خالد شيخ عمل مهندسا في دائرة المياه بقطر وواشنطن وضعت خطة لاختطافه عام 1996 قبل هروبه

مسؤولون أميركيون وقطريون يتهمون وزيرا سابقا بإيواء متطرفين في مزرعته

TT

رحب الرئيس الاميركي جورج بوش بالقبض على خالد شيخ محمد الذي يعتقد انه مدبر هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 باعتباره حدثا محوريا في الحرب ضد الارهاب.

ولكن الولايات المتحدة كادت تقبض على خالد شيخ محمد قبل سبع سنوات، بعد مشاركته في محاولة ارهابية فاشلة في الفلبين، وذلك قبل سنوات طويلة من التخطيط وتنفيذ هجمات 11 سبتمبر.

ويكشف تحقيق عن المطاردة الطويلة لمحمد، اعتمادا على مقابلات مع مسؤولين في واشنطن والخليج، عن ادلة تشير الى انه في الوقت الذي كان فيه مكتب المباحث الفيدرالي (اف. بي. آي) يقترب من القبض عليه في اوائل عام 1996، ابلغه عدد من كبار المسؤولين في قطر ـ وهي الآن حليف اميركي هام في اية عمليات عسكرية ضد العراق ـ بتطورات الاحداث وساعده على الهرب.

واليوم يعتقد العديد من المسؤولين الاميركيين انه عندما تمكن خالد شيخ محمد من الافلات في قطر، فقدوا افضل فرصة لهم لمنع هجمات 11 سبتمبر على نيويورك وواشنطن.

غير ان قطر لم تدفع ثمنا دبلوماسيا كبيرا لتأييدها لمحمد. فكل التوبيخ الذي تلقته كان بشكل خاص وليس رسميا وجاء على شكل خطاب حاد من لويس فريه مدير مكتب المباحث الفيدرالي وقتها الى وزير خارجية قطر. وقال فريه في خطابه انه تلقى «معلومات مقلقة تشير الى ان خالد شيخ محمد فر مرة اخرى من مراقبة اجهزتكم الامنية وانه يبدو انه كان على علم باهتمام مكتب المباحث به، وان الفشل في القبض على خالد شيخ محمد سيسمح له ولغيره من المساعدين بتنفيذ عمليات ارهابية».

وتعتقد وكالة الاستخبارات الاميركية (سي. آي. ايه» انه في خلال عامين من الفرار من قطر، ارتبط محمد باسامة بن لادن واصبح واحدا من اقرب مساعديه واحضر معه الاهتمام بمؤامرات ارهابية كبرى تتعلق بشركات الطيران المدني.

وحتى في الوقت الذي كانت فيه قطر تؤوي خالد شيخ محمد، فان البلاد كانت تحصل على معاملات تفضيلية من واشنطن بالموافقة على توقيع عقد كبير للطاقة مع اسرائيل، وكانت تقترب ايضا من تحالف عسكري وثيق مع الولايات المتحدة. وفي النهاية وافقت على السماح للبنتاغون بتشييد اكبر مخزن امدادات عسكرية اميركية في الخارج على اراضيها واقامة المقر المتقدم للقيادة المركزية الاميركية. واليوم فان التعاون العسكري مع قطر هو حجر زاوية في خطط الرئيس بوش لهزيمة الرئيس العراقي صدام حسين.

وبالرغم من ذلك فان المسؤولين القطريين لعبوا دورا مزدوجا في مكافحة الارهاب، طبقا لمسؤولين اميركيين وبعض القطريين الغاضبين من تصرفات حكومتهم. فلم تؤو قطر خالد شيخ محمد فقط، بل سمحت لمجموعة من الارهابيين المصريين اما بالبقاء في قطر او التحرك عبر البلاد خلال التسعينات، طبقا لمسؤولين اميركيين وقطريين بالاضافة الى وثيقة حكومية قطرية حصلت عليها «نيويورك تايمز».

ويعتقد ان وزيرا قطريا كان يؤوي ما يصل الى 100 متطرف عربي ـ من بينهم بعض الذين شاركوا في القتال في افغانستان ـ في مزرعته في قطر في منتصف التسعينات. وترددت تقارير انه حتى سمح لاسامة بن لادن بعبور قطر.

ويعتبر ذلك مثالا على الطبيعة المعقدة للعلاقات التي تحتفظ بها الولايات المتحدة في دول في العالم العربي، وعدد كبير منها يميل نحو الولايات المتحدة ولكن عليها ايضا التعامل مع دعم شعبي للمتطرفين الاسلاميين. وكنتيجة لذلك، سعت هذه الدول الى تحقيق توازن في موقفها الموالي للغرب بتسامح هادئ مع الارهابيين المقيمين في اراضيها.

وقد انكمش هذا الامر بطريقة حادة في اعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، عندما طالبت الولايات المتحدة بضرب الارهاب في الدول العربية. وقبل 11 سبتمبر لم تكن العديد من الدول العربية تشعر بضغوط للتعاون بصورة كاملة مع الولايات المتحدة للقبض على الارهابيين.

وقد تناهى اسم خالد شيخ محمد الى اسماع المسؤولين الاميركيين عن مكافحة الارهاب في عام 1995، نتيجة لدوره في خطة فلبينية اعدها مع قريبه رمزي يوسف، لنسف ما يصل الى 12 طائرة ركاب مدنية وهي تحلق فوق المحيط الهادئ. وكان سيعقب ذلك سلسلة من الاعمال الارهابية الكبيرة في الولايات المتحدة.

وفي يناير (كانون الثاني) 1996 حصلت وكالة الاستخبارات المركزية على معلومات بأن خالد شيخ محمد يختبئ في قطر. واكتشفت الوكالة بعد ذلك انه يعمل مهندسا ميكانيكيا في دائرة المياه. وحاول ضابط ميداني تابع للوكالة في الدوحة، تمكين ناشط محلي من الحصول على عمل في نفس الدائرة، للحصول على بصمات خالد شيخ محمد للتأكد من انه الشخص المطلوب، ومعرفة معلومات عن سلوكه.

وكان الضابط الميداني ينوي وضعه تحت المراقبة في الوقت الذي تبحث فيه الولايات المتحدة امكانيات القبض عليه. وكان كبار المسؤولين في مكافحة الارهاب يعلمون عن دعم واحد من المسؤولين القطريين، في الماضي، للمتطرفين الاسلاميين. وهو نفس المسؤول الذي تردد انه سمح مرارا للمتطرفين العرب الذين قاتلوا في افغانستان بالاقامة في مزرعته.

ووقتها وافق مسؤولون في البيت الابيض على نصيحة وكالة الاستخبارات المركزية القائلة بعدم الذهاب مباشرة الى الحكومة القطرية لطلب المساعدة. ولذا فقد بدأوا التفكير في خطة للامساك به سرا.

وبناء على طلب من مجلس الامن القومي، اعد البنتاغون خطة لاختطاف محمد من قبل عسكريين. وعرضت هذه الخطة على لجنة النواب، وهي لجنة مشتركة شكلت في عهد الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون تضم مسؤولين كبارا من وزارات اساسية ووكالات تشمل وزارة العدل والخارجية ومجلس الامن القومي، ولكن الخطة التي اعدها البنتاغون بهذا الحجم رفضت، طبقا لمسؤولين سابقين في مجال مكافحة الارهاب. وكان البديل الوحيد هو اللجوء للحكومة القطرية.

وبعث مكتب المباحث عددا من العاملين الى قطر والتقى باتريك ثيروس السفير الاميركي آنذاك، مع وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وغيره من المسؤولين لطلب المساعدة في القبض على خالد شيخ محمد. كما التقى فريه ايضا مع وزير الخارجية القطري في واشنطن لبحث الموضوع.

وخلال اجتماعه مع فريه، اشار وزير الخارجية القطري الى معلومات عن نشاطات خالد شيخ محمد، طبقا لخطاب كتبه فريه له عقب ذلك، ويقول فيه «لقد اشرت خلال اجتماعنا الى انه ربما يعمل على تصنيع متفجرات يمكن ان تعرض حياة المواطنين في قطر للخطر. وبالاضافة الى ذلك اشرت ايضا الى انه تحت يد محمد 20 جواز سفر مزورا».

غير ان المسؤولين الاميركيين شعروا ان المسؤولين القطريين يترددون في التعاون، ولم تؤد المحادثات الى اي نتيجة طبقا لمسؤولين اميركيين. واكتشف مكتب المباحث الفيدرالي بعد فترة ليست بالطويلة ان خالد شيخ محمد فر.

وشك بعض المسؤولين الاميركيين في ان المسؤول القطري المتعاطف لعب دورا في ابلاغه، غير انه من غير المعروف ما حدث بالضبط داخل الحكومة القطرية. وقال مسؤول قطري ان هذا الوزير السابق كان يقدم دعما دائما للاسلاميين المتطرفين بعلم الحكومة.

لكن ثيروس السفير السابق لدى قطر قال انه لا يعتقد ان قطر ابلغت خالد شيخ محمد، وقال «ليست لدي معلومات تجعلني اتوصل الى قناعة بأن الحكومة القطرية ابلغت خالد شيخ محمد».

وفي الوقت الذي يوافق فيه مسؤولون اميركيون سابقون على عدم وجود أدلة مؤكدة على ان قطر ابلغت محمد، فهم على قناعة بأن شخصا ما داخل الحكومة القطرية حذر خالد شيخ محمد.

وقال محيي الخطيب وهو مسؤول في السفارة القطرية في واشنطن ان المسؤولين لن يعلقوا على حادثة 1996 المتعلقة بخالد شيخ محمد. والفشل في القبض على محمد في قطر، بالنسبة لمسؤولين اميركيين، يقدم درسا قاسيا في واقع اجراء عمليات مكافحة الارهاب في دول تعتبر حليفة للولايات المتحدة.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»