العمدة الذي لا يعرف سكان النجف إلا اسمه الأول

عبد المنعم ضابط سني سابق في جيش صدام جاء مع القوات الأميركية ليحكم المدينة الشيعية

TT

يبدو أن لا احد يتذكر اسم عمدة النجف. سواء أكان ذلك في الأسواق الشعبية المضمخة برائحة التوابل في هذه المدينة القديمة، أو حتى في شوارعها المزدحمة بالمارة حول جامعها العتيق.

الكثير من السكان لديهم فكرة بأن العمدة هو ضابط مرموق سابق في الجيش العراقي أيام حكم صدام. ويعلمون تماماً أنه ليس من سكان المنطقة نفسها.. وعموماً يقولون عنه إنه رجل لا بأس به، ولكن مرة أخرى.. ما اسمه؟

ويقول خالد كاظم وهو عامل فندق، كاشفا ما لديه من معلومات: «أعتقد أن هناك صلة ما تربطه بالأميركيين».

وفي واقع الأمر ان الأميركيين هم الذين وجّهوا عبد المنعم الى موقعه غير المناسب هذا، بالقدر الذي صار يشكل فيه وضعاً نشازاً واضحاً. في مدينة تعد مقدسة بالنسبة للمسلمين الشيعة، يعتنق هو المذهب السني. وفي منطقة يدق الرجل فيها صدره متباهياً بالانتماء ومعلناً بالصوت العالي: «أنا ابن النجف»، نجد عبد المنعم الذي يتحدر من البصرة، قد قدم الى هذه المدينة قبل حوالي عشرين عاماً. وفي وسط أكثر فئات العراقيين كراهية ومقتاً للبعث ومنتسبيه وخاصة العسكريين منهم، فإن عمدة النجف ضابط سابق برتبة عقيد في جيش صدام.

إنه لا يتمتع بعطف أو محبة علماء الدين الذين يسيطرون على الحياة الاجتماعية والدينية في النجف، كما أنه ليس معروفاً بشكل كبير في أوساط السكان العاديين. ولكنه مع ذلك في المكان الصحيح وفي التوقيت الصحيح. إنه ينتمي الى منظمة تعمل تحت الأرض تسمي نفسها «حزب الوحدة القومية»، وقد انقلب على صدام بمجرد شن الهجوم الأميركي عليه.

وكان ذلك وحده دافعاً قوياً لعبد المنعم لأن ينخرط في أعمال قومية تضم العديد من النجوم السياسيين المناوئين لصدام. وبما قدم لهم من دعم مالي وعسكري من اميركا، أمكنهم مؤقتاً السيطرة على بعض المدن العراقية والمحافظات. وكان معظم هؤلاء الزعماء الأفذاذ ممن اقتلعوا من مناصبهم القيادية في الحكومة السابقة، أو من مناصب إدارية متميزة.

وبالطبع لم يكن أي منهم منتخباً، وبالتالي فإن مسألة قبولهم ما تزال موضع مناقشة في الولايات المتحدة. إن بعض العمد وإداريي المجالس يحتلون مكاتبهم داخل الثكنات مع الجنود الأميركيين، بل إن بعضهم ألحق بقوات البحرية الأميركية.

وبصفة خاصة فقد أثار عبد المنعم انتباه الحكومة الأميركية عندما انضم حزب الوحدة القومية الى قوات التحالف في مسيرتها نحو بغداد، رغم أن الأمور وقتها لم تكن واضحة بالتفصيل. وقد قال لنا العمدة إنه قاد تمرداً تم توقيته بدقة شديدة ضد النظام البعثي من داخل النجف، وقابل القوات الأميركية في أرض المعركة.

وهو يقول: «لقد كنا نخطط لانتفاضتنا من داخل النجف، وأثناء تحليق الطيران الأميركي، شاهدنا الأميركيون ونحن نحمل السلاح فأرسلوا مجموعة منهم لمقابلتنا». ويقول مستطرداً: «منذ تلك اللحظات أصبحت منتخباً للعمل باسم مجموعة النخبة».

ويقول العقيد كريس كولن من قوات البحرية والذي يسمي نفسه «العمدة العسكري للنجف»: إن عبد المنعم كان مدعوماً من كبار السن من السكان.

غير انه في وسط المدينة وحول ضريح الإمام علي المزدحم بالناس بصفة خاصة لم يكن العمدة سالما من النقد والتجريح. ويقول محمد رضا السلامي المتحدث باسم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية «إنه لم ينتخب من أحد.. إنه امر واضح لدينا جميعاً بأنه صنيعة أميركية ولكنه يتظاهر بأنه يمثل الإرادة الشعبية».

ولم يسبق لمنعم أن شارك في أي حرب منذ أن فقد إحدى ساقيه في الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، وهو أمر يعتبر مذمة في حد ذاته نسبة لمناصرة الشيعة العراقيين إيران باعتبارها قدوة لهم.

ويقول منعم: «لقد منحتني الإصابة الفرصة للدخول في معترك العمل السياسي السري .. وقد أتيح لي أن أتجول بحرية مستخدماً بزتي العسكرية».

وفي هذه الأيام يمكن رؤية العمدة بوضوح، إذ يبدو تقريباً أنه الرجل الوحيد في النجف الذي يلبس البذلة الكاملة وربطة العنق الغربية. وهو يعمل الآن بعيداً عن وسط المدينة في مبنى أنيق ونظيف سيطرت عليه بواسطة قوات البحرية الأميركية. وكان العمدة قد اختفى عند اجتياح القوات الأميركية للمدينة، وليس لديه الآن ما يقوله بشأن النظام السابق بل يعلق بقوله: «دعونا نعمل من جديد ونتناسى الماضي».

في هذا الأسبوع شوهدت مجموعة من قوات الشرطة المدججة بأسلحة الكلاشينيكوف أمام مكتب منعم، وكانت هناك كميات من الأسلحة والأموال وصلت لاستخدامها من قبل الشرطة الجديدة. وفي الغرفة المجاورة كانت هناك أيد أخرى تدفع مرتبات رجال الشرطة.

ومع ازدياد العطالة في البلاد يصرح عبد المنعم بأن الأزمات تستفحل كل يوم وهو يعمل ما بوسعه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وتحاول الإدارة الوليدة أن تشب عن الطوق رويدا رويداً.

يقول نائب العمدة حسين علي العسال: «إنها علامة الديمقراطية أن تستقبل مواطنيك وهم يعلنون عدم اقتناعهم بما تقدمه لهم».

* خدمة «لوس انجيلوس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»