اختصاصيون عراقيون دربهم البنتاغون لإدارة العراق بعد صدام يبدأون بالوصول إلى بغداد

مسؤولون أميركيون يؤكدون أن الكوادر العراقية ستتسلم تدريجيا السلطة من غارنر ومساعديه

TT

بدأ البنتاغون بإرسال فريق من العراقيين المقيمين في المنفى إلى بغداد كي يكونوا جزءا من حكومة مؤقتة تقودها الولايات المتحدة هناك حسبما قال مسؤولون كبار في الادارة الأميركية أول من أمس.

وقال هؤلاء المسؤولون إن معظم العراقيين العائدين لهم خبرة في الإدارة ومن المفترض أن يحتلوا مواقع في 23 وزارة عراقية حيث سيعملون عن قرب مع المسؤولين الأميركيين والبريطانيين تحت رئاسة جاي غارنر الجنرال الأميركي المتقاعد الذي يترأس حاليا الإدارة المدينة في العراق.

وتم تجميع التكنوقراط العراقيين المقيمين في المنفى خلال الشهرين الأخيرين وبدأوا بالعمل معا من مكتب يقع في ولاية فرجينيا.

وفي بغداد بدأ الجنرال غارنر بعقد اجتماعات مع وجوه عراقية بارزة لتحقيق ما وصفه بعض مسؤولي الإدارة الأميركية الكبار بأنه الوصول إلى هدفهم بعيد الأمد المتمثل في تشكيل حكومة عراقية مؤقتة في نهاية الشهر المقبل، أي أسرع مما كان مخططا له.

لكن يبدو أن عملية اختيار هذه الحكومة المؤقتة ستكون معقدة مع مقاطعة أكبر تنظيم شيعي كان يقيم في المنفى للمحادثات التي جرت حتى الآن في الوقت الذي يتشكك فيه عدد آخر من العراقيين في المنفى في أحمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي الذي يحظى بدعم البنتاغون.

ومع ظهور هذه المساعي ستكون مهمة التكنوقراط العراقيين الذين انضووا تحت لواء «مجلس إعادة الإعمار والتنمية العراقي» إعادة بناء الهياكل الحكومية التي سيتم تسليمها لاحقا إلى السلطة العراقية حسبما قال مسؤولو الإدارة الأميركية.

وقال الجنرال غارنر يوم الخميس الماضي إن السلطة العراقية المؤقتة ستبدأ بالتشكل خلال الايام القادمة. لكن مسؤولين أميركيين كبارا بضمنهم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد رأوا ان ملاحظات غارنر قد أسيء تأويلها، إذ سيتم غدا اجتماع لبعض الوجوه العراقية البارزة في بغداد، وقال المسؤولون الأميركيون إن الهدف الجديد الذي اتفِق عليه في اجتماع دوري للبيت الأبيض الأسبوع الماضي هو اقامة سلطة عراقية مؤقتة في تاريخ أقصاه نهاية الشهر المقبل.

وهناك إجماع داخل الإدارة الأميركية يفضل التحرك بشكل أسرع حسبما قال مسؤول أميركي كبير، وهذا يعود بشكل جزئي إلى أن الإدارة الأميركية تريد إزالة الانطباع بأن «هذه مبادرة أميركية محض».

وتم اختيار فريق التكنوقراط العراقيين من قبل بول وولفويتز نائب وزير الدفاع الأميركي، وجرى تشغيلهم رسميا من قبل مؤسسة دفاعية خاصة هي «إس ايه آي سي» حسبما قال بعض المسؤولين الأميركيين. ويرأس هذا الفريق عماد ضياء المهندس الذي غادر العراق منذ 21 سنة والذي سيصبح مستشاراً للجنرال غارنر.

وقال فيكتور روستو مسؤول السياسات في البنتاغون الذي يعمل حلقة وصل مع الفريق العراقي إن مهمة هذا الفريق هي مساعدة الجنرال غارنر في نقل السلطة الى حكومة انتقالية بعد انقضاء فترة من الوقت.

وبين هؤلاء الكوادر العراقيين الذين يبلغ عددهم 150 هناك ما لا يقل عن 10، بضمنهم المهندس ضياء سافروا إلى الكويت في طريقهم للوصول إلى بغداد. وقبل انتهاء هذا الأسبوع سيصل عدد الواصلين الى بغداد 25 كادرا بضمنهم مسؤولون اختيروا من قبل البنتاغون كي يكونوا مسؤولين عن وزارات التخطيط والنفط والصناعة.

وبين الذين اختيروا محمد الحكيم الذي سيصبح كبير المسؤولين العراقيين في وزارة التخطيط والذي سيشرف على الشؤون المحلية، والمهندس محمد علي زيني أحد المسؤولين السابقين في وزارة النفط والذي سيكون كبير المسؤولين في هذه الوزارة.

وتم اختيار ضياء من قبل وولفويتز لدوره كرئيس مجموعة أطلقت على نفسها «منبر الديمقراطية في العراق» التي ينتمي أعضاؤها إلى شتى الطوائف والقوميات في العراق من سنّة وشيعة عرب إلى أكراد ومسيحيين، حسبما قال مسؤولون حكوميون أميركيون. وقال هؤلاء إن أعضاء هذه المجموعة قد لعبوا دورا رئيسيا في السنة الماضية ضمن مشروع وزارة الخارجية الأميركية حول مستقبل العراق.

والمهندس ضياء أخذ إجازة طويلة من شركة «فايزر» للأدوية في مدينة «آن أربور» بولاية ميشيغان وهو عمل مع البنتاغون لاختيار أعضاء هذا الفريق والكثير منهم تم اختيارهم من منظمته «منبر الديمقراطية في العراق» حسبما قال المسؤولون الأميركيون.

وضمن هذا الفريق هناك مهندسون وإداريون مدنيون وأصحاب اختصاصات أخرى وبعضهم عمل في وزارات عراقية خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي قبل أن يفروا من العراق حسبما قال هؤلاء المسؤولون الأميركيون.

وفي مكالمة هاتفية وصف ضياء قبل مغادرته إلى الكويت أول من أمس مهمة الفريق بأنها اختبار ضخم: «إنه شيء كنا نحلم به دائما... أن نعود وأن ننشئ الديمقراطية في العراق وأن نساعد شعبنا في التعافي من 34 سنة من حكم ديكتاتورية همجية».

وقال المسؤولون الأميركيون إنهم لا يعرفون شيئا عن خلفية الحكيم لكنهم وصفوا زيني بأنه يحمل الجنسية الاميركية واحتل عدة مواقع وظيفية كبيرة في مؤسسات مهمة مثل منظمة البلدان المصدِّرة للنفط (أوبك) ومجلة مقرها في لندن متخصصة في شؤون الطاقة.

ولم يكشف ضياء وروستو سوى أسماء سبعة من الكوادر العراقية المنفية المشاركة في الفريق الاختصاصي، وبعض هؤلاء الأشخاص يحملون جنسيات بلدان عديدة مثل الولايات المتحدة وبلدان أوروبية أخرى حيث أصبحت هذه الدول مكان إقامتهم في المنفى. وقال روستو إن عدداً قليلا كان على استعداد للكشف عن أسمائهم «فالكثير من هؤلاء مقتنعون من أنهم سيُقتلون إذا نُظر إليهم كعملاء للولايات المتحدة». وحسب روستو فإن أعضاء الفريق الآخرين الذين توجهوا إلى بغداد كي يُشغلوا مناصب إدارية هم سامي كريم لوزارة النقل والاتصالات وسيد حاكي لوزارة الصحة ومحيي الخطيب لوزارة الخارجية ورمزي جيدو لوزارة الصناعة وخضر حمزة للطاقة الذرية وآدم شيروزا لوزارة الشباب، وعلي الظروفي لدائرة النجف.

في غضون ذلك بدأت الإدارة الأميركية بالكشف عن أسماء الأميركيين الذين سيلعبون أدوارا أساسية ضمن الكادر العامل مع الجنرال غارنر بضمنهم بيتر ماك فيرسون المصرفي السابق الذي يعمل حاليا رئيسا لجامعة ولاية ميشيغان والذي قالت عنه وزارة الخزانة الأميركية إنه سيكون المستشار الرئيسي للسياسات الاقتصادية والمالية للإدارة المؤقتة.

وقال مسؤولون حكوميون أميركيون إن نهاية الشهر المقبل ستكون آخر موعد لتسليم الإدارة إلى سلطة عراقية مؤقتة وهذا يعود جزئيا إلى أن الاتفاق الحالي حول برنامج «النفط مقابل الغذاء» الذي وفقه تسمح الأمم المتحدة للعراق بتصدير نفطه لشراء الغذاء، سينتهي أجله في بداية يونيو (حزيران). وبين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي عبّرت فرنسا وروسيا والصين بشكل واضح عن رغبتها في أن تكون الترتيبات المقبلة بالنسبة لتصدير النفط العراقي بيد عراقيين لا أميركيين.

وقال مسؤول من وزارة الخارجية الأميركية معلقا: «الفكرة هي أنك تريد أن تكون هناك سلطة عراقية شرعية مؤقتة موجودة على أرض الواقع لأن ذلك سيساعد على تحريك الأمور بشكل أسرع وهذا يتضمن ضخ النفط».

وقال مسؤول آخر من وزارة الخارجية على صلة بعملية التهيئة للسلطة المؤقتة إن تحقيقها ممكن في هذا التاريخ، لكن بعد اجتماع غد المقرر عقده في بغداد للوجوه البارزة العراقية فإنه ستتم الدعوة إلى مؤتمر يُعقد يوم 2 مايو وأن ذلك التجمع سيختار سلطة عراقية مؤقتة.

وحسب مسؤولين من وزارة الخارجية والبنتاغون فإن أحمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي ظل يحاجج لصالح تعيينه رئيسا لهذه السلطة المؤقتة، لكن العديد من المسؤولين الأميركيين الكبار يقللون من احتمال اختياره لهذا المنصب. وفي مؤتمر صحافي أجراه البنتاغون قال رامسفيلد إن الجنرال غارنر قدم بعض الايضاحات عما جاء في تصريحه الذي قدمه الخميس الماضي عبر لقاء جرى بواسطة الفيديو مع الرئيس الاميركي جورج بوش صباح أول من أمس. وأضاف رامسفيلد في المؤتمر الصحافي الأسبوعي إن «ما قاله الجنرال غارنر هو أنه سيعقد اجتماعا في الأسبوع المقبل وهو الثاني ضمن سلسلة اجتماعات ستؤول في الأخير إلى تشكيل سلطة عراقية مؤقتة».

وسيحضر اللقاء الذي ينوي الجنرال غارنر عقده غدا في بغداد ما يقرب من 100 عراقي وهذا ضعف عدد الذين حضروا في اللقاء السابق الذي عُقد في الناصرية في بداية هذا الشهر، وسيضم ممثلين من التنظيمات الكردية وتنظيم الوفاق الوطني واولئك الذين يمثلون الجلبي. كذلك سيحضر اثنان يمثلان عدنان الباجه جي الذي كان وزيرا للخارجية قبل تسلم حزب البعث السلطة سنة 1968. لكن ممثلي المجلس الإسلامي الأعلى في العراق المنظمة الشيعية التي مقرها في إيران قالوا إنهم سيقاطعون الاجتماع لأن على العراقيين أنفسهم أن يقرروا من يدعون لهذا الاجتماع.

وفي بغداد بدأ الجنرال غارنر منذ أول من أمس بالتحضير لهذا الاجتماع الذي سيجري غدا في القصر الجمهوري في وقت ظل فيه الكثير من مساعديه، الذين عملوا في السابق سفراء والذين من المقرر أن يشاركوا في اعادة تنظيم الوزارات، يتجولون بين القاعات الرخامية الفخمة داخل القصر بحثا عن أمكنة لمكاتبهم. فهم لا يملكون عناوين الكترونية ولا أي وسيلة تمكنهم من الاتصال بالأشخاص الموجودين خارج القصر الجمهوري. وضحك العديد منهم حينما سئلوا إن كانت لديهم سيارات للتنقل في العاصمة. فهم لم يحصلوا بعد على مترجمين، فبعد مرور أسبوعين على انتهاء القتال يبدون بدون تجهيزات ضرورية حالهم حال العراقيين الذين جاءوا لتقديم مساعدة في هذا المجال.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»