حملة العلاقات العامة الأميركية لكسب التأييد للحرب ضد العراق تصل إلى ذروتها

TT

استمع الرئيس الاميركي جورج بوش الى مكالمات الضباط العراقيين التي التقطتها اجهزة التجسس الاميركية والتي تركز حولها واستند اليها، فيما بعد خطاب كولن باول الى مجلس الامن الاسبوع الماضي، السبت السابق لعيد الميلاد في اجتماع بالمكتب البيضاوي. جلس بوش في 21 ديسمبر (كانون الاول) مع جورج تينيت، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وكوندوليزا رايس، مستشارته للامن القومي، واستمع الى الضباط العراقيين وهم يتحدثون عن «غازات الاعصاب» ويكشفون محاولاتهم لاخفاء المواد المحظورة عن مفتشي الامم المتحدة.

عرضت تلك المكالمات السرية على الرئيس ليقرر ما إذا كان سيعلنها وغيرها من المعلومات الاستخبارية على الملأ ام لا؟ وكانت تلك بداية ما سماه البيت الابيض حملته لعام 2003 لإقناع الاميركيين بتاييد الحرب ضد العراق. وقد شملت حملة العلاقات العامة، التي اشرف عليها مكتب الاتصالات بالبيت الابيض ومجلس الأمن القومي، بتصريحات دقيقة التوقيت من بوش ومجلسه الحربي، صاحبتها مراقبة لصيقة لاستطلاعات الرأي، مع استخدام شبكات التلفزة الواسعة الانتشار لتوصيل رسالة الادارة وموقفها الى كل انحاء القطر.

وفي يوم الثلاثاء، وهو نفس اليوم الذي ظهر فيه بوش من غرفة روزفيلت ليعلن «ان اللعبة قد انتهت»، وليعطي الضوء الاخضر لخطاب باول امام مجلس الامن، اصدر البيت الابيض توجيهات لاكبر مسؤولين بوزارة الدفاع لاجراء سلسلة غير عادية من المقابلات التلفزيونية يركزون فيها على اهمية خطاب باول. وقد اجرى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد مقابلات وادلى بتصريحات لتلفزيون «ايه بي سي» في لوس انجليس و«فوكس» بشيكاغو، و«ان بي سي» في سياتل و«سى بي إس» في منيابوليس. واجرى بول ولفويتز، الرجل الثاني بوزارة الدفاع والمعروف بمواقفه المتشددة ازاء العراق، مقابلات مع قنوات التلفزة المحلية في نيويورك وكليفلاند وسان فرانسيسكو. واجرت كونودوليزا رايس مقابلات على نفس المنوال مع تلفزيون «سي إن إن»، وبرنامج «لاري كينغ على الهواء» وبرنامج «نايتلاين» في محطة «إيه بي سي».

مع كل ذلك فان حملة البيت الابيض صادفتها عثرات كثيرة وعقبات كبيرة. فقد كان الجدل مستمرا بين كبار مساعدي بوش للامن القومي، حتى ليلة القاء خطاب باول، حول كمية وطبيعة المعلومات التي ينبغي كشفها. وكان هذا الجدل يكشف التوتر بين اولئك الذين يركزون على اهمية اقناع الجمهور بخطر صدام حسين، وأولئك الذين يخشون تعريض مصادر المعلومات الاستخبارية الى الخطر وانزعج مسؤولو الادارة كذلك عندما صرح وزير الخارجية الفرنسي، في مؤتمر عقده بالامم المتحدة يوم 20 يناير (كانون الثاني)، وقال فيه «لا شيء، لا شيء مطلقا» يبرر الحرب. وكان مفتشو الامم المتحدة يطلبون في تلك اللحظات نفسها تمديد مهمتهم شهورا اخرى لاكمال عملهم هذه التطورات دفعت بعض مسؤولي البيت الابيض الى الهمس فيما بينهم، كما عبر احدهم، بان الامور عادت الى «ما كانت عليه في أغسطس (آب)» وهم يشيرون بذلك الى الصيف الماضي، عندما أقام بوش بمزرعته بتكساس ملتزما الصمت في اغلب الاحيان حول العراق، بينما كان الجدل يحتدم حول الحرب بين كبار الجمهوريين وفي صفحات الرأي في الصحف اليومية، لكن البيت الابيض سارع هذه المرة ليأخذ بزمام المبادرة في سلسلة من المقابلات والخطابات المنسقة تنسيقا جيدا. ففي 21 ديسمبر ألقى نائب وزير الخارجية ريتشارد آرميتاج، خطابا في واشنطن قال فيه انه من «المثير للسخرية» ان نعتقد ان صداما سيظل قابعا «بخندقه» لا يبارحه. وفي 23 ديسمبر اعقبه ولفويتز في نيويورك، عندما ابلغ مجلس العلاقات الخارجية ان صداما امر بقتل كل من يتعاون مع المفتشين من العلماء العراقيين وأسرهم. وفي دافوس في 26 ديسمبر، قال باول، المعروف بأنه أكثر المسؤولين بالادارة دفاعا عن المفتشين، ان استمرار التفتيش اصبح عديم الجدوى.

وتابع البيت الابيض باهتمام شديد الخطاب الذي ألقاه باول، والذي اعده بصورة اساسية ستيفن هادلي، نائب مستشارة الامن القومي. ومع ان بوش لم يحضر نصف الساعة الاولى من الخطاب لانه كان في اجتماع مع رئيس الوزراء البولندي، الا انه حضر الساعة الاخيرة اثناء القاء الخطاب، بينما كان يتناول الجبن والبسكويت والكوكا بغرفة الطعام الملحقة بالمكتب البيضاوي. وكان معه كوندوليزا رايس وهادلي وآري فلايشر السكرتير الصحافي للبيت الابيض. وقال فلايشر ان بوش كان ملما الماما دقيقا بخطاب باول للدرجة التي كان يوضح للمجموعة المواقع الهامة من الخطاب قبل إلقائها. واضاف فلايشر كان الرئيس يقول: «الجزء التالي من الخطاب ذو أهمية خاصة». وبعد ان فرغ باول من خطابه استدعاه الرئيس ليهنئه على جودة ادائه.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»