عمليات النهب والحرائق لم تبق من تاريخ العراق شيئا والشبهات تتجه إلى عصابات الجريمة المنظمة الدولية

20 خبيرا من المباحث الفيدرالية الأميركية إلى بغداد للمساعدة في استرجاع آلاف القطع الأثرية والوثائق النادرة

TT

أرسِل أكثر من 20 خبيرا يعملون في مكتب المباحث الفيدرالي الاميركي (إف بي آي) إلى بغداد لمساعدة مسؤولي فرض القانون الدولي على استرجاع القطع الأثرية والفنية التي لا تقدَّر بثمن والتي سرقت من المتحف الوطني العراقي خلال وبعد المعركة من أجل السيطرة على بغداد. وقال مدير المكتب روبرت مولر اول من امس إن هؤلاء العاملين سيشتركون في تحقيق في ما تردد عن أن بعض السرقات نفذتها عصابات الجريمة المنظمة الموجودة خارج العراق.

ويضم المتحف الوطني العراقي عددا كبيرا من اروع نماذج ما صنعته الحضارات الأولى في بلاد ما بين النهرين. وفي المتحف هناك ألواح عليها شريعة حمورابي التي تُعتبر أولى التشريعات القانونية التي سنها الجنس البشري. وتشمل الطواقم الأثرية الموجودة في المتحف حلياً ذهبية لملكات آشوريات حكمن قبل أكثر من 2500 سنة.

وليس واضحا ما إذا كانت هذه القطع قد سُرقت حينما تم نهب المتحف، لكن العديد من خبراء الفن والمؤرخين العاملين في الأمم المتحدة الذين تفحصوا حجم الأضرار التي نجمت عن هذه الجريمة قالوا إن مفاتيح خاصة بالأقبية وقاطعات زجاج قد استُخدمت لانتزاع هذه القطع وهذا ما يشير إلى مشاركة لصوص محترفين في السرقات. ووجه بعض أمناء المتاحف العراقيين اللوم الى القوات الاميركية لعدم توفيرها الحماية الضرورية لواحد من أهم المستودعات الحضارية في العالم.

وقال مولر إن إحدى المهام المطروحة أمام موظفيه هي تقصي التقارير القائلة بأن بعضا من القطع الأثرية المسروقة بدأت بالظهور في السوق السوداء. وقال إن هؤلاء الموظفين الأمنيين سيعملون مع الشرطة الدولية (الانتربول) المسؤولة عن فرض القانون الدولي سعيا لاسترجاع هذه القطع المسروقة. وقال مولر: «ندرك أهمية هذه الكنوز للشعب العراقي. نحن ملتزمون بشكل حازم بالقيام بكل ما نستطيع لإعادة هذه الكنوز للشعب العراقي».

وفي واشنطن دفعت سرقة هذه الكنوز الأثرية إلى استقالة ثلاثة من أعضاء اللجنة الاستشارية للرئيس الأميركي جورج بوش في ميدان الإرث الثقافي. وقال هؤلاء إن إدارة بوش فشلت في حماية المتحف الوطني العراقي. لكن كلير بيوكان المتحدثة باسم البيت الأبيض قالت إن «الولايات المتحدة بذلت جهودا شاقة أثناء تحرير العراق لحماية بناه التحتية والحفاظ على مصادره القيِّمة. إنه لشيء مؤسف أن تحدث عمليات نهب وتدمير».

من جانب آخر قال كويشيرو ماتسورا المدير العام لمنظمة التعليم والعلوم والثفافة (اليونسكو) أول من أمس إنه قد تكون هناك مساعدة قدِّمت للصوص الذين سرقوا تلك القطع الأثرية الثمينة التي تقدر بعدة الاف من عاملين صغار في المتحف الوطني العراقي. واضاف ان «معظم عمليات السرقة جرت بشكل مخطط له وعلى يد محترفين. فهم سرقوا هذه التحف الحضارية للاستفادة منها ماليا». وأخبر مسؤولون في بغداد «اليونسكو» بأنه كانت هناك مجموعة من اللصوص بيدها مفاتيح الأقبية التي تضم أكثر التحف أهمية وقيمة، ولعل السرقة كانت نتاجا لعمل عصابات عالمية استأجرت بعض العراقيين للقيام بهذا العمل. وهذه العصابات كانت نشيطة في السنوات الأخيرة حيث كانت تقوم بعمليات تنقيب غير شرعية، حسبما قال بعض خبراء الآثار الذين يعملون مع اليونسكو. وقال ماتسورا إن المسؤولين الكبار في المتحف حاولوا حمايته لكن اللصوص قد يكونون نجحوا في دفع رشاوى للحراس أو لبعض الموظفين الصغار في المتحف. وقال إنه لا يلوم الجيش الأميركي على الرغم من أن اليونسكو سبق لها أن حثت الحكومة الأميركية قبل الحرب على أن تحمي هذا المتحف والمواقع الأثرية الأخرى.

وما اصاب المتحف الوطني اصاب المكتبة الوطنية العراقية ايضا. فلم لم يعد في المكتبة التي تضم مخطوطات تاريخية مهمة سوى زجاج النوافذ المحطمة بعد نهب وحرق نحو مليون طن من محتوياتها النادرة من الوثائق والمخطوطات. وقال مدير المكتبة شاكر الخزاعي وهو يمسك بحفنة من الرماد «لقد احرقوا تاريخ هذا البلد.. الان نقف هنا لنبدأ من الصفر.. لقد دمروا ذاكرتنا». وكانت المكتبة تضم نسخا قديمة من القرآن الكريم والمخطوطات الاسلامية التي نجت من دمار الغزاة المغول لتحرق الاسبوع الماضي. وتساءل الموظف في المكتبة صائب الشعيب « كيف نستطيع بناء العراق بعد كل هذا». واضاف « بامكاننا شراء كومبيوترات وتشييد مبان جديدة لكننا لن نستطيع شراء متحف جديد او تاريخ». من جهته قال استاذ التاريخ في جامعة بغداد عبد الرحمن حامد «نعم نريد الحرية ولكن ليس هذا النوع من الحرية. هذا دمار».

* خدمة «يو إس إيه توداي» و«واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»