بالنسبة لعدد منهم، ينتمي الى المسجد فقط.

ومدينة قم هي مقر اكثر من 30 الفا من رجال الدين وتنتشر فيها العديد من القباب المذهبة والحوزات، وايضا المقر الفكري للثورة الاسلامية التي اوصلت رجال الدين الى السلطة في عام 1979. وكان آية الله الخميني الاب الروحي للثورة يرسل مبعوثين من المدينة لنشر رسالة الثورة عبر مساجد البلاد.

ولكن بعد عقدين من الزمن، فإن العديد من علماء الدين هنا يشككون علنا في حكمة الجيل السابق. ويشيرون الى ان دخول مجال السياسة، قد شوه صورة علماء الدين الشيعة في ايران. ولن يمكن استعادتها، الا اذا انسحبوا من الحكومة.

ويقول ابو الفضل موسوي، وهو رجل دين في مرتبة متوسطة يدرس في جامعة مفيد بقم «ان الاداء السياسي لعلماء الدين في العقدين الماضيين سبب الكثير من المشاكل لهم. فأولا الذين يتبوأون مراكز السلطة لا يتسامحون مع أي فكرة اكثر من افكارهم. وثانيا يتشكك الناس في علماء الدين ويلومونهم هم والدين على المشاكل الحالية».

وتتجنب أغلبية علماء الدين في ايران، وبصورة متزايدة الحديث في السياسة، كما اوضح مصطفى ازادي وهو صحافي وباحث. والاهم من ذلك، كما ذكر، انهم نادرا ما يتبنون صف الحكومة، حتى عندما يطلب منهم الدعم.

وقال ان «رجال الدين يريدون الوقوف الى جانب الناس. ويخشون انهم اذا اقروا اداء الحكومة فربما يخسرون الناس».

واوضح انه بين رجال الدين الذين يمثلون مراجع التقليد وعددهم 40 ، فإن مجموعة لا تزيد عن اصابع اليد الواحدة تؤيد الحكومة.

ويذكر ان علماء الدين المؤيدين للاصلاحات يسيطرون على سلطات سياسية محدودة. وتلك السلطات تقع في يد علماء الدين المتشددين الذين يسيطرون على معظم مقاليد السلطة.

ويسيطر المحافظون على المواقع المهمة في الحكومة والمجتمع الايراني، من الامن الداخلي الى القضاء، بالاضافة الى المؤسسات القوية التي تسيطر على معظم الاقتصاد. فعلي خامئني «المرشد الاعلى» يتمتع بسلطات واسعة، ومع ضعف الاقتصاد الايراني وارتباط الجيل الجديد بـ«الانترنت» وشبكات التلفزيون الفضائية، فإن رجال الدين اصبحوا هدفا للاحباط الشعبي.

وبالاضافة الى ذلك فإن الفصل المتشدد للجنسين، واجبار المرأة على ارتداء الحجاب والتشدد في تطبيق الشريعة اصبح مصدرا للاستياء في ايران.

واصبح علماء الدين في قم خلال السنوات الاخيرة هدفا لغضب المؤسسة الحاكمة. فقد ظهر احدهم خلال لقاء من دون العباءة والعمامة المميزة التي يعتمرها رجال الدين الشيعة مفسرا ذلك بأن اصحاب سيارات الاجرة الذين يتوقفون لتوصيله الى مكان ما يتحدثون معه بغضب وانفعال حول القضايا السياسية. وقال رجل الدين محمد علي إيادي، انه وجد نفسه يواجه اسئلة عدائية وغاضبة من الطلاب خلال أي مناسبة يتطوع فيها للحديث في الجامعات، اذ يرون ان أي رجل دين كممثل للمؤسسة ومسؤول عن الاخفاقات، لكنه اختار ان يواجههم ويتحدث حول القضايا التي يثيرونها بدلا من تجنبها. جدير بالذكر ان «المحكمة الخاصة لرجال الدين»، التي يسيطر عليها رجال دين متشددون، هي الجهة المسؤولة عن التعامل مع رجال الدين المنشقين، ظلت بمثابة رادع قوي ضد الاحتجاجات داخل مؤسسة رجال الدين. وأصدرت هذه المحكمة عدة قرارات بالسجن والتجريد. فقد اصدرت هذه المحكمة حكما بالسجن لمدة عامين بحق وزير الداخلية السابق عبد الله نوري، كما اصدرت حكما بالسجن لمدة خمس سنوات على حسين يوسفي اشكواري بسبب حديث له في برلين قال فيه انه لا يجب ان يفرض على المرأة تغطية رأسها. ويقول هادي غابل، وهو عالم دين من المراكز المتوسطة وعضو في «حزب جبهة المشاركة»، ان الخوف من تجريد رجال الدين امر خطر لان هوية رجل الدين لا تنفصل عن مظهره الديني. ومثلما كان عدد كبير من علماء الدين في ثورة 1979 من تلاميذ آية الله خميني، كان غالبية رجال الدين الاصلاحيين من طلاب آية الله حسين علي منتظري، رجل الدين المنشق الذي ظل قيد الإقامة الجبرية منذ عام 1997 بسبب تحديه لسلطة علي خامنئي. والمعروف ان منتظري كان نائبا لآية الله الخميني وكان من المتوقع ان يخلفه، لكنه اجبر على الاستقالة قبل اشهر من موت الخميني عام 1989 بسبب خلافات حول اتجاه الثورة. ولمنتظري موقع على شبكة الانترنت يتصل من خلاله بأتباعه سواء عن طريق البريد الالكتروني او بواسطة رسائل تبعث الى ابنائه. وفي نفس الوقت فإن رجال الدين الاصلاحيين انشأوا «رابطة الباحثين والمدرسين» التي تجتمع مرة كل اسبوع لمناقشة السياسة. وبدأت الرابطة عملها عام 1998 وسجلت قبل ثمانية اشهر كاتحاد ديني مواز لـ«جمعية المدرسين» المحافظة. ويناقش علماء الدين في الحوزات غالبية القضايا بكل حرية، كما باتوا يكتبون في كتبهم واصداراتهم حول المواضيع والقضايا التي كانت من المحظورات في السابق. فقد حذر إيادي في كتاب له بعنوان «حدود قانون الشريعة في الحكومة الاسلامية» من ان اخطر انواع الاستبداد هو الاستبداد القائم على الدين، لأنه «يوسع من سلطته الاجتماعية والعسكرية ويحاول تبرير ذلك بذرائع دينية»، طبقا لما كتبه. وكان لضغوط الاتحاد الاوروبي الاخيرة بغرض إنهاء القوانين التمييزية ضد النساء وغير المسلمين لقاء توسيع الاستثمارات الاجنبية بعض الاثر، اذ اعادت الحكومة النظر في القوانين بغرض المساواة.

وفي قم انشئت مؤسسات متعددة للبدء في النظر في قضايا حساسة مثل حقوق المرأة. كما بات شائعا الآن وسط رجال الدين الحديث ضد رجم النساء كعقوبة على ممارسة الزنا، اذ يعتقد حسين موسوي تبريزي، وهو مدع سابق وواحد من طلاب آية الله الخميني، ان «العقوبة اذا اصبحت مصدرا للكراهية تجاه الدين، فإن هذا النوع من العقوبة يصبح غير مقبول». جدير بالذكر ان تبريزي فضل إلغاء العقوبة. وبمساندة بعض رجال الدين قدمت عضوات البرلمان الايراني مشروع قرار لإلغاء عقوبة الرجم من قانون العقوبات. وعلى الرغم من ان مشروع القانون لا يصبح قانونا الا بعد ان يجد قبول مجلس مختص، فإن تأييد رجال الدين الاصلاحيين يعتبر مؤشرا ايجابيا وسط الاصلاحيين بصورة عامة على احتمال ان تصادق الجهات المعنية على هذا القانون.

* خدمة نيويورك تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»