تحفظ وكالات الاستخبارات الأميركية على الربط بين العراق و«القاعدة» يوتر العلاقة بينها وبين مسؤولين كبار في وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي

مصادر «سي آي إيه» و«إف بي آي» شكت من «مبالغات» بعض أركان الإدارة بشأن ما سيعرضه باول على مجلس الأمن بعد غد

TT

سبّبت المساعي الأميركية الهادفة إلى جمع الأدلة التي تبرر شن حرب على العراق إلى تصاعد أجواء التوتر داخل وكالات الاستخبارات الأميركية نفسها بخصوص استخدام المعلومات الاستخبارية لاثبات العلاقات التي تربط العراق بتنظيم «القاعدة»، حسبما قال بعض المسؤولين الأميركيين. واشتكى بعض المحللين العاملين في وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي ايه» من مبالغات بعض المسؤولين الكبار في إدارة الرئيس جورج بوش حول بعض التقارير الاستخبارية المتعلقة بالعراق، خصوصا ما يتعلق بالأواصر المحتملة التي تجمعه بالمنظمات الإرهابية، من أجل تقوية موقفهم المؤيد للحرب.

من جانب آخر قال بعض المحققين العاملين في مكتب المباحث الفيدرالي «إف بي آي» إنهم شعروا بالدهشة الشديدة لإصرار إدارة بوش على وجود «علاقة قوية» تجمع العراق بشبكة «القاعدة». وقال مسؤول حكومي في هذا الصدد: «نحن بذلنا جهودا شاقة لأكثر من سنة لكن لم نتوصل إلى وجود علاقة بين الطرفين. وجاء تصاعد التوتر داخل الوكالات الاستخباراتية مع قرار كولن باول وزير الخارجية الأميركية التوجه إلى مجلس الأمن الدولي بعد غد لتقديم ما وصفه بـ«الدليل» على وجود مثل هذه العلاقة اضافة الى مساعي العراق المزعومة لتطوير أسلحة كيماوية وبيولوجية ونووية وصواريخ بعيدة المدى.

وكشفت المقابلات التي جرت مع مسؤولين في الإدارة عن وجود خلافات بين وزارة الدفاع «البنتاغون» ومجلس الأمن القومي من جهة وبين «سي آي ايه» و«إف بي آي» وإلى حد ما وزارة الخارجية الأميركية من جهة أخرى. إذ أصبح «البنتاغون» ومجلس الامن القومي المصدر الذي استقى منه باول معلوماته والتي سيقدمها لمجلس الأمن بخصوص هذه المسألة. وفي المقابلات اتضح أن مسؤولين هما بول وولفويتز نائب وزير الدفاع وستيفن هادلي نائب مستشارة الرئيس لشؤون الأمن القومي وراء تفسير معلومات معينة على أنها أدلة تثبت تورط العراق ببرامج سرية لتطوير أسلحة غير شرعية ووجود أواصر تجمعه بالمنظمات الإرهابية ، بينما يرى مسؤولون في أجهزة الاستخبارات ان هذه المعلومات معتمة وغير مقنعة تماما. كذلك مارس دونالد رامسفيلد وزير الدفاع وكوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي ضغوطا لفرض هذا الموقف على مسؤولي الوكالات الاستخباراتية.

وقال مسؤول حكومي كبير إن المناقشات ما زالت تدور بشكل مكثف تهيئة لما سيقدمه باول لمجلس الأمن الدولي، وإن هناك قدرا من الخلاف بين مستشاري الرئيس بوش حول طبيعة حكومة صدام حسين الأساسية. لكن هذا المسؤول أضاف «إنني لم أجد أي شخص يظن أن هذه الأدلة ليست مقنعة». وكان بوش قد طرح في خطاب «حالة الاتحاد» الثلاثاء الماضي إن العراق يقوم بحماية ومساعدة ناشطي «القاعدة»، لكن مسؤولي الاستخبارات وفرض القانون في الولايات المتحدة قالوا إن الأدلة متجزئة وغير حاسمة. وفي هذا الخصوص قال مسؤول عند وصفه لمشاعر بعض المحللين العاملين في الوكالات الاستخباراتية ان الخلافات هي «أكثر من أن تكون محض شكوك». وأضاف «أظن أن هناك شعورا بالخيبة بين مسؤولي أجهزة الاستخبارات من أن رؤساءهم لا يقفون في وجه الطرف الآخر في وقت راحت المساعي تتصاعد لتسييس هذه الأجهزة».

وتجدر الإشارة إلى أنه لم يشارك جورج تينيت مدير «سي آي ايه» أو روبرت مولر مدير «اف بي آي» في أي نقاش علني حول الأدلة المتعلقة بعلاقات العراق مع المنظمات الإرهابية في الأسابيع الأخيرة حتى حينما بدأت إدارة بوش تكثف جهودها لتجميع المبررات لشن حرب ضد العراق. وآخر مرة، شارك تينيت في نقاش حول العراق، كانت في أكتوبر (تشرين الاول) الماضي حينما أزال مجلس الشيوخ صفة السرية عن رسالة كان تينيت قد كتبها حول بعض تقييمات وكالة الاستخبارات المركزية للملف العراقي. وجاء في رسالة تينيت أن «سي آي ايه» مقتنعة بأن العراق قرر، ولفترة معينة،عدم القيام بأعمال إرهابية سواء بأسلحة تقليدية أو أسلحة كيماوية أو بيولوجية ضد الولايات المتحدة، لكن الرسالة أضافت أن صدام قد يميل إلى استخدام الإرهاب إذا هو اقتنع بأن الولايات المتحدة على وشك أن تشن حربا ضد العراق وأدت التحالفات الموجودة بين المسؤولين المعنيين بهذه القضية إلى تقوية وجهة النظر القائلة بأن على إدارة بوش أن تتخذ موقفا حازما. وقال مسؤول في الإدارة إن «وولفويتز وهادلي يكمل أحدهما الآخر. وتجمعها علاقات عمل ممتازة. لكن هناك بعض المؤشرات التي تدل على أن باول قد لا يقدم الحجج الأكثر قوة تجاه العراق في خطابه في الأمم المتحدة تاركا هذه المهمة للرئيس في خطاب مستقبلي آخر. وقال المسؤول نفسه: «أنت لن ترى باول يقوم بهذه المهمة. إذ لن يكون خطابه آخر ما يمكن قوله، بل أن الرئيس هو الذي سيقوم بذلك. على الرئيس أن يطرح القضية بأسلوب تفصيلي أكبر».

من جانب آخر أبلغ ريتشارد أرميتاج نائب وزير الخارجية الأميركية لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الخميس الماضي بأن باول لن يركز على إثبات وجود علاقة مباشرة تربط الحكومة العراقية بهجمات 11 سبتمبر(ايلول). أما بالنسبة لموضوع الكشف عن وجود أواصر تجمع العراق بتنظيم «القاعدة» فإنه يُتوقع أن يركز باول على المعلومات الاستخبارية التي تشير إلى إمكانية وجود صلة بين صدام وتنظيم اصولي (انصار الاسلام) في شمال العراق استفاد من هذه الصلة لانتاج مادة سامة ، والمدعو «أبو مصعب الزرقاوي» الذي يعتبر من قيادات «القاعدة». والكثير من المعلومات الاستخبارية التي سيشملها خطاب باول تم كشفها للإعلام منذ عدة شهور. وحسب آخر التقارير الاستخبارية فان الزرقاوي كان مسؤولا عن تنفيذ خطة اغتيال لورنس فولي الدبلوماسي الأميركي في عمّان على يد عضوين تابعين للقاعدة. وفي ديسمبر (كانون الاول) الماضي أعلنت السلطات الأردنية أن الرجلين قد اعترفا باغتيالهما فولي وأنهما تلقيا التعليمات بخصوص العملية من الزرقاوي.

ويمكن اعتبار الصلة بمقتل فولي مهمة جدا لأن الولايات المتحدة لديها الأدلة على أن الزقاروي ، الذي هو أردني من أصل فلسطيني، كان في بغداد في بداية سنة .2002 ويصف المسؤولون الأميركيون ان الزرقاوي واحد من الوجوه المهمة داخل قيادة تنظيم «القاعدة». وقال هؤلاء المسؤولون إنه ذهب إلى العراق في ربيع سنة 2002 بعد إصابته بجرح أثناء الحرب الأفغانية التي بدأت بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول). وفي بغداد تمت معالجته ثم اختفى ابتداء من أغسطس (آب) الماضي بعد أن قال المسؤولون الأردنيون للحكومة العراقية إنهم يعرفون بوجوده في العراق. وآخر التقارير قالت إنه يختفي في شمال العراق لكن هذه المعلومات لم يتم التوثق من صحتها. وقال مسؤول أميركي: «كل ما يعرفونه أنه كان في مستشفى ببغداد».

وفي حالة وجوده حاليا في شمال العراق فإن المسؤولين الأميركيين يعتقدون بأن الزرقاوي سيكون مقيما مع عدد من الناشطين الأصوليين المنتمين إلى تنظيم «أنصار الإسلام». وهناك أدلة تشير إلى أن له أواصر بهذه المنظمة وأنه قد يعمل معها لتطوير سموم تستعمل في هجمات ضد الغرب وقد تشمل خططه ما كشف في الفترة الأخيرة عن مخطط يهدف الى تسميم الطعام الذي يصل إلى القوات البريطانية.

لكن مسؤولي الاستخبارات يقولون إن هناك عدم اتفاق بين المحللين حول ما إذا كانت هناك أواصر متميزة بين «أنصار الإسلام» وحكومة بغداد، ويحاجج بعض مسؤولي الإدارة الأميركية بأن لهذه الجماعة علاقات قوية بالحكم العراقي، بينما يقول مسؤولون استخباراتيون آخرون أنه ليس هناك سوى نتف من أدلة غير مترابطة عن وجود علاقة من هذا النوع. كذلك عبّر بعض المسؤولين الاستخباراتيين عن تحفظاتهم تجاه تصريحات الإدارة الأميركية المتعلقة ببرامج الأسلحة العراقية. مع ذلك هناك إجماع عام داخل كل وكالات الاستخبارات الأميركية على أن العراق مستمر في جهوده الهادفة لتطوير أسلحة كيماوية وبيولوجية وربما أسلحة نووية أيضا، وهو ما زال يحاول إخفاء برامج تطوير أسلحته عن اعين مفتشي الأسلحة الدوليين.

وقال المسؤولون إن الولايات المتحدة حصلت على بعض التسجيلات لمكالمات هاتفية تثبت أن المسؤولين العراقيين يقومون بتدريب العلماء على كيفية تجنب إعطاء معلومات مهمة حول برامج العراق التسليحية للمفتشين. وقد يقوم باول في الأمم المتحدة بعد غد بعرض صور التقطتها الأقمار الصناعية الأميركية ويظهر المسؤولون العراقيون فيها وهم ينقلون أجهزة ومواد من خارج بعض المباني قبل وصول المفتشين الدوليين إليها مع ذلك، ما زالت هناك بعض الخلافات في ما يتعلق ببعض المعلومات الاستخبارية التي تم كشفها للجمهور من قبل البيت الأبيض لكسب التأييد الشعبي وهذا يتضمن تضخيم الأهمية المترتبة على استيراد العراق لأنابيب ألومونيوم لاستعمالها في برنامج الأسلحة النووية. ووفق شهادة قدمها نائب وزير الخارجية الأميركية أرميتاج أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الخميس الماضي، اعترف هذا المسؤول بأن الإدارة الأميركية اعتمدت أحيانا على تقارير غير قاطعة وهذا لم يساعد على دعم حجة واشنطن لتبرير الحرب ضد العراق. ووافق أرميتاج على اقتراح السيناتور جوزيف بايدن كبير الديمقراطيين في اللجنة بأن على الإدارة الأميركية أن تركز على الأدلة غير القابلة للخلاف والتي تثبت أن العراق قد خزّن في الماضي كميات كبيرة من أسلحة الدمار الشامل وأنه حاول صنع أسلحة بيولوجية وأنه مستمر في مخادعة مفتشي الأسلحة الدوليين. وقال أرميتاج «مثلما كنا معتادين أن نقول في البحرية الأميركية: اجعل الأمور سهلة. تشبث بأقوى ما لديك من نقاط».

خدمة «نيويورك تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»