ممثلو الفصائل العراقية يجتمعون في مدريد لبحث مستقبل الحكم في بلادهم وقياداتهم تعود إلى النشاط العلني في بغداد بعد زوال حكم صدام

TT

بدأت في مدريد اول من امس اعمال مؤتمر تشارك فيه الاحزاب والجماعات المعارضة لنظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، بما في ذلك الاحزاب التي قاطعت المساعي الاميركية لإقامة حكومة انتقالية في العراق. وركزت اعمال المؤتمر على مناقشة بناء مستقبل ديمقراطي في البلاد. وافتتح المؤتمر رئيس الوزراء الاسباني خوسيه ماريا اثنار الذي طرح فكرة انعقاد المؤتمر. وعلق اثنار مؤكدا ان العراقيين قادرون على بناء مستقبلهم بأنفسهم وعلى اختيار قادتهم بأنفسهم. وفي تعليقات وجدت ترحيبا من الممثلين العراقيين المشاركين في المؤتمر حذر المسؤول الاسباني من ان التنوع العرقي والديني في العراق يجب ألا يكون ذريعة لدول اخرى لممارسة أي نفوذ. واكدت الاحزاب والمجموعات المشاركة في المؤتمر على اهمية ان يشارك المجتمع الدولي في جهود إعادة بناء العراق من الناحيتين السياسية والعملية وألا تكون هذه العملية قاصرة فقط على واشنطن ولندن وحدهما، كما اكدت ايضا على ضرورة قيادة العراقيين لهذه العملية. وشارك في مؤتمر مدريد اكثر المجموعات الشيعية نفوذا، «حزب الدعوة» و«المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق» الى جانب الحزب الشيوعي العراقي. وهذه التنظيمات رفضت المشاركة في المساعي التي قادتها الولايات المتحدة للتوصل الى اتفاق حول حكومة انتقالية. وشارك في مؤتمر مدريد ايضا «المؤتمر الوطني العراقي» والحزبان الكرديان الرئيسيان. وكانت هذه التنظيمات قد شاركت في محادثات الناصرية بجنوب العراق الاسبوع الماضي، ومن المنتظر ان تشارك في محادثات ببغداد غداً.

ونشاط الاحزاب العراقية عقب انهيار نظام صدام حسين لم يعد قاصراً فقط على التمثيل في مثل هذه المؤتمرات، فالعاصمة العراقية بغداد باتت تعج بحركة ونشاط دائبين لمختلف الاحزاب والتنظيمات السياسية. فقد أقام الحزب الشيوعي العراقي مقره الرئيسي في مبنى كان تابعا للجيش العراقي بوسط العاصمة بغداد وذلك بعد عقود من القمع الذي انتهى بالكثير من اعضائه اما الى السجون او الى ساحات الاعدام.

بعد كل هذه السنوات عاد الحزب بقضيته الى الشعب العراقي مجددا في جو سياسي مفتوح اكبر بكثير مما كان يتوقع الكثيرون منهم. تقول زكية خليفة الزيدي، 70 سنة، التي تعرضت للاعتقال بصورة مستمرة خلال العقود السابقة، ان الشعب العراقي يعرف جيدا ان الحزب الشيوعي يظل يناضل باستمرار من اجل مبادئه ومن اجل مصلحة الشعب رغم البطش والقمع الذي واجهه الحزب طوال العقود السابقة. ويعتقد مراقبون ان عودة الحزب الشيوعي العراقي من جديد للساحة السياسية العراقية بعد زوال القمع والبطش وحظر النشاط السياسي للاحزاب باستثناء حزب البعث، تشكل جزءا من عودة الحياة للنشاط السياسي خلال الاسبوعين الماضيين منذ فرار الرئيس العراقي المخلوع في بلد كان مجرد مناقشة البدائل السياسية تقود صاحبها الى السجن او الى ما هو اسوأ. من ضمن الاحزاب الاخرى التي اتخذت دورا لها في العاصمة بغداد في الآونة الاخيرة «الحركة الديمقراطية الآشورية» و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» و«حزب الدعوة، بيد ان الحزب الشيوعي العراقي يتمتع بقاعدة تضم اعضاء ينتمون الى مختلف المجموعات العرقية في البلاد رغم قلة عدد اعضائه مقارنة بتنظيمات اخرى. وعلى الرغم من الملاحقات والتصفيات والاعدامات التي طالت عددا من اعضاء وقيادات الحزب الشيوعي العراقي، فإن هناك من واصل عمله الحزبي، مثل السيدة زكية خليفة الزيدي، في ظروف بالغة القسوة، فكانوا يجتمعون في الزنازين ويستخدمون اسماء حركية ويتخفون لتضليل اجهزة امن النظام العراقي السابق. وتقول زكية الزيدي، وهي ممثلة مسرحية كانت مشهورة، انها كانت خاضعة للمراقبة المستمرة لاجهزة الامن لكنها عندما تفلت من الرقابة لديها 40 منزلا من الممكن ان تختبئ فيها. ولدت زكية الزيدي لوالدين كانا عضوين في الحزب الشيوعي العراقي عندما كان محظورا، وفي عام 1950 اعتقلت وحكم عليها بالسجن بعد ادانتها بتهمة المشاركة في نشاط سياسي محظور ثم اطلق سراحها عند الإطاحة بالنظام الملكي عام 1958، ثم تعرضت للاعتقال والتعذيب بعد سيطرة حزب البعث على السلطة عام .1963 ويعتقد الكثير من المحللين ان الحزب الشيوعي العراقي اكتسب سمعته من مقاومته لنظام حكم الرئيس العراقي المخلوع اكثر من افكاره حول إدارة السلطة السياسية وثروة البلاد. ويقول جاسم الحلفي، عضو اللجنة المركزية للحزب، ان الحزب اجرى تجديدات واصلاحات على آيديولوجيته. وقالت زكية الزيدي ان احداث عام 1991 في الاتحاد السوفياتي السابق اوضحت للحزب الشيوعي العراقي عدم وجود ديمقراطية حقيقية هناك فضلا عن اكتشاف وجود الكثير من الاخطاء والاخفاقات.

لا يبدو ان كل عضوية الحزب في انسجام وتوافق كامل مع الزمن، ففي المقر الرئيسي للحزب ببغداد ألقى احد قادته كلمة ربما تكون قد صيغت خلال ثلاثينات القرن الماضي تحدث خلالها عن الصراع بين الكتلتين الرأسمالية والشيوعية وبين القوى الاستعمارية والشعوب التي تهب في مواجهتها. ويرى مراقبون ان الاحزاب السياسية العراقية بصورة عامة قد فجرت كمية من النشاط السياسي العفوي بين العراقيين الذين لم يعرف الكثير منهم وجود أي شيء من هذا القبيل باستثناء الهتافات التي كانت تمجد الرئيس العراقي المخلوع. اكتظت قاعة الاجتماعات في مقر الحزب الشيوعي العراقي ببغداد وسط اقبال واسع على ادبيات ومنشورات الحزب التي توزع للعامة، وقال جابر السوداني، 50 سنة، الذي كان يتجول داخل مقر الحزب، ان الاحزاب السياسية ظلت موجودة في العراق حتى خلال فترة حكم الرئيس المخلوع صدام حسين، ولكن كان عليها، كما قال، الاجتماع والعمل سرا. وقال السوداني انه اطلع على برامج ما يزيد عن 12 حزبا سياسيا جديدا في العراق وانه حتى الآن لم ايجد برنامجا سياسيا حزبيا يتفق مع رؤاه بخلاف برنامج الحزب الشيوعي. اما السبب في ذلك، فيؤكد انه تمسكه بالديمقراطية لأنها تعني الحرية للجميع.

*خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»