الأردن يطلب من واشنطن عرض منفى آمن في دولة عربية على صدام و50 من كبار مساعديه

مسؤول أردني: عدي ربما يكون أول من يطلق الرصاص على والده إذا رفض عرض العفو

TT

قال مسؤولون على مستوى عال في الحكومة الاردنية انهم يسعون لاقناع الولايات المتحدة بعرض مكان آمن في العالم العربي على صدام حسين وحوالي 50 من كبار مساعديه للإقامة فيه كمنفى في حال تنحيهم عن السلطة. ويذكر ان فكرة عرض المنفى على القيادة العراقية ليست امرا جديدا، اذ تحدث حولها مسؤولون عرب الشهر الماضي ووافق عليها مسؤولون بارزون في الادارة الاميركية بمن في ذلك وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، بيد ان المقترح لم يجد رواجا عقب رفضه بشيء من الاحتقار من جانب بعض المسؤولين العراقيين، وضمنيا من جانب صدام حسين نفسه في سياق تصريحات تعهد خلالها بالتغلب على الغزو الاميركي. من جانبهم قال مسؤولون اردنيون بارزون انهم يضغطون باتجاه تضمين هذه الفكرة في أي قرار جديد حول العراق من مجلس الامن ليس اعتقادا منهم في ان صدام حسين سيقبل هذا العرض، ولكن لإدراكهم بأنه سيرفضه في الغالب. وقال المسؤولون، الذين طلبوا عدم ذكر اسمائهم، ان صدام حسين اذا رفض عرضاً رسمياً بالمنفى من مجلس الامن، فإنه سيعزل نفسه عن بقية القادة العراقيين ويزيد بالتالي من فرص حدوث تحرك من جانب القيادات الاخرى لقتله او الإطاحة به. ويعتقد مراقبون ان اهمية مساندة الاردن لفكرة نفي صدام حسين وبقية القادة العراقيين تكمن في تخلي الاردن عمليا عن أي خطوات تهدف للإبقاء على القادة العراقيين الحاليين في السلطة، رغم اعتماد الاردن بصورة اساسية على العلاقات الاقتصادية مع بغداد والحصول على النفط العراقي بأسعار رخيصة. وأعرب مسؤولون اردنيون على مستوى عال عن اعتقادهم ان الهجوم الاميركي على العراق بات امرا حتميا وتجاوز مرحلة المناورات الدبلوماسية، التي من المحتمل ان تبقي على صدام في السلطة، الى مرحلة التفكير في اتباع نهج براغماتي يهدف الى إطاحة صدام دون حدوث حرب.

المسؤولون الاردنيون قالوا أيضا انهم ناقشوا هذه الفكرة مع قادة عرب آخرين ووجدوا قبولا واسعا لها. وكان قادة سعوديون ومصريون قد التقوا في الآونة الاخيرة مع العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، الذي كان من اكثر قادة الدول العربية نشاطا في السعي الى التوصل الى إجماع ازاء الازمة العراقية. وضمن حديث حول مقترح العاهل الاردني بالعفو عن صدام حسين وكبار القادة العراقيين، قال مسؤول اردني التقى صدام حسين انه متأكد تقريبا من ان صدام سيختار مصيراً اشبه بنهاية هتلر في مخبئه ببرلين عام 1945 في حال وصول القوات الاميركية الى بغداد. كما اشار مسؤولون الى ان نجلي الرئيس العراقي، قصي وعدي، سيختاران في الغالب البقاء على قيد الحياة بدلا عن مواجهة نهاية كارثية عنيفة. وقال مسؤول اردني ان عدي صدام حسين ربما يكون «اول من سيطلق الرصاص على والده اذا رفض عرض العفو»، وأضاف مسؤول آخر ان تقديرات الاردن تشير الى ان ما لا يقل عن 50 من كبار المسؤولين العراقيين الذين من المحتمل ان يشملهم أي مقترح للعفو، بمن في ذلك كبار الجنرالات، ربما يقررون قتل صدام اذا رفض اقتراح العفو الذي يعتبر آخر طريق للسلامة امامهم. جدير بالذكر ان صدام حسين نجا من عدة محاولات اغتيال استهدفته، غالبيتها قام بها جنرالات ساخطين على حكمه، كما انه اعدم عشرات الذين اتهمهم بالتآمر عليه. من جانبهم، اعرب مسؤولون اردنيون بارزون عن اعتقادهم ان أي «حرب سريعة» بخسائر وأضرار محدودة على البنى التحتية العراقية من شأنها ان تقلب بصورة سريعة اتجاهات الرأي العام السائدة في الشارع العربي. ويرى هؤلاء المسؤولون ان مشاهد العراقيين وهم يحتفلون بتحريرهم من الحكم الحالي ربما يوجه رسالة قوية الى العرب الذين لا يزالون يؤيدون صدام حسين حتى الآن. وخلال المناقشات جرت مع هؤلاء المسؤولين لم ترد اشارة تقريبا حول النزاع بين الولايات المتحدة والدول الاوروبية حول افضل السبل لاحتواء اسلحة الدمار الشامل العراقية.

كما تحدثوا ايضا عن التصميم الاميركي على التخلص من صدام قائلين ان المسألة في العراق هي في واقع الامر «تغيير للنظام» وليس الاسلحة، كما اوضحوا انهم يفضلون التغيير، مؤكدين ان غالبية القادة العرب سيعربون عن ارتياحهم ازاء الإطاحة بصدام رغم شعبيته وسط الكثير من المواطنين العرب العاديين. وتحدث المسؤولون الاردنيون بعبارات صريحة ومباشرة، اشبه بتلك التي تستخدمها مجموعات حقوق الانسان الغربية، حول الرعب الذي يقولون ان صدام فرضه على الشعب العراقي. وأشاروا الى انهم ابلغوا الجانب الاميركي بضرورة ان تكون الحرب مع العراق مختصرة، اذ حدد مسؤول بارز فترة اسبوع واحد اذا بات ذلك ممكنا، بالاضافة الى حرص القادة العسكريين الاميركيين بذل كل ما هو ممكن للإبقاء على الخسائر وسط المدنيين في حدها الادنى. وعلى العكس من المسؤولين الاميركيين الذين قالوا أمام الكونغرس امس ان فترة اخضاع العراق لحكم عسكري اميركي ربما تزيد على عامين، قال المسؤولون الاردنيون انهم حثوا واشطن على التوصل الى خطط لحكم العراق على مدى فترة لا تتجاوز ثلاثة اشهر. واقترحوا ان السلطة في العراق عقب هذه الفترة يجب ان تكون في يد سلطة مدنية عراقية يجري تعيينها بواسطة ائتلاف من الدول الخارجية وليس بالضرورة ان تكون تحت إشراف منظمة الامم المتحدة. كما اقترحوا ايضا ان تعمل هذه القيادة المدنية مع قادة عسكريين اميركيين. وقال مسؤولون مطلعون في عمان ان العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني قرر في يوليو (تموز) الماضي الاستعداد تحسبا لهجوم اميركي على العراق وذلك عقب لقاء له في البيت الابيض مع الرئيس الاميركي. وأوضح مسؤول آخر على علم بما دار في ذلك الاجتماع ان العاهل الاردني استفسر الرئيس بوش حول ما اذا كانت هناك فائدة من محاولة إقناعه بالتخلي عن خطط إطاحة الرئيس العراقي، بيد ان بوش ابلغ الملك عبد الله، حسبما ذكر المسؤول، بأنه توصل الى قرار في هذا الأمر، مما دفع العاهل الاردني الى تغيير اولوياته بإتجاه إجراء التحضيرات اللازمة لتقليل أي آثار من المحتمل ان تقع على الاردن من جراء الحرب المرتقبة ضد العراق. وثمة تباين تام بين توجه الملك عبد الله الثاني ووالده العاهل الاردني الراحل الملك حسين، الذي توفي عام 1999 متأثرا بمرض السرطان بعد 46 عاما في الحكم. فقد قضى العاهل الاردني الراحل السنوات الاخيرة من حكمه في مواجهة النتائج الصعبة على الاردن من جراء حرب الخليج الثانية عام .1991 وسعى الملك الراحل عقب الغزو العراقي للكويت عام 1990 الى لعب دور الوسيط، اذ احتفظ بعلاقاته مع الرئيس العراقي وسعى ايضا الى التوصل الى حلول عربية للازمة الكويتية على نحو أثار غضب الرئيس جورج بوش الاب، مما تسبب في فتور العلاقات بين واشنطن وعمان على مدى عدة سنوات.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»