«الشرق الأوسط» تنشر مقتطفات من أقوال حسين كامل أمام إيكيوس في عمان عام 1995 : (2 ـ 2)

«اشترينا أجهزة صواريخ من بريطانيا» وعالم مصري ساعدنا في إنتاج غاز الخردل.. واستفدنا من خبرات أردني في موضوع غاز «في. إكس»

TT

في الجزء الثاني من محضر الاجتماع السري في عمان، في الأردن، سنة 1995، بين رالف ايكيوس، رئيس لجنة الأمم المتحدة لتفتيش اسلحة العراق، والفريق حسين كامل المجيد، صهر الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ووزير الصناعات العسكرية، كشف حسين كامل عن ان العراق اشترى اجهزة صواريخ من بريطانيا. وقبل الاجتماع باسبوعين، كانت وصلت الى الأردن قافلة سيارات مرسيدس، غادرت بغداد بالليل، وتحمل الفريق حسين وشقيقه صدام كامل المجيد، وعائلتيهما.

زوجة حسين كامل كانت «رغد»، بنت ابن عمه الرئيس السابق صدام حسين. وزوجة شقيقه كانت «رنا»، بنت الرئيس الاخرى. وكان حسين كامل قد قرر الهرب واللجوء الى عمان وهناك التقاه عدة مرات عملاء من الاستخبارات المركزية الأميركية واخذوا منه معلومات كثيرة. كما التقاه ايكيوس.

* ما هي الأسرار التي قدمها حسين كامل لمفتشي الأمم المتحدة، والتي زادت غضب صدام حسين عليه؟

ـ الاجتماع السري في عمان بين حسين كامل وايكيوس حضره د. زفريرو، مندوب وكالة الطاقة النووية الدولية، ود. سميدوفتش، من مفتشي الأمم المتحدة. وارسل الملك حسين مندوبا للترجمة، لأن حسين كامل كان يتحدث باللغة العربية. المقابلة استمرت ثلاث ساعات، وسجل محضرها سميدوفتش، وظلت سرا لثماني سنوات، حتى سربت مؤخرا. وفيما يلي الجزء الثاني والاخير من المقتطفات من محضرها:

* الصواريخ بعيدة المدى

* سميدوفتش: ماذا عن الصواريخ التي مداها ثلاثة آلاف كيلومتر؟ وهل قدم لكم الخبراء الصينيون أي مساعدات لتطويرها؟

كامل: علماؤنا لم يحققوا تقدما كبيرا في هذه الصواريخ. فقط وضعوا الرسومات والبيانات، والدكتور مضر كان يشرف عليها، بمساعدة خبير من تشيكوسلوفاكيا. وكل هذا كان قبل حرب الخليج. وفي الحقيقة تطوير ماكينة دفع الصاروخ الذي مداه 150 كيلومترا اصعب من الذي مداه ثلاثة آلاف كيلومتر، وذلك لأن الماكينة الصغيرة اكثر تعقيدا. على أي حال، بالاضافة الى ماكينة صاروخ الثلاثة آلاف كيلومتر، كان على علمائنا ان يطورا الوقود، والاطلاق، والتحليق لهذا الصاروخ العملاق. الوقود ما كان مشكلة بالنسبة لهم، وفي الحقيقة، نجحوا في تطوير وقود صلب من نوع جديد.

سميدوفتش: وماذا عن قاعدتي اطلاق صواريخ «سكود» الروسية، واللتين قلت بأن الحرس الخاص اخفاهما عن المفتشين؟

كامل لا اعرف اين توجدان، لكني متأكد بأنهما عند الحرس الخاص. ومعهما كميات من اقراص الكومبيوتر، والبيانات، والرسومات لكثير من الصورايخ والاسلحة، والتي اخفيت عن المفتشين، بعد تدمير الصواريخ والاسلحة نفسها.

الدكتور مضيف عبيدي، والدكتور مضر عندهما كثير من المعلومات في صور «مايكروفش». وكانت هناك تعليمات بان يأخذ العلماء الوثائق الى منازلهم. معنى هذا ان عليكم تفتيش المنازل، ولهذا اعتقد ان امامكم حربا من نوع جديد، هي «حرب تفتيش المنازل».

ايكيوس: نحن حريصون على الوصول الى قاعدتي اطلاق الصواريخ اللتين قلت بأنهما مخفيتان.

كامل: اعرف شخصا يملك مزرعة اخفيت فيها اجسام بعض الصواريخ. انه العقيد عز الدين، وهو جاء معنا من بغداد، وموجود هنا في القصر، واستطيع ان استدعيه لكم. (يستدعى العقيد عز الدين).

سميدوفتش: هناك اشاعات بأنك كنت موجودا عندما اجريت تجارب عملية لاطلاق صواريخ، وعندما اجريت تجارب على اسلحة كيماوية وجرثومية. وكل ذلك كان قبل حرب الخليج. هل هذا صحيح؟

كامل: ما كنت موجودا خلال أي تجربة من هذه التجارب.

(العقيد عز الدين ينضم الى الاجتماع).

عز الدين: نعم، عندي مزرعة، وكان فيها جسما صاروخين، لكنهما اخذا سنة 1992 (بعد نهاية حرب الخليج). لكني لا اعرف أي شيء عن قاعدتي اطلاق الصواريخ.

كامل: كما قلت، قاعدتا اطلاق الصواريخ يخفيهما الحرس الخاص. وعلى أي حال، أنا لا اعرف لماذا أنتم حريصون على العثور عليهما، وذلك لأن علماءنا يقدرون على تصنيع امثالهما في المجمع العسكري الصناعي.

سميدوفتش: هل يقدر علماؤكم على تصنيع جهاز المحافظة على توازن الصاروخ (جايروسكوب)؟

كامل: في صاروخ «الحسين» استعملوا جهاز توازن روسيا. ولكنهم كانوا بدأوا في بناء مصنع لصناعة اجهزة التوازن والاتجاهات والتحليق، حتى تكون كل اجزاء الصاروخ محلية. ولأن ذلك سوف يستغرق بعض الوقت، طلبوا اجهزة توازن من روسيا، ومن بريطانيا، ايضا. هل انتم تعرفون هذه الحقيقة؟

سميدوفتش: نعم نعرف ان اجهزة التوازن طلبت من بريطانيا، من شركة «نوركروفت»، عن طريق شركة «سيمارون»، التي يملكها اوس حسن.

كامل: بعد حرب الخليج حاولوا الحصول على اجهزة توازن من روسيا، وايضا من اوكرانيا، واللواء نعيم كان يشرف على ذلك.

سميدوفتش: وماذا عن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت؟

كامل: كنا نريد تطوير صاروخ «سكود»، وطبعا، كلما زادت سرعة الصاروخ، كلما صعب ضربه بالصواريخ المضادة. صاروخ «الحسين» يحمل قنابل اقل، لكنه اسرع، ولهذا كثفنا فعالية قنابله. وصاروخ «سكود» اقل سرعة، لكن قنابله ليست قوية.

* مظلات تحمل الغازات

* ايكيوس: وماذا عن مظلات انزال الاسلحة الكيماوية والجرثومية؟

كامل: كنا نريد تطوير الصواريخ لنقدر على تفجير قنابل الاسلحة الكيماوية والجرثومية قبل ان تصطدم بالارض. واستعملنا صمامات كهربائية (فيوسات) لتحقيق ذلك، واجرينا عليها تجارب ناجحة. ونحن كنا استخدمنا هذه التكنولوجيا خلال الحرب ضد ايران، حيث كانت الصواريخ تنفجر قبل ان تصطدم بالارض. هذه نفس التكنولوجيا التي استعملناها لزرع الالغام بواسطة صورايخ، حيث تسقط الالغام قبل ان يصطدم الصاروخ بالارض. واللواء السعدي واللواء رشيد كانا يشرفان على هذه التكنولوجيا.

سميدوفتش: ألم تسقطوا الاسلحة عن طريق مظلات؟

كامل: تكنولوجيا المظلات استعملناها وتركناها قبل عشر سنوات. بعد ذلك بدأنا نستعمل تكنولوجيا فصل القنابل من جسم الصاروخ، وهذه هي التي استعملناها عندما ضربنا اسرائيل خلال حرب الخليج. صواريخ «باتريوت» المضادة التي كان يطلقها الاميركيون نحو صواريخ «سكود» كانت تصيب جسم الصاروخ، وليست القنابل التي كانت تنفصل منه عندما يدخل الصاروخ فضاء اسرائيل.

* ضرب اسرائيل

* سميدوفتش: في ذلك الوقت قيل ان صواريخ «باتريوت» اسقطت صاروخا عراقيا واحدا فوق اسرائيل؟

كامل: واحدا او اثنين، ولكن كلها بالصدفة. كانوا يطلقون صواريخ كثيرة على صواريخنا، ولكن تكنولوجيا فصل القنابل كانت سر نجاحنا. أنا لا اعرف لماذا لا ينتبه العسكريون الأميركيون لهذه النقطة، وهي ان صاروخ «سكود» الروسي يقدر على فصل القنابل من جسمه. معنى هذا انهم يطلقون كثيرا من صواريخ «باتريوت» لاصابة الصاروخ، لا القنابل التي يحملها.

ايكيوس: ربما تستفيد شركة صواريخ «باتريوت» الأميركية من تجاربكم؟

كامل: كثير من تجاربنا اجريناها خلال الحرب ضد ايران. اذكر «تاج المعارك»، عندما فاجأنا الايرانيين وهزمناهم. كانوا استعملوا زوارق حربية على نهر دجلة، وقطعوا الطريق بين البصرة والعمارة.

في ذلك الوقت انا كنت في زيارة للسعودية، وكان هناك قلق بأن فصل البصرة معناه سقوطها. وفعلا، انتصرنا عليهم بعد ان استعملنا تكنولوجيا لشحن زوراق مطاطية صغيرة بالغازات الكيماوية. كنا ننتج ثمانين زورقا كل يوم، ونرسلها نحو الايرانيين على نهر دجلة. وتلك كانت بداية دخولي مجال الانتاج العسكري، وفي وقت لاحق عينت مكان اللواء طه الجزراوي، للاشراف على الصناعات العسكرية.

سميدوفتش: وماذا عن غاز «في اكس» الكيماوي؟

كامل: خلال آخر ايام الحرب ضد ايران وضعناه في قنابل لضرب الايرانيين به، لكن الحرب انتهت، ولم نستعمله. وخلال حرب الخليج لم نستعمله لأن قوات الحلفاء كانت كثيرة ومنتشرة في كل مكان.

علماؤنا تعاونوا مع عالم مصري لانتاج غاز الخردل، وبعد الخردل انتج علماؤنا غاز «سارين». الخردل يعيش طويلا، لكن مفعوله ضعيف، و«سارين» عمره اقصر، لكن مفعوله اقوى. د. عماد العاني واللواء نزار كانا يشرفان على هذا البرنامج.

* غاز «في اكس»

* ايكيوس: هل نجحتم في تطوير غاز «في اكس»؟

كامل: نجحنا في شطره، وهذا زاد مفعوله، ولكن بعد نهاية الحرب ضد ايران اوقفنا ذلك. بعض مواد هذه الاسلحة الكيماوية اشتريناها من أميركا. الايرانيون، ايضا، كان عندهم غاز الخردل و«سارين». وعندما علموا بأننا اشترينا مواد من أميركا، حاولوا اختراق السوق الأميركية، وفعلا وصلتهم شحنات، وعندما فتحوها، وجدوها ماء عاديا. نحن استفدنا من خبرة أردني حصل على الجنسية الألمانية، والآن اعطيناه الجنسية العراقية.

سميدوفتش: وماذا عن مصنع الادوية في سامرا؟

كامل: بعد نهاية الحرب ضد ايران، حولنا مصنع الغازات الى مصنعين مدنيين: الأول لانتاج سم الحشرات، والثاني لانتاج ادوية طبية. وفي حرب الخليج لم نستعمل أي غازات لأننا خفنا ان يضربنا الأميركيون بالقنبلة النووية. وبعد حرب الخليج، أنا امرت بتدمير كل الاسلحة الكيماوية والجرثومية. لكن يبدو ان هناك قرارات اخرى صدرت لاعادة انتاجها.

* طارق عزيز

* سميدوفتش: هل صحيح انكم ارسلتم الي الرئيس صدام حسين تقريرا بالاسلحة الكيماوية والجرثومية المتوفرة عندكم بعد نهاية حرب الخليج؟

كامل: لا اعرف أي شيء عن هذا التقرير، وأنا كنت استقلت من حزب البعث في ذلك الوقت، لأني ما كنت اريد الارتباط بسياسة التطرف التي كان يسير عليها الحزب. وطارق عزيز هو المسؤول هذا التطرف.

سميدوفتش: لماذا دمرتم الصواريخ والاسلحة الكيماوية، ولم تدمروا الاسلحة الجرثومية؟

كامل: ما كانت عندنا اسلحة نووية منذ البداية. والصواريخ والاسلحة الكيماوية كانت ضد ايران، وبعد نهاية الحرب ضدهم، ماعدنا نحتاج لها كثيرا. (لم يقل أي شيء عن الاسلحة الجرثومية. واقترح نهاية الاجتماع).

* نهاية الاجتماع

* ايكيوس: ربما سنلتقي مرة اخرى، ونحن نقدر تعاونك معنا.

كامل: هناك اتهامات كثيرة ضدي: يقولون أنا عميل لوكالة الاستخبارات المركزية، او أنا اعرف مكان اخفاء الاسلحة، او أنا دفنت الاسلحة في مزرعتي. طارق عزيز من الذين يقولون ذلك، وهو سبب كل المشاكل. مرة يقول انه هو الذي يحكم العراق، ويعرف كل شيء فيه، ومرة يقول أنا اعرف كل شيء، واعرف مكان الاسلحة المخفية.

ومجلس قيادة الثورة كان اصدر قرارا بعدم التعاون معكم، ثم جاء الانذار، وقرروا التعاون معكم. لماذا غيروا رأيهم؟

ايكيوس: هل سيغيرون رأيهم مرة اخرى؟

كامل: غيروا رأيهم او لم يغيروه، انهم باقون في الحكم، وانهم مصرون على اتباع سياسات متطرفة. هذه هي النتيجة التي وصلت اليها، ولهذا غادرت العراق. «في سنة 1990، عندما حشدوا القوات في البصرة لغزو الكويت والسعودية، فكرت في مغادرة العراق، لكني خفت ان يتهموني بالخيانة.

لاحظوا خطب صدام حسين بعد حرب الخليج، وحتى الآن. نفس الخطب، والعراق يزيد فقرا وعذابا. هؤلاء الناس لا يهمتون بالعراق ولا بالعراقيين، ولكن بأنفسهم فقط.

وأنا الآن في المنفى، اقول علنا بأني، نعم، اريد تغيير النظام في العراق. اعرف بأنهم يتهمونني بالخيانة، لكن الحقيقة هي انني لم اشترك معهم في فسادهم وفي جرائمهم.

حياتي هادئة ونظيفة، وأنا لا اشرب الشاي ولا القهوة، ولا ادخن السجاير، ولا اتعاطي الخمر».

شيء آخر: في سنة 1948 كانت هناك حرب بين العرب واسرائيل، وانتهمت بهزيمة العرب. لكن النظام العراقي، حتى اليوم، يختم كل البيانات الرسمية بشعار: «تعيش فلسطين»، رغم ان الفلسطينيين انفسهم وقعوا اتفاقية سلام مع اسرائيل.

العراق غني بموارد كثيرة، مثل الماء، واذا كانت هناك ثقة بين العراق وجيرانه، كان سيمدهم بالماء، لكن جيراننا لا يثقون فينا، ولا بد انهم يسألون: ماذا اذا اعتمدوا علينا لامدادهم بالماء، ثم فجأة قطعناه عنهم؟

ونفس الشيء مع الولايات المتحدة. في سنة 1968 (عندما وصل حزب البعث الى حكم العراق) اتجه العراق نحو روسيا، وخاف الأميركيون والأرووبيون بأننا سننشر النفوذ الروسي في المنطقة، وكانوا على حق في ذلك. لو كنا، منذ ذلك الوقت، فعلنا ما فعلت دول الخليج، وتعاونا مع الولايات المتحدة، كان الوضع الحالي سيكون مختلفا جدا.

وانا لا اعرف أي سبب يمنع قيام علاقات صداقة بيننا والأميركيين، ولو كان هذا حدث منذ سنوات طويلة، كان الاستقرار سيعم المنطقة، وكان جيراننا سيثقون فينا».

وهناك مشكلة التطرف الاسلامي في المنطقة، وأنا اقول ان سياسة العراق اليسارية والثورية ساعدت على انتشاره. ونحن نرى نتائج هذا التطرف الاسلامي في دول مثل السعودية والأردن والكويت.

لكن العراق نفسه اصبح ضحية هذا التطرف الاسلامي، وذلك لأننا سرنا في موكب عداء اميركا والغرب. ولهذا بدأ حزب البعث، نفسه، يميل نحو التدين، ويركز على الدين في الحرب ضد أميركا.

أنا لا اصدق ان حزب البعث اصبح اسلاميا، لكن الحقيقة هي ان هناك الآن اختبارات دينية لاعضائه، وحتى اجتماعات الحزب تتعطل عندما يحل وقت الصلاة.

هذا تطور غريب، وخطير، وهو يساهم في زيادة النعرة الدينية، واذا لاحظنا ان النعرة الدينية تسيطر الآن على ايران، ربما لن يمر وقت طويل قبل ان تسيطر على العراق ايضا.

وهذا سيكون سبب حرب عالمية اخرى.

(نهاية الاجتماع. سجل المحضر سميدوفتش، من مفتشي الأمم المتحدة).